جودي الأسمر*- برلين
بأعلى قدر من اللياقة التي يقتضيها الخطاب الصحفي، يمكن القول أنّ الدكتور وليد فياض، وزير الطاقة والكهرباء في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وخلال مشاركته في نقاش حول "السياسات النسوية وهدف التنمية المستدامة السابع" في "حوار التحول الطاقي في برلين"، هو أمر بالحد الأدنى يتجاهل أصوات نسائيّة لبنانية تراكم النضالات والتخصصية والإنجازات في معارك العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، وبالحد الأقصى فهو أمر بعيد عن الواقع اللبناني.
ماذا قال الوزير فياض؟
جاءت مشاركة الوزير فياض اليوم خلال حلقة حواريّة من الجولة التاسعة لـ"حوار التحول الطاقي في برلين" (BETD 2023)، الذي تنظمه الحكومة الألمانية، ويجمع رؤساء ووزراء وخبيرات وخبراء في شتى المجالات ذات الصلة بالطاقة والبيئة والاجتماع.
في المنطق العام، الغريب مشاركة وزير في نقاش حول "سياسات نسائية"، فيما النساء في لبنان على السلم الأدنى من السياسات، ويعطى الصوت للرجل أيضاً في شؤون النساء. وقد لا يكون الأمر غريباً في الميزان اللبناني، حيث تتبوأ الوزارة في الحكومة الحالية امرأة واحدة على رأس وزارة رمزية.
وغريب أيضاً أن يجري الحديث عن "الطاقة النظيفة" في لبنان الذي يعتمد على الوقود الأحفوري، ولا تمثل الطاقة المتجددة والنظيفة أكثر من 4 بالمئة من التزويد الطاقي، في حين أنّ "الوزير فياض وضع خطة طموحة لإنتاج 30 بالمئة من الطاقة النظيفة في لبنان بحلول عام 2030، أي خلال 7 سنوات فقط"، حسب ما أوردت ميسرة الجلسة، ميلاني كراين.
في المقابل، جمعت الحلقة السيدات ريبيكا شيرلي (كينيا)، فالنتينا بيلياكوفا (أوكرانيا)، لوسيا باكولومباجي وامالا (أوغاندا)، وهنّ باحثات وناشطات وسيدات أعمال يمتلكن قصص نجاح لامعة في مجال دمج المرأة في مسألة البيئة والعلوم.
وفي ردّه على سؤال "ماذا يقتضي وجود سياسة طاقية نسوية؟"، يردف الوزير فياض "إنه العمل على الانخراط الجندري وعدم التمييز، وهذا لا ينحصر في النساء، ذلك أنه لدينا الكثير من أنواع التمييز التي يجب إلغاؤها، منها الديني والطائفي والثقافي. ولبنان يعاني وضعاً شديد القسوة، بسبب الأزمة المالية المستمرة في البلاد منذ سنة 2019، وهذا ما جعل الكهرباء التي تؤمنها الدولة غير متاحة كما سابقاً بسبب غياب الموارد".
وبرأي فياض، أنّ "الحل كان رفع الدعم عن قطاع الكهرباء، وهذا ما بيّن للبنانيين بوضوح مكاسب الطاقة المتجددة"، مشيداً بـ"اعتماد اللبنانيين الطاقة الشمسية البديلة، خصوصاً أنّ بديل المولدات الخاصة، شديدة التكلفة. وشهدنا اعتماد الطاقة الشمسية لتأمين حوال 600 ميغاوات، ما يعني تقريباً 10 بالمئة من الطاقة في لبنان".
وقال أن "الطاقة الشمسية والمتجددة لا تنتشر بالشكل المطلوب في لبنان، على الرغم من القدرة الانتاجية للمناخ في لبنان، كالشمس والهواء، بينما ديناميات السوق تشجع على استهلاك الطاقة النظيفة، وهذا ما سينعكس على أسلوب الحياة ومعها يأتي تحسن وضع النساء".
ووصف أن التحدي في لبنان هو "وصول النساء في مجال الأعمال وصنع القرار لأن مساهماتهن مطلوبة لدعم الانتقال الطاقي، لكن يوجد تمييز ضد النساء في لبنان على مستوى التعليم في مجال العلوم والطاقة والرياضيات".
وانتقد فياض "النظام الاقتصادي العالمي المرتكز على المضاعفة اللامحدودة للأرباح المالية، بينما يجب قياس الأرباح على مستوى العوائد على البيئة والموارد والمجتمع- وحين نشتغل على هذه العوائد، سوف نكون تالياً مجتمعات دامجة".
وتحدث عن قانون "قانون الطاقة المتجددة الموزعة" الذي لا يزال منذ شهور حبيس اللجان النيابية للمصادقة عليه.
واللافت أخيراً انتقاد الوزير فياض "المولدات الخاصة التي تستخدم المازوت، في مقابل التشجيع على اعتماد الطاقة النظيفة اللامركزية".
في حين، لم يتخذ وزير الطاقة أي إجراء لإيقاف اعتماد المولدات الكهربائية الخاصة التي تنامت بعد الأزمة بشكل أصبحت شبكة موازية غير شرعية لتوليد الكهرباء. ويتجاوز عدد المولدات 7000 مولد حتى عام 2022، وتربو الأرباح السنوية لهذا "القطاع" على 2 مليار دولار أميركي. فهل المطلوب والكافي من وزير الطاقة هو الاعتراض على وجود هذه المولدات؟
حقاً "سياسة طاقية"؟
يشيد الوزير فياض ببدء انتشار الطاقة المتجددة في لبنان، ولامركزيّتها، وهي كلّها مرتكزة على مصالح القطاع الخاص. والمناقض هنا، استشهاد الوزير فياض خلال مداخلته بتجربتي كينيا والامارات المتحدة، معبراً عن إعجابه بإنجازات رئيس كينيا وليام روتو، ووزير الصناعة والتكنولوجيا الاماراتي سلطان بن أحمد سلطان الجابر، اللذين حظيا بتكريم خاص في الحوار من خلال القائهما الكلمة الرئيسية في اليومين الأول والثاني.
والوزير فياض يعرف أن استحقاق وإلهام المسؤولَين لم يعتمدا على القطاع الخاص، إنما على الكفاءة في القيادة والحوكمة والتفاني لمصلحة البلاد. بينما كان "الحل" الحكومي بالنسبة للوزير هو رفع الدعم عن قطاع الكهرباء، والتعويل على الطاقة الشمسية التي تستدعي تكاليف باهظة، لا يقوى عليها 80 في المئة من الشعب اللبناني الذي انزلق تحت خط الفقر.
تمنيات نسويّة
على المنوال نفسه، عالج الوزير مسألة السياسات النسوية بـ"التمني" و"رفض الواقع" والعموميات الواسعة، بدون أن نلمس خلال ولايته خطوات عملية تترجم هذه النوايا.
الجدير بالانتباه أنّ الخبيرة والناشطة الأوكرانية فالنتينا بيلياكوفا، استدركت قبل مشاركتها، متوجهة الى الوزير اللبناني، "لا زلتُ أرى أن الرجال يسيطرون على قطاع الطاقة، أتمنى أن تستطيع أن تكون سفيراً للنساء لتساعدنا على التطور، ويجب أن تعمل على تمكين النساء بحيث يكنّ في يوم من الأيام في موقع مثل موقعك".
لكن المشارِكة النسوية لم تكن تعلم ما هو أكثر دعوة للأسف، أن تقود وزارة الطاقة السابقة امرأة، وأن تكون مديرة عام النفط في وزارة الطاقة والمياه المتقاعدة امرأة، فيما لم يلحظ أداؤهما أولويات داعمة للمرأة.
ولا يمكن الحديث عن القصور السياساتي النسوي في لبنان، دون التطرق إلى العنف المباشر اللاحق بالمرأة اللبنانية، التي لا تزال ممنوعة من إعطاء جنسيتها لأطفالها، وتعاني التمييز في قوانين الحضانة والميراث، ويكال بالخفة لمسائل العنف وجرائم قتل النساء التي تدوي مآسيها باطراد، ويستمر تقييد المحاسبة بسبب بأبعاد دينية واجتماعيّة مكرّسة بالسلطات الأبوية- الدينية منها والسياسية.
ويحدث هذا النقاش في حين يحتل لبنان المرتبة 119 من أصل 146 على مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2022.
كما لا يزال لبنان في مرتبة نسوية متدنية في شتّى المجالات منها المرتبة 135 في المؤشر الفرعي للمشاركة الاقتصادية، و90 في التحصيل العلمي، و75 في الصحة والبقاء، و110 في التمكين السياسي، بحسب أرقام أوردها اليوم تقرير "برنامج الأمم المتحدة الانمائي" في لبنان، بمناسبة نهاية الشهر الدولي للنساء.
طرح الأولويات
لا يمكن حصر السياسات النسوية في قطاع طاقيّ أو حتى نسائي، إنما يجدر البدء بإرساء سياسات نسوية عابرة لكلّ القطاعات.
وهنا ننقل حرفياً عن الوزير اللبناني، "هناك الكثير يجب فعله". صحيح- لكن، لم نعلم متى يبدأ الفعل، ومن سيفعل؟
من جهتها تقول الخبيرة الجنسانية عبير شبارو أنّ "المرأة في لبنان بالرغم من تهميشها في السياسات العامة، تبرهن عن مبادرة ومسؤولية في مجال الطاقة"، وأنّ "النساء يتجهن أكثر للتخصص في الهندسة والطاقة والعلوم في لبنان، ويرأسن شركات لاعتماد الطاقة النظيفة".
وينعكس اعتماد الطاقة المتجددة والنظيفة مباشرة على حياة النساء، فـ"التغذية الكهربائية الدائمة ستساعد النساء على إتمام الخدمات الرعائية المنوطة بهن داخل الأسرة بسبب أدوارهن الجندرية، ما سيجعل المرأة اللبنانية تكرّس الوقت اللازم أيضاً للنشاط الاقتصادي وللعمل عن بعد".
وتستحضر شبارو نموذجاً في منطقة ريفية يبرهن عن انخراط النساء الأكثر تهميشاً في معركة الطاقة وتغيير المناخ، فـ"في قرى من عكار تدربت السيدات على تركيب الطاقة الشمسية وصرن يعملن في المجال".
كما في طرابلس، نجحت سيدة ترأس جمعية محلية على إضاءة 21 شارعاً بالطاقة النظيفة، في حين فشلت حكومات وبلديات على إمداد هذه الشوارع- وكل لبنان- بالكهرباء.
وفي وقت تحتفي ألمانيا بتخلّصها خلال سنة واحدة من الاعتمادية على الغاز الروسي، وبلدان العالم تسابق نفسها وتسابق بعضها لتصفير الانبعاثات الكربونية والاعتماد الكامل على الطاقة النظيفة، لا يعرف لبنان سوى التأمل بسياسات نسوية دامجة، وانتظار بواخر الغاز لينعم ببضع ساعات كهرباء يومياً، لقاء بدل كلفة خرافي قياساً لقدرة المواطنين في دولة تنهار بكل المقاييس.
*صحافية – زمالة "حوار برلين للانتقال الطاقي 2023"