سالي حمود
للإعلام اليوم دور مفصليّ في رسم المرحلة المقبلة التي تلي المخاض السياسيّ الذي يمرّ به لبنان. إذ أنّه يخطّ مسوّدة العقد الاجتماعيّ الجديد، من خلال توليف المنابر الإعلاميّة للغة ومصطلحات تعيد تكوين مفاهيم كلّ من المواطنة، والمعارضة، والسلطة، عبر وضع إطارات تعيد تموضع القضايا في المحاور المتطرّفة منها والمعتدلة أحياناً نادرةً.
بغضّ النظر عن تعقيدات الحلول المطروحة والمتاحة، وبغضّ النظر عن تحفّظات كثيرين عن نتائج الانتخابات الحاليّة، وعن بعض الأشخاص ورمزيّتهم، إلّا أنّ الروح التغييريّة من دون شكّ، أفرزت ذاكرة عاطفية جديدة، تنتج جماعات تشاركيّة قد تتباين بين بعضها بعضاً في طرحها لمسائل سياسيّة واقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة. وهذا أمر طبيعيّ وصحّي، في مجتمع يحاول الخروج من آليّة حكم تاريخيّة مهترئة تقوم على محاصصة في كلّ شيء، إلّا في مصلحة الوطن والمواطن.
وفي نظرة بانوراميّة نحو المشهد السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، نرى الإعلام يخطّ ويرسم ويلوّن الخطابات القائمة في المجالات المختلفة. فالإعلام وحده القادر على أن يكوّن الإدراك العام، والإسقاطات الفرديّة للمرحلة المقبلة، وبالتالي ارتهانه لأجندات وأموال مشبوهة، يهدّد أيّ محاولة لبناء وعي جماعيّ "نظيف".وفي المشهديّة الإعلاميّة، زحمة وتزاحم على كسب "سكوبات" إعلاميّة بأيّ ثمن يكن.وأتساءل، هل هو انعدام مهنيّة الإعلام، أم ضعف خبرة النوّاب الجدد (باستثناء بعضهم)؟ هل الأمر من أجل تقزيم الانتصار الذي أحرزته ١٧ تشرين؟هل الهدف أدلجة الناس نحو عدم تقبّل التغيير؟ أم تحجيم التغييريّين وتخوينهم من أجل الحفاظ على عقد اجتماعيّ عمره عقود وربما قرون؟
لربما هي كلّ ما ذكرت...إنّ تاريخ نشأة القنوات التلفزيونيّة وإذاعاتها وصحفها لا يخفى على باحث، أو مشاهد، أو مستمع أو أيّ أحد.
فما يقوم به الإعلام الجماهيريّ اليوم من حملات ترهيب و تخويف وتحجيم وتسخيف هو أمر مفصليّ في حياة "المعارضة" التي وُلدت من رحم ١٧ تشرين.فالعرض الذي منح للنوّاب الجدد على الهواء مباشرة هو انتقاص من قيمة المنصب التشريعيّ، واستخفاف بذكائهم، وتقزيم لكيانهم أمام الجمهور، كما هو محاولة خطف سياسيّة على الهواء من قبل من يموّل في تلك اللحظة وما قبلها بقليل. حتّى أنّ فيها اختراق للأمن القوميّ، إذ أنّ المكاتب التي عرضت جميع اتّصالاتها ومحاضرها مسجّلة. أمّا محاور "الجلسة الاحتفاليّة" فكان فيها تلاعب بالرأي العام وشقّ المعارضة من قبل إنشائها.
أمّا الإعلام الرقميّ المستقلّ، وهو حديث التاريخ نسبيّاً، وعلى الرغم من أخطاء بعضه في الأسلوب والمضمون والمحتوى، وفي إدارة الخبر والأنباء، وعلى الرغم من أنّ العديد من هذه المنابر مشتبه فيه حتّى الإدانة، إلّا أنّ هامش تحرّره يكسح الإعلام الجماهيريّ. على الأقلّ لا يمتلك حنكة القنوات العتيقة، لذا بات مكسر عصا في الاحتجاجات والمظاهرات، فيتمّ الاعتداء عليه من قبل القوى الأمنية بشراسة وضراوة، وكأنّه يفعل بأصحاب تلك المنابر الإعلاميّة المتواضعة ما لا يقدر على فعله بأصحاب المؤسسات الكبرى والأكثر تأثيراً.
للإعلام دور أساسيّ في إدارة الأزمات في البلاد، وفي تأطير سرديّة للتاريخ، وفي ضبط الأمن وفي الحفاظ على السلم الأهليّ، إذ أنّ الخطابات الإعلاميّة تفرز واقعاً جماعيّاً بين المواطنين. وبما أنّ الإعلام الجماهيريّ هو جزء لا يتجزّأ من المنظومة السياسية التي أدّى فسادها إلى انهيار الوطن على جميع الأصعدة، فعلينا التمسّك بالإعلام البديل ودعمه حفظاً على التاريخ والأحداث، كما علينا التضامن معه حين تنتهك مهنيّته ويتعرّض للاعتداء، كما علينا اللجوء إليه للبحث عن الوقائع غير المفلترة.في النهاية، عتبي على بعض الرفقاء، النوّاب الجدد الذين، للإعلام البديل، فضل عليهم في تجاوز حائط ساحة النجمة، وتوثيق ١٧ تشرين خلال تلك الأعوام، ومن بعد ما عتّم الإعلام الجماهيريّ على الساحات.لذلك، فللإعلام فضل في دخول النوّاب الجدد إلى قلب مبنى البرلمان، ولم يطلقوا أيّ بيان أو كلمة أو تصريح يدين الاعتداء على الإعلام البديل في ساحات الثورة من بعد جلوسهم على كراسيهم الجديدة.فلنترقّب ونرَ!