النهار

لبنانيو الاغتراب: تسونامي انتخابات 2026 لناظره قريب!
لبنانيو الاغتراب: تسونامي انتخابات 2026 لناظره قريب!
من عملية الاقتراع لانتخابات 2022.
A+   A-
الدكتور فادي جواد
 
من دون أدنى شك، فإنّ ما حصل في الانتخابات كان أقل ما يتطلع إليه اللبنانيون بعد الكوارث التي يتعرّض لها لبنان منذ 3 أعوام. هذه الانتخابات التي أطاحت أسماءً تاريخية مثل إيلي الفرزلي، طلال أرسلان، فيصل كرامي وأسعد حردان وقلبت الموازين وجعلت الأحزاب التقليدية تتخبّط في أسلوب التعاطي مع نتائجها حيث أثبتت الوقائع على الارض أن المنظومة لم تطوّر نفسها وتواكب ثورة التعاطي مع المجتمع بل احتفظت بأساليبها التقليدية. وأسترجع في هذا الإطار مقالاً كتبته في "النهار" بعنوان "التواصل الضائع بين جيل "بيبي بوميرز" وجيل "Z" في أوائل 2020 الذي استشرفت فيه التباعد بين الطبقة الأوليغارشية اللبنانية والشعب، ونصحت سياسيينا حينها "بالعمل على استيعابه وعدم الاستخفاف في التعامل معه حيث بإمكان هذا الجيل أن يغيّر التاريخ ومجريات الأحداث". وهذا ما اعترف به النائب السابق فيصل كرامي بتفاجئه بوجود شباب "ما فهمنا عليهم"، وتصريح سليمان فرنجية بالقول "زمطنا"!
 
ومن هذه المعطيات السابقة والمستمرة، انطلق تسونامي التغيير من دنيا الاغتراب لجيل من الشباب هاجر من الوطن هرباً من هذه الطبقة التي دمّرت ما بقي من أمل وانضمّوا الى قافلة المغتربين الذين وصلوا الى درجات من الإحباط بعدما هدر هذا النظام جنى عمرهم في المصارف اللبنانية ودمّر مقدّرات البلد!
تسونامي التغيير بدأ من دبي بعدد مقترعين وصل إلى 77% مروراً بالكويت 62% وصولاً الى بقيّة القارات التي قادت الصناديق القادمة منها رايات التغيير ولفحت لبنانيي الداخل وأعطتهم الحماسة لإسقاط ورقة في الصندوق مغايرة لتوجّهات قوى الواقع، وقد رأينا ذلك بالصوت الدرزي الذي انقلب وأتى بثلاثة نوّاب من خارج الحزب التاريخي لمنطقتهم، والصوت الشيعي الذي خرج عن الطاعة وأفرز شباباً من وجوه الثورة أفقدتهم الأكثرية، وصولاً الى بقيّة المناطق التي خرقت بتغييريين جدد كانوا من المواظبين على أسوار ساحة المجلس لاختراقها.
 
ومن تجربتنا كمغتربين لا بدّ من التنويه بالأداء المميز لوزارة الخارجية والمغتربين في إدارة العملية الانتخابية، وقد كان لافتاً ما قام به مدير المغتربين السفير هادي هاشم الذي أمسك بكل مفاصل العملية وتابع عملية مراقبة أقلام الاقتراع مبدّداً هواجسنا في نزاهة التنظيم ونقل الصناديق من 205 مراكز حول العالم وتعاطى مع الجميع على قدم المساواة وأمّن أرضية عادلة للجميع حيث لمسنا هذا في سفارة لبنان في الكويت وذلك في الحرص على تمثيل الجميع بمساواة.
وعلى الرغم من أن القانون مفصّل على مقاس المنظومة، جاء الخرق ليثبت للأولغارشية الحاكمة أن 2026 ستكون ثورة في عدد المقترعين، فما حصل سيحفز من تردّد واعتقد أن صوته لن يغيّر على المشاركة في تغيير لبنان الذي نعرفه! وهذا سوف يجعل الأحزاب التقليدية تسعى لتقييد قوانين خفض سن الاقتراع حيث أثبتت هذه الانتخابات أن أصوات الفئة العمرية من 21 الى 27 اتجهت الى النواب الجدد، ما يجعل ضمّ من تحت الـ21 خطراً وجودياً على هذه الأحزاب، بالإضافة الى السعي لعرقلة إعادة انتخابات المغتربين أو حصرهم بانتخاب 6 نواب اغتراب بدون تأثير على الداخل.
 
الدروس التي يجب أخذها بالرغم من هذا القانون السيّئ أن الشعب لو أراد التغيير واجتمعت الإرادة ونزلت الأصوات المتردّدة الى الصناديق لجعل التغيير يصل بأعداد أكبر، إذ إن الصوت الواحد يغيّر وأبرز مثال سقوط جاد غصن بـ88 صوتاً ونجاح آخر بـ77 صوتاً فقط في الشمال. والدرس الآخر، أنه لو توحّدت قوى المجتمع المدني في لوائح واحدة لكان جمع الكسور التي حصلت عليها هذه اللوائح وصل إلى عدد أكبر من النواب التغييريين ولأوصلت على الأقل 37 نائباً كانوا سيشكلون 30% من أصوات المجلس!
 
اليوم عاد المغتربون الى لبنان من بوابة الانتخابات التي جعلتهم يشعرون بالانتماء والقدرة على المشاركة في خلق وطن جديد قادرين فيه على صنع القرار أو المشاركة فيه، وأصبح لوجودهم حساب في أجندة قوى الأمر الواقع، وعادت الثقة لهم بأن لبنان لا يموت ولا أحد قادر على أخذه باتجاهات عكس مزيجه الوطني المشكل من طوائف مـتوالفة تحت حلم واحد وهو "لبنان الواحد" (من رؤية أحمد جواد 1977) الذي نحلم جميعاً بالعودة إليه، في ظل نظام مدني يحمي حقوق الجميع سواسية، وقضاء غير مسيّس يقضي على الفساد في سرقة أصول الدولة، والهدر المتواصل في أموال المودعين لدعم أجندات الطبقة الأولغارشية، وعلاقات أخوية عربية تحمي التاريخ ونهضة اقتصادية عمرانية بأموال المغتربين قادرة على إعادة 10452 كلم الى الخريطة بحجم شعب يقلّ عن عدد سكّان مدينة في الصين أو مصر...
 
وإن 2026 لناظره قريب!
 
*خبير في اقتصاد النفط والغاز وتنمية الموارد البشرية

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium