النهار

إشكالية انتقال صلاحيّات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته الى حكومة تصريف الاعمال
المصدر: "النهار"
إشكالية انتقال صلاحيّات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته الى حكومة تصريف الاعمال
صورة تعبيرية.
A+   A-
المحامي والاستاذ الجامعيّ ادغار قبوات
 
طُرحت في الآونة الأخيرة مسألة تفسير الآليّات الدستوريّة الآيلة الى الانتقال الحكميّ لصلاحيّات رئيس الجمهوريّة المنتهية الولاية الى الحكومة المستقيلة وكالةً، بكلّ تجليّاتها ومفارقاتها الدستوريّة، كما طُرحت ايضًا مسألة تحديد الصلاحيّات الدستوريّة الجائز انتقالها الى الحكومة من الناحية العمليّة، والمهل الدستوريّة التي ينبغي على رئيس مجلس النواب الاحتكام بها للدعوة الى انعقاد الجلسة الانتخابيّة لانتخاب الرئيس العتيد. لذلك، ومنعاً لأي التباس في مقاربة هذا الاستحقاق المفصليّ، لا بدّ من اجراء مراجعة افقيّة متأنّية للمواد 49، 62، 73،74، و75 من الدستور اللبناني.
 
لقد نصت المادة 62 من الدستور على انه "في حال خلوّ سّدة الرئاسة لأي عّلة كانت، تناط صلاحّيات رئيس الجمهورّية وكالة بمجلس الوزراء." تأسيسًا على ذلك، تعتري هذه المادة الدستوريّة اشكاليّة مزدوجة يجب التصدّي لها. الجزء الأوّل من الاشكاليّة ينحصر حول معرفة ماهيّة الصلاحيّات العائدة اصلاً لرئيس الجمهوريّة، والتي يمارسها مجلس الوزراء نيابةً عنه في ظل شغور سدّة الرئاسة، لا سيّما ان المادة المذكورة لم تحدّد كيفيّة ممارسة مجلس الوزراء هذه الصلاحيّات عمليًّا لناحية تحديد الإجراءات الواجب إتباعها. امّا الجزء الثاني من هذه الاشكاليّة، فتكمن في معرفة مدى دستوريّة تلقّي حكومة تصريف الأعمال صلاحيّات رئيس الجمهوريّة المنتهية ولايته، وممارستها لها ضمن حدود وكالتها عن الرئيس. فالمادة 62 من الدستور لم تميّز بين الصلاحيّات التي يمكن للحكومة ان تمارسها من جهة، وبين تلك التي لا يمكنها ممارستها نظرًا لطبيعتها الخاصة.
 
من جهة ثانية، لم تحتو المادة 62 على اي فقرة تجيز لحكومة تصريف الاعمال من تلقّي وممارسة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في حال الشغور الرئاسي، كما انها لم تتضمّن اي فقرة تحظّر على حكومة تصريف الأعمال القيام بذلك. فنشأ الخلاف، وتباينت الآراء، واجريت انعطافات خطرة، تنحو نحو الفراغ الدستوري الذي ضرب مبدأ حسن سير مؤسّسات الدولة، مما دفع المجلس الدستوري اللبناني في قرار له، بالاعتراف بالآثار السلبيّة والخطرة للفراغ الرئاسي على حسن سير المؤسسات، لا سيّما في ظلّ غياب النصوص الدستوريّة التي ترعى هذه الحالة من الناحية الاجرائيّة: "ان شغور سدّة رئاسة الجمهوريّة، واناطة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وكالة بمجلس الوزراء، ترك انعكاسات سلبيّة بالغة الخطورة على اداء السلطة الاجرائيّة، وبالتالي على مؤسسات الدولة كافة" (قرار المجلس الدستوري رقم 7/2014، تاريخ 28/11/2014 والمتعلّق بطلب ابطال القانون رقم 16، الصادر بتاريخ 11/11/2014 والمتعلّق بتمديد ولاية مجلس النواب).
 
اوّلاً: في وجوب التمييز بين الصلاحيّات الدستوريّة المناطة وكالةً بمجلس الوزراء.
 
إن الغاية من هذا النص هو تأمين استمراريّة السلطة الإجرائيّة واستمراريّة عمل إدارات الدولة ومؤسّساتها العامّة بصورة منتظمة. يستفاد إذًا من نصّ المادة 62 بأن جميع صلاحيّات الرئيس تنتقل إلى مجلس الوزراء. إلاّ انه غاب عن بال المشترع الدستوري، بأن هناك استثناءات على هذا المبدأ، مفادها ان بعض الصلاحيّات لا يمكن ان تنتقل إلى مجلس الوزراء نظراً لطبيعتها الدستوريّة، كونها لصيقة بشخص رئيس الجمهوريّة، ومنحت له بصورة شخصيّة، إما لأنها معطاة له بصفته رئيسًا للدولة، ومحصورة فيه ولا تنتقل إلى سواه. مثلاً، ان الصلاحيات التي تعود إلى رئيس الجمهوريّة بصفته الشخصية يمكن حصرها على سبيل المثال لا الحصر، بتوجيه رسائل إلى مجلس النوّاب، مراجعة طعن في عدم دستوريّة قانون امام المجلس الدستوري، عرض اي امر من الأمور الطارئة على طاولة مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، حقّ الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في اي قرار من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهوريّة. كذلك الأمر، لا يمكن انتقال الى مجلس الوزراء في حالة الشغور الرئاسي لكلّ الصلاحيّات التي تعود لرئيس الجمهوريّة بصفته رئيسًا للدولة. فلا يمكن مثلاً لمجلس الوزراء منح أوسمة الدولة، والعفو الخاص، أو اعتماد السفراء اللبنانيين في الخارج، أو طلب إعادة النظر في القانون ضمن المهلة المحددة لإصداره، أو إجراء استشارات نيابيّة ملزمة لتسمية الرئيس المكلّف. امّا الصلاحيّات الوحيدة التي يمكن ان تنتقل الى الحكومة، فهي الصلاحيات التسييريّة التي تتسلّمها الحكومة منه لتسيير أعمال الدولة والمؤسسات.
 
أما المنهجيّة التي وضعت لممارسة مجلس الوزراء لعمله عند شغور سدّة الرئاسة والتي تقضي باتخاذ القرارات بالإجماع، وتوقيع جميع الوزراء على قرارات المجلس، فهي لا تخالف نصوص الدستور فقط، بل تؤدّي إلى عرقلة عمله وإلى شلّه، وتمكّن كلّ وزير من تعطيل اي قرار يتّخذه المجلس بمجرد عدم الموافقة عليه، لأيّ سبب كان. أكثر من ذلك، حتى ولو حظي الوزير بموافقة بقيّة اعضاء المجلس او اكثريّة الثلثين منهم، فأصبح "حق فيتو" المعطى له معطِّلاً، أي أنه اكتسب صلاحيّة لا يملكها اصلاً، بل لا يملكها رئيس الجمهوريّة نفسه، وتجلّى ذلك بشكل واضح مثلاً في الاعتراض الذي تقدّم به عدد ضئيل من الوزراء على دفتر شروط مناقصة إدارة شبكتي الهاتف الخليوي، وتلزيم البلوكات النفطيّة، وتزويد لبنان بالغاز.
 
بالإضافة الى ذلك، لقد تمّ الإعمال بنص المادة 62 من الدستور في حكومة تمّام سلام بعد انتهاء عهد الرئيس سليمان بتاريخ 25/5/2014، حيث تعذّر على مجلس النواب انتخاب رئيس جديد للبلاد بمقتضى المادة 73 من الدستور. تقرّر حينها ان قرارات مجلس الوزراء في حالة الفراغ الرئاسي، يجب ان تصدر بإجماع الوزراء، وكان عددهم آنذاك 24 وزيرًا. إلاّ ان هذا الإجراء سبّب العديد من الخلافات والنقاشات والتجاوزات داخل مجلس الوزراء، ممّا ادّى إلى شلّه كليًّا، هذا فضلاً إلى انه يخالف الدستور الذي يحدد آليّة اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، فضلاً عن النصاب الواجب توافره لاستصدار قرار عنه. لذلك، كان من الأجدى على المشترع الدستوري، إضافة فقرة على المادة 62 من الدستور، من شأنها استثناء بعض الصلاحيّات الخاصّة برئيس الجمهوريّة من الانتقال إلى مجلس الوزراء مجتمعًا، فضلاً عن تحديد لآليّة اتّخاذ القرار في مجلس الوزراء في حالة الشغور الرئاسي، على غرار ما فعله المشترع الدستوري الفرنسي في المادة 7 من دستور 1958، حيث استثنى مجموعة من الصلاحيات الدستوريّة من إمكانية انتقالها من رئيس الجمهوريّة في حالة الفراغ الرئاسي لرئيس مجلس الشيوخ، كما يتبيّن من نص المادة 11 و 12 منه، وتعنى هذه الصلاحيّات بعرض اي مشروع قانون على الاستفتاء الشعبي ومنع حلّ الجمعيّة الوطنيّة.
 
وهنا، قد يكون من المجدي ان يسير المشترع الدستوري اللبنانيّ على خطى المشترع الدستوري الفرنسي، في سبيل تحديد الصلاحيّات التي يجوز لمجلس الوزراء ممارستها وكالة عن الرئيس.
 
ثانيًا: في وجوب ممارسة حكومة تصريف الأعمال لصلاحيّات رئيس الجمهوريّة المنتهية ولايته ضمن حدود وكالتها عنه.
 
ان المادة 62 من الدستور، والمذكورة اعلاه، مستوحاة من نص المادة 7 من دستور الجمهوريّة الفرنسيّة الثالثة تاريخ 25/2/1875 التي تنصّ:
 
“En cas de vacance par décès ou pour tout autre chose, les deux Chambres procèdent immédiatement à l’élection d’un nouveau président. Dans l’intervalle, le Conseil des ministres est investi du pouvoir exécutif ».
 
بعكس ما هو الحال في الجزء الأول من هذه الدراسة، فان النصّين بصيغتيهما العربيّة والفرنسيّة واضحان كلّ الوضوح لهذه الجهة. بالرغم من ذلك، انقسمت الآراء في خصوص مدى جواز شمول المادة 62 من الدستور اللبنانيّ على حالة "انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة من دون انتخاب خلف له"، من ضمن الحالات المعنيّة والمذكورة في المادة هذه، وذلك، بالرغم من عدم ذكرها صراحة، اذ يدعو البعض الى اخراج هذه الحالة من حالات الشغور الرئاسي، والامتناع عن تطبيق الحلّ المقرّر لحالات خلوّ سدّة الرئاسة عليها. يستند اصحاب هذا الرأي الى مبدأ استمراريّة المرفق العام، الذي يوجب بقاء الرئيس في موقعه، حتى ولو انتهت ولايته، الى ان يتمّ انتخاب خلف له، في حين ان تولّي مجلس الوزراء صلاحيّات الرئيس بالوكالة، كان يتعيّن الاّ يحصل، الّا في حال خلوّ سدّة الرئاسة، وهو شرط يتحقّق بفعل حدث قد يطرأ خلال الولاية، او في حال أحجم الرئيس عن الاستمرار في المسؤوليّة لدى انتهاء مدّة ولايته، على الرغم من عدم انتخاب خلف له.
 
الاّ انّه يجب الاشارة الى عدم دستوريّة ودقّة هذا الرأي لاعتبارات جمّة. فالنصّان اللبنانيّان، اسوةً بالفرنسي، لا يحتملان التأويل في ظلّ وضوحهما، وبالتالي، لا اجتهاد بمعرض وضوح النصّ. على عكس ذلك، انّ الرأي السائد يعتبر انّ ما ينطبق على سائر حالات خلوّ سدّة الرئاسة، ينطبق على حالة "انتهاء ولاية الرئيس من غير انتخاب خلف له"، بحيث لا يجوز للرئيس البقاء في الحكم بعد بلوغ اجل ولايته المحدّدة في المادة 49 من الدستور، ويتعيّن على مجلس الوزراء، اذ ذاك، ممارسة صلاحيّات الرئيس بالوكالة، تغليبًا للقاعدة القائلة "بانتهاء مهمّة اي موظّف كان، بانتهاء ولايته، ما دام ان القانون حدّد الجهة التي تقوم مقامه".
 
وبالتالي، تقضي هذه النظريّة بأن تنتهي مهمّة اي موظّف كان، بانتهاء ولايته المحدّدة في القانون او الدستور، لسبب يعود لخلوّ الوظيفة. هذا مع العلم بأن هذه النظريّة لا تتعارض مع مبدأ ضرورة تأمين استمراريّة المرافق العامة كون الدستور اللبنانيّ قد احتاط لهذا الفراغ في المادتين 62 و74 منه. أكثر من ذلك، يتبيّن ان لهذه القاعدة اصولاً عثمانيّة تتجلّى في نص المادة 64 من مجلّة الأحكام العدليّة، كما نجد بعض الجذور لها في القانون الروماني قبل الفقه الاسلامي، المعبّر عنها بموجب القاعدة Lex est commune praeceptum اي ان القانون إنّما يؤلّف قاعدة شاملة، و Lex non distinguitاي انّ القانون لا يميّز.
 
فان المصطلح " لأيّ علّة كان" الوارد في النصّين العربيّ والفرنسيّ، يحمل في طيّاته معاني الشموليّة، ويضمّ بالتالي جميع الحالات المسبّبة للفراغ الرئاسي من دون اي استثناء، وذلك بالاستناد الى القاعدة الشرعيّة القائلة "انّ المطلق يجري على اطلاقه، ما لم يقم دليل التقييد نصّاً او دلالةً".
 
"La situation d’un emploi permanent qui n’a plus de titulaire, par suite de décès, mise à la retraite, mutation , démission ou révocation… " CAPITANT, H. Vocabulaire juridique 1932, Ve vacance d’emploi, p. 490 et s.
 
وهنا، ينبغي الاشارة الى انّه، واستنادا الى المواد 73 الى 75 من الدستور، ينبغي على رئيس الجمهوريّة مغادرة القصر الجمهوريّ في اليوم الاخير من تشرين الأول، حتى ولو لم يتمّ انتخاب الخلف بعد.
تاريخيّاً، لم يسبق في ايّ مرّة تعذّر فيها انتخاب الخلف، ان استمرّ الرئيس المنتهية ولايته في موقعه، بل خرج جميع الرؤساء الذين واجهوا هذه الحالات من القصر الجمهوري لدى انقضاء مدّة العهد، لتتولّى من بعدهم الحكومة القائمة، سواء اكانت حكومة تصريف اعمال ام لا. فالممارسة الدستوريّة اثبتت ان الحكومات التي تولّت الحكم خلال فترات خلوّ سدّة الرئاسة، اتّخذت الكثير من القرارات التي تعدّ اعمالاً تصرفيّة، تخرج، بالمفهوم الدستوري، عن دائرة تصريف الأعمال بمعناها الضيّق.
 
تأكيداً على ذلك، تبيّن مثلاً انه بتاريخ 23/11/2007، عند انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، اعتبرت من قبل البعض حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مستقيلة، غير ميثاقية وغير دستورية بسبب استقالة المكوّن الشيعي منها. بالرغم من ذلك، اصرّ آنذاك الرئيس لحّود على تطبيق الدستور، ومغادرة القصر بعد الانتقال الحكميّ لصلاحيّاته الى الحكومة التي كان يعتبرها غير شرعيّة، منعًا لخرقه للدستور.
 
وحصلت ايضًا سابقتان، الأولى مع الرئيس امين الجميل عام 1988 والثانية مع الرئيس ميشال سليمان عام 2014، اللذين غادرا القصر بعد انقضاء الولاية الرئاسيّة، فانتقلت صلاحيّات الرئيسين الى الحكومتين القائمتين آنذاك، وذلك، بالرغم من الاعتراض الشعبي والسياسي عليهما. أكثر من ذلك، عملاً بمبدأ الاستمراريّة الذي يدلي به معارضو نقل الصلاحياّت الدستورية الرئاسيّة وكالة الى حكومة تصريف الأعمال، وتحاشيًا للوقوع في الفراغ الدستوري او في فراغ الحكم، وحرصًا على سلامة الدولة وسلامة المؤسسات والادارات العامة، ينبغي على الحكومة ان تمارس صلاحيّات الرئيس حتى ولو كانت حكومة تصريف اعمال. وهنا، يجب الاشارة الى انّه، لو اراد المشترع الدستوري تقييد الحكومة بممارسة هذا الحقّ، لكان نصّ بشكل صريح على وجوب توافر مواصفات "الحكومة المكتملة الصلاحيات" لتتمكّن من ممارسة صلاحيّات الرئيس دستوريّاً بمقتضى المادة 62 من الدستور. انّما، بعد قراءة متأنّية لنصّ المادة 62، ولكلّ المواد الدستوريّة ذات الصلة، لم يتبيّن وجود اي تقييد من هذا القبيل.
(لطفاً يرجى مراجعة بهذا المعنى ايضًا د. محمد المجذوب، الوسيط في القانون الدستوريّ اللبنانّي واهم النظم السياسيّة، الطبعة الخامسة، 2018، منشورات الحلبي الحقوقيّة ص 469 وايضاً، د حسن الرفاعي، نداء الوطن، منشور بتاريخ 23/8/2022 حديث أجراه معه الصحفيّ د ميشال الشمّاعي بعنوان "استمرارية السلطة تعود للحكومة ولو كانت مستقيلة").
 
بالعودة الى الوضع القائم اليوم في لبنان، وسنداً للمواد 49، 73 و75 من الدستور، يتوجّب اوّلاً الاشارة الى انّ ولاية رئيس الجمهوريّة في لبنان هي 6 سنوات غير قابلة للتمديد، وبأنّ المهلة هذه، سوف تشرف على الانتهاء بتاريخ 31/10/2022. كما يتوجّب الاشارة ايضًا، الى انّه ينبغي على رئيس مجلس النوّاب ان يدعو الى جلسة انتخابيّة ضمن المهلة الدستوريّة، على ان يصار بعد ذلك، الى اعتبار مجلس النواب هيئة انتخابيّة على سبيل الحصر، لا هيئة تشريعيّة.
 
يستفاد من المادة 73 من الدستور، انّه ثمة موجب دستوري واقع على عاتق رئيس مجلس النواب، يقضي بدعوة مجلس النواب للانعقاد من اجل انتخاب رئيس الجمهوريّة العتيد ضمن مهلة دستوريّة لا تتجاوز تاريخ 31/10/2022. وهنا، يجب الاشارة بأن هناك دعوة واحدة توجّه من رئيس مجلس النواب ضمن المهلة هذه، عملاً بصلاحيّاته المحفوظة دستوريّاً. اما الجلسات التي تلي، فهي جلسات اقتراع متتالية تدخل من ضمن صلاحيّاته الاداريّة في ادارة الجلسات، وفقا لصلاحياته المحفوظة في النظام الداخلي لمجلس النواب، وهي كلّها مرتبطة بالدعوة الاساسيّة التي سبق ووجهها بموجب المادة 73 المذكورة اعلاه، فيبقى مجلس النوّاب في حالة انعقاد دائم الى حين انتخاب الرئيس العتيد. وفي حال مارس رئيس المجلس حقّه الدستوري خلال هذه المهلة، ينزع الحقّ المعطى للنوّاب بالاجتماع حكمًا قبل عشرة ايام من انتهاء ولاية الرئيس.
 
يجب الاشارة ايضًا، الى انّه لا يجوز مناقشة أي أمر في مجلس النواب ولا إجراء اي جلسة تشريعيّة، وذلك منذ تاريخ انعقاد اوّل جلسة انتخابية، وحتى تاريخ انتخاب الرئيس العتيد، بغضّ النظر عن الوقت الذي قد تستغرقه العمليّة الانتخابيّة. فمنذ انعقاد الجلسة الاولى، يبقى مجلس النواب في حالة انعقاد دائم حتى انتخاب الرئيس العتيد، ذلك ان الأولويّة تعطى لاكتمال المؤسسات وملئ الشواغر المؤسساتيّة والدستوريّة. لذلك، ينبغي على رئيس مجلس النواب، إذا أراد مناقشة او اقرار الموازنة العامة مثلاً، وهو عمل تشريعي بامتياز، ان يختار بين حالتين: (1) ان يقوم بذلك قبل الدعوة الى الجلسة الانتخابية، وهو امر تكتنفه الصعوبة، نظراً للوقت الذي سوف تستغرقه عمليّة اقرار الموازنة العامة لعام 2022 وملحقاتها، أو، وهو الارجح (2)، ان يتريّث عن ذلك، ويؤجّل الأمر الى ما بعد الدعوة الى الجلسة الانتخابيّة وانتخاب الرئيس. فعندما يدعو رئيس المجلس، مجلس النواب، لانتخاب الرئيس، يتحوّل هذا المجلس الى هيئة ناخبة، ويتعذّر عليه بالتالي القيام بأي عمل آخر، يخرج عن دائرة صلاحيّته الانتخابيّة هذه. بعبارة أخرى، لا تشريع قبل انتخاب الرئيس.
وعليه،
- ينبغي اولاً، وبمقتضى المادة 73 من الدستور، على رئيس مجلس النواب الدعوة الى انعقاد جلسة للشروع فورًا بانتخاب رئيس للجمهوريّة ابتداءً من 1/9/2022، كون الولاية الرئاسيّة اصبحت على مشارف الانقضاء وهي محددة بتاريخ 31/10/2022 كما يتبيّن من نصّ المادة 49 من الدستور. وفي حال امتناع رئيس مجلس النواب عن الدعوة الى انعقاد جلسة لانتخاب الرئيس العتيد ضمن المهلة الدستوريّة، ينبغي على مجلس النوّاب ان يلتئم عفوًا ودون دعوة، وذلك قبل عشرة ايام من تاريخ انقضاء ولاية الرئيس. وإذا كانت ابواب المجلس مغلقة، يمكن للنواب الالتئام والاجتماع حيثما يشاؤون، ويقوموا بتنظيم عمليّة الاقتراع لانتخاب الرئيس العتيد.
 
- ثانيًا، وبمقتضى المادة 75 من الدستور، يجتمع مجلس النواب كهيئة انتخابيّة حصرًا وليس كهيئة تشريعيّة.
 
- ثالثًا، يتمّ انتخاب الرئيس العتيد بمقتضى احكام المادة 49 من الدستور، بناءً على دعوة واحدة موجّهة من رئيس مجلس النواب، على ان يعتبر المجلس في حالة انعقاد دائم بعد الجلسة الاولى.
 
- رابعًا، وسندا للمادة 62 من الدستور، اذا تعذّر انتخاب الرئيس العتيد قبل 31/10/2022، تناط بمجلس الوزراء مجتمعًا صلاحيّات الرئيس الممكن ممارستها من قبله عمليًّا، كون الدستور اللبنانيّ لا يشرّع الفراغ، لا سيّما ان تأمين استمراريّة السلطة يعود للحكومة القائمة، والموجودة حاليّاً، حتى ولو كانت حكومة تصريف اعمال ولا يمكن للرئيس، وبأي شكل من الاشكال، ان يرفض مغادرة القصر الجمهوري بعد انقضاء المدة المذكورة اعلاه، تحت طائلة اعتباره مرتكبّا لجرم خرق الدستور، مما يعرّضه للملاحقة والمحاكمة امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء سندا لأحكام المادة 80 وما يليه من الدستور.
 
- خامسًا، وبعد انتخاب الرئيس العتيد، يصار الى اجراء استشارات نيابيّة ملزمة لتشكيل الحكومة الجديدة، واستصدار المراسيم الثلاث على ضوء ذلك، لاسيّما مرسوم قبول استقالة الحكومة الحاليّة، مرسوم تعيين رئيس الحكومة المكلّف، ومرسوم تشكيل الحكومة العتيدة. امّا إذا أقدم رئيس الجمهوريّة الحالي على اصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة الحالية دون سواه من المراسيم قبل مغادرته للقصر، املاً منه من سحب التكليف من رئيس الحكومة قبل مغادرته للقصر الجمهوريّ كما يتمّ التداول به اعلاميّاً، فيجب الاشارة الى ان الدستور يحظّر على رئيس الدولة سحب التكليف من رئيس الحكومة. تأسيسًا على ذلك، ان الحكومة الحاليّة، هي اليوم، وبحكم الدستور، مستقيلة، والوزراء ملزمون بتصريف الأعمال الى حين تشكيل الحكومة الجديدة ونيلها الثقة من مجلس النواب.
 
ختامًا، منذ التعديل الدستوري لعام 1990، لم يبادر مجلس النواب إلى تعديل جذريّ وجدّي لأحكام الدستور التي هي مدار خلاف عميق ومزمن، كما انّه لم يبادر إلى تفسير ما هو ملتبس منها او يحتمل أكثر من معنى. بسبب هذا التقصير، يبقى تضارب الآراء منذ زمن طويل حول بنود الدستور الخلافيّة قائمًا، و"باب الاجتهاد السياسي" مفتوحًا على مصراعيه، لإطلاق وجهات نظر متعارضة وعلى طرفي نقيض، ومبنيّة دائمًا على مصالح سياسيّة ضيّقة. من هنا، قد يكون من المجدي، وكما ورد في اتفاق الطائف عام 1989، من اقرار صلاحيّة تفسير الدستور بموجب مراجعة مباشرة موجّهة من السلطات العامة إلى المجلس الدستوري، على ان تعطى لقرارات المجلس لهذه الجهة، قوّة القضيّة المحكوم بها تجاه كل السلطات العامّة، ومهما علا شأنها، وذلك للتخلّص من استنسابيّة السلطات السياسيّة في ممارستها لموجباتها الدستوريّة والوظيفيّة، لكي يصار اخيرًا الى تسيير المرافق والادارات العامّة، وحفظ المصالح العليا للبلاد.
إعلان

الأكثر قراءة

سياسة 11/16/2024 7:26:00 PM
في خطوة مفاجئة، أقدمت جهات معنية في الضاحية الجنوبية لبيروت على إغلاق عدد من مداخل المنطقة ومخارجها باستخدام السواتر الحديد، رغم استمرار تعرضها للقصف الإسرائيلي شبه اليومي. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات: هل هدفها الحد من ظاهرة السرقات التي انتشرت أخيرا في الضاحية، أو منع تجمع المواطنين قرب المباني التي يحذر العدو الإسرائيلي من الاقتراب منها، لتوثيق لحظة القصف؟

اقرأ في النهار Premium