الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

أوهام السّلام مع إيران

د. خالد محمد باطرفي
"المتأمل في حال إيران يدرك أن المحرّك الأساسي للدول المتعاقبة، يعمل على وقود التفوّق العرقي والحق الإلهي في التسلّط" (تعبيرية- أ ف ب).
"المتأمل في حال إيران يدرك أن المحرّك الأساسي للدول المتعاقبة، يعمل على وقود التفوّق العرقي والحق الإلهي في التسلّط" (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
كيف تتعامل مع أصحاب قضية تاريخية: مظلومية، عقائدية، عنصرية؟ بخاصة إذا بدا لأصحابها أن الإمكانات توافرت والوقت حان لتحقيق الهدف واستيفاء الدّين وتعديل الميزان.

وكتب الدكتور خالد باطرفي في "النهار العربي"اكتشف القادة منذ فجر التاريخ، أن أجدى طريقة لاستجماع القوى واستنهاض الهمم بأقل التكاليف، هي باللعب على أوتار القبلية (بمفهوم الجماعة) عنصرية كانت أو دينية أو فكرية. والخطوة الأولى تبدأ ببرمجة العقول على مبدأ الوحدة التي توفر الأمن وتكرّس النظام وتحقّق العدل وتواجه الخصوم والأخطار. وبحسب ابن خلدون، فإن (كل أمر تُحمل عليه الكافة فلا بد له من العصبية ـ القبيلة والنصرة).

ولكي يتحقق ذلك للقائد، فلا بد له من إضعاف الدولة، لأن (القبيلة إذا قوي سلطانها ضعف سلطان الدولة، وإذا قوي سلطان الدولة ضعف سلطان القبيلة)، فغياب النظام الحاكم يورث الفوضى والظلم فيرتد الناس الى حمى الجماعة فـ(الخوف يحيي النزعات القبلية والمناطقية والطائفية، والأمن والعدل يلغيها).

ولو تأملنا في حال الحركات التي غيّرت وجه العالم، لوجدنا أنها قامت كلها نتيجة لانهيارات الأنظمة أو فسادها أو غيابها. فالأنبياء عليهم السلام جاؤوا لإنقاذ الناس من هذا الفراغ أو ذلك الظلم، ولترسيخ أنظمة بديلة تقوم على العدالة السماوية. وأصحاب الأيديولوجيات كالماركسية جمعوا الناس على وعد بتحقيق العدل والأمن والنظام. 

أما أصحاب القناعات العنصرية، القائمة على علوّ شأن العرق على سائر الأعراق، فقد أسسوا خطابهم على المظلومية نتيجة لتعدي من هم أقل شأناً على حقوقهم في التفوّق والسلطة، كما فعل المغول والفرس والترك في الماضي، والعرق الآري والروماني والياباني في العصر الحديث. 

والمتأمل في حال إيران يدرك أن المحرّك الأساسي للدول المتعاقبة، من الإمبراطورية الساسانية وحتى الخمينية، يعمل على وقود التفوّق العرقي والحق الإلهي في التسلّط على الغير وفرض الأيديولوجية عليه، من دون منحه حق الدم الآري.

ولأن الثورة لا تتّقد إلا على حطب المظالم ولا تنتشي إلا على رماد الحرائق، فقد أوغر آية الله روح الله الخميني النفوس على الحاكم المتسلط الظالم، الخاضع للغرب الكافر، (تماماً كما فعل أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي). والمفارقة هنا، أن "الغرب الكافر" كان هو الداعم سراً وعلناً لهذه الثورات والحركات الأيديولوجية، فبدعم الاستخبارات البريطانية، قامت جماعة "الإخوان المسلمين" ضد النظام الملكي الليبرالي ثم القومي "الاشتراكي"، ومن باريس انطلقت الدعوة الخمينية "الإسلامية" ضد دولة الشاه "العلمانية"، وبضغط أميركي امتنع الجيش الإيراني عن التصدي للثورة أو هبوط طائرة آية الله الخميني الفرنسية في طهران، ومن تحت الجناح الأميركي خرجت "طالبان" و"القاعدة" وما تفرع منهما من جماعات كـ"داعش" و"النصرة"، وبتخطيط ودعم إسرائيليين أُنشئت "حماس" نكاية بمنظمة التحرير. 

وبمجرّد أن تحوّلت الثورة الإيرانية دولة، قامت بما لم يجرؤ عليه الشاه، فأصدر قائدها "المعصوم" حكماً بإعدام ثلاثين ألفاً من المعارضين بفتوى واحدة، وأرسل مليون إيراني الى حتفهم بمفاتيح الجنة، وصدّر الثورة الى جيرانه العرب، ليفرض عليهم ولايته، ونصّب نفسه إماماً لكل المسلمين، وحامياً لكل المظلومين، ومرجعاً لكل المذاهب. 

الخميني لم يكن فارسياً، بل هندي، من أسرة هندوسية، ولكنه مكّن الفرس واستغل عقدة التفوّق على العرب، ونفخ في نار مظلومية الشيعة تجاه السنّة. ونجح في تأجيج الحرب مع العراق وتصويرها على أنها امتداد للصراع الشيعي - السنّي، الفارسي - العربي. كما لجأ ومن بعده "الآذري" آية الله خامئني، الى استدعاء ملفات التاريخ العالقة، وفتح الجروح الغائرة، وإحياء الأساطير الدينية كعودة الإمام الغائب ليقود شيعته بعد أن تحترق الأرض ويعمّها الخراب والفساد والظلم.

وهكذا تحوّل الصراع بين إيران ومن حولها، حرباً إمبريالية، توسعية، تحت لواء الدين، تقودها القبيلة الآرية، لاستعادة أمجاد سرقها العرب والانتقام لمظالم ارتكبها السنّة، ولا نهاية لها إلا بنصر مبين. حرب أعدّوا لها ما استطاعوا من قوة، كالسلاح النووي، والبرنامج الصاروخي، والميليشيات الإرهابية، سنية وشيعية وحتى ماركسية. وهكذا، فإن أي محاولة للتفاوض حول إيقاف "الزحف المقدس" أو حرمانه من أدوات الغلبة سينتهي في كل الأحوال الى الفشل. فتحت الضغوط الاقتصادية قد يناور الولي الفقيه ويعطي الانطباع بالقبول، ولكنه لن يكفّ عن المحاولة والمغالطة والسعي الحثيث لتنفيذ أهدافه "القدرية".

إذاً ما هو الحل؟ باعتقادي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدرك ما نعرفه نحن العرب، وهو أن إيران لن تخضع إلا للقوة القاهرة. فالخميني لم يوافق على القبول بالمبادرة الأممية للسلام مع العراق إلا عندما "تجرّع السم"، كما وصف. وقد كاد ذلك ينجح لولا خسارة ترامب الانتخابات، وقرّب تولي إدارة يبدو من تصريحاتها الانتخابية أنها لا تدرك طبيعة النظام الفطرية، وتميل الى مهادنته واحتوائه وتملّقه، كما فعلت إدارة أوباما وأوصلتنا الى ما انتهينا اليه. ولعل هذا يفسّر إصرار نظام الملالي على عدم التصعيد ضد إسرائيل أو أميركا، برغم الضربات المتتالية لقواعدها وقواتها في العراق وسوريا، والتفجيرات وعمليات القرصنة السبرانية، والاغتيالات المتواصلة لقياداتها العسكرية والنووية. 

وعليه، نأمل بأن يستيقظ المجتمع الدولي أخيراً الى خطورة السياسات المهادنة، وأن يدرك حلفاء إيران في المنطقة، وبخاصة تركيا وقطر، أن دورهم في المخطط قادم، لا محالة. فالدوافع واحدة، والأجندة واحدة، وقناعات التفوّق العرقي، وطموحات الخلافة "السنّية"، التي يحلمون بها ويسعون اليها، ستتصادم حتماً بالطموحات الإيرانية. وإن غداً لناظره قريب. 

@KBATARFI
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم