النهار

في ذكرى 4 آب، مجدّداً
مسرح الجريمة، لوحة لإيلي حدّاد.
A+   A-
إيلي حداد
 
 
تعود الذكرى في عامها الثاني، وتغلب عليها المرارة، مرارة إدراك البعض الذي لا يزال يصارع التنّين، أنّ المعركة طويلة وأنّ التنّين لن يستسلم بسهولة ولن يسلّم بما راكمه خلال ثلاثة عقود من الزمن، من سرقات وتجاوزات وتسلّط على الدولة، هكذا بكلّ بساطة، لأنّه اقترف جريمة العصر، عن قصد أو عن غير قصد. وما استنكاره لكلّ الاتّهامات التي صدرت في حقه سوى تعبير صريح عن عدم ادراكه حجم الجريمة، التي ربما حصلت عن غير قصد، إذ كان الهدف الأساسي من عمله هو فقط تأمين إيرادات إضافية عبر تهريب مواد غير شرعية، وهذا أمر أضحى، بحسب الممارسة، عملاً شرعياً.
 
التنّين، في المخيلة الميتولوجية لشعوب هذه المنطقة، خاصة في الميتولوجيا المسيحية، يرمز الى الشيطان، وهو الحاكم والمحرّك لقوى الشرّ في العالم، كما أنّه يرمز الى السلطة التي لا تخضع الى القوانين الإلهية والتي تعبث بحياة البشر. وقد لا يكون من باب الصدف أنّ قتل التنّين على يد أحد الفرسان، جاورجيوس، يحيلها البعض على موقعة الخليج الذي سمّي لاحقاً على اسمه، أي خليج مار جرجس في بيروت، والذي لا يبعد كثيراً عن موقعة جريمة العصر.
 
سنتان مرّتا، ولا يزال الألم يسيطر على النفوس، نفوس أهالي الضحايا في المرتبة الأولى، ونفوس الشرفاء من أهالي هذا الوطن الجريح، الذي تتفكّك أوصاله في ظلّ أسوأ إدارة حكمت البلاد منذ نشوئها، إدارة جمعت بين الفاسدين والمتسلّطين فجعلت من العدل مهزلة، ومن القضاء ألعوبة بين أيدي المجرمين.
 
ليس مهمّاً بعد الآن أن يستمرّ القاضي الشجاع في معركته وحيداً ضدّ التنّين. فقد انكشف التنّين بأذرعه المختلفة، وهو على صورة إدارة المرفأ حيث حصلت الكارثة: تعدّد لسلطات مافيوية كانت تتنازع إيراداته، والتي، بعد حصول الحادثة، تنصلّت جميعها من أيّ مسؤولية! فإذا كان من داع لوضع صورة رمزية للتنّين، فهذه أبهى صورة وأكثرها تعبيراً.
 
في هذا الوقت، يتابع أهالي الضحايا تضميد جراحهم، وهي جراح لا يمكن أن تضمّد الى الأبد، حتى لو ظهرت الحقيقة (المعروفة أصلاً) جليّة. وتستمرّ النيران في التهام ما تبقّى من أهراءات المرفأ، فيما المتسلّطون وتوابعهم ينتظرون بصبر سقوطها، علّها تمحو الإثم الذي اقترفته أيديهم. لكنّ سقوطها، وبالشكل المتدرّج الذي يحصل، ما هو إلّا تعبير إضافيّ عن السقوط اللا ـ أخلاقيّ والمعنوي لسلطة فاسدة أوصلت البلاد الى القعر.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium