ليس صدفة أن يختار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يوم "أربعاء أيوب" ليجمع النواب المسيحيين في لحظة صوم وصلاة واختلاء روحي، في بيت عنيا – حريصا.
في أسبوع الآلام، درجت العادة لأن يُعاد التذكير بالمحطات التي عرفها يسوع في طريقه إلى الصلب، ومن هذه المحطات في التقاليد الشعبية المارونية ما يسمى يوم الأربعاء من أسبوع الآلام، "أربعاء الزيت"، أو "أربعاء أيوب"، وهو يوم تقديس الزيت في الكنائس.
في هذا اليوم، تقرأ الكنيسة فصلاً من "سفر أيوب". وأيوب هو الذي رزح تحت الأوجاع والآلام وصبر عليها لثقته المطلقة بالله، وصولاً إلى النهاية السعيدة التي ختم بها حياته.
اذا هي محطة تأمل للكنيسة المارونية بالألم كجسر عبور الى الله، وإلى النهايات التي يأمل سيّد بكركي ان تكون سعيدة، تتكلّل بالتوافق بين أبناء البيت الواحد، علّه "يحصل خلاص لهذا البيت"، بالمعنى الروحي والوطني أيضاً. فإنْ كان الهمّ اليوم هو انتخاب رئيس للجمهورية والحفاظ على مواقع المسيحيين في الدولة، التي لطالما حذر بشارة الراعي من وجود مشروع خفي للسيطرة عليها، إلاّ أنّ الهاجس الأكبر هو الحضور المسيحي المهدّد والقرار الحرّ إما في النظام أو في السلطة وصولاً إلى كل رعية وأبرشية في هذه الأرض، إنْ نجحت الإسقاطات الغريبة بالدخول إلى عمق التركيبة اللبنانية.
من هنا، يأخذ الاختلاء الروحي عمقه الوطني والتاريخي إلى الدور الذي اضطلع به الموارنة منذ وجودهم كجماعة روحية وسياسية، دافعت في أخطر الظروف عن الإنسان والوطن والأرض والحرية، وهي القيم التي تجسدت في لبنان، وأعطت معنى لوجوده.
وهذه القيم، التقت بالتاريخ الحديث مع البناء الفكري الذي وضعه الإمام موسى الصدر والذي ربط بين مكوّنات ثلاثة، الوطن والمواطن والدولة، عندما اعتبر أن الدولة هي سياج الوطن وأن الهوية الوطنية هي هوية المواطن وليس الهوية الطائفية..
لا ترى بكركي فائدة من أن يبقى هذا اللقاء يتيماً، على رغم أكثرية من أيّدوه، ومن سيحضرون غداً من المسيحيين، وهي لا تعارض أن يكون بناءً للقاءات أخرى تجمع المسيحيين والمسلمين، فبكركي عبر التاريخ، بقدر ما كانت تعمل للمسيحيين، عملت للمسلمين، ولكل اللبنانيين. فهي تؤمن أنه مع المسلمين، يمكن الانتقال من الولاء الطائفي إلى الولاء الوطني، واستظلال سقف وطن واحد يقرّ الجميع بالمحافظة على كيانه ووحدته وحدوده وتراثه وقيمه وتاريخه وفرادته"...
تريد بكركي أن تؤكد من خلال اللقاء أن لبنان لا يقوم بمنطق غالب ومغلوب. ولا بمنطق الاستقواء، لا بسلاح، ولا بحليف، ولا بمحور، ولا بنظام، و"كل محاولة للاستئثار بالبلد من جهة أو فريق، من شأنها أن تعيد البلد إلى الوراء وأن تدفع بحالات التوتر السياسي نحو التوتر الأمني"... كما عبّر الشيخ محمد حسين فضل الله.
هذه رسالة بكركي باختصار، وهذا واجبها. وغداً، ستستضيف الأضداد من المسيحيين، لكن "بيتي بيت صلاة"، وربما يحاول البطريرك افتعال بعض المبادرات لتقريب وجهات النظر بين هذا الفريق وذاك، من أجل الوصول إلى حلول سريعة وتوافق في الملف الرئاسي، أقلّه بين المسيحيين، لما يعكسه من إيجابية على الاستحقاق، وللتأكيد أن المسؤولية تقتضي الذهاب إلى المجلس وانتخاب رئيس. ربما هذا ما قد يحاول الراعي فعله، وبهذا لا يسعنا إلى الدعاء ليستجيب الرب لصلواته، لكن، من المفيد ان يبقى في الذهن، أن التعطيل الرئاسي ليس مسيحياً، بل هو بين فريق مسيحي ومسلم مشروعه الدولة وفريق آخر مسيحي ومسلم مشروعه الدويلة، وبالتالي، المرتكز وطني وليس طائفياً ولن يكون.
وفيما بات من المؤكد أن الاستحقاق الرئاسي سيحضر غداً في جوانب اللقاء، بصلاة الرهبان و"تمتمات" السياسيين، يبقى الأمل في أن ينتهي بعد كل هذه الشدائد والآلام، بخواتيم إيجابية وسريعاً.