المحامي إدغار قبوات
في زمن اجراء التعديلات القانونية على نظام مجلس شورى الدولة من قبل رئيس مجلس شورى الدولة الرئيس فادي الياس من جهة، المفكرة القانونية من جهة اخرى، وللجنة المكلّفة اجراء التعديلات في نقابة المحامين في بيروت من جهة ثالثة، لا بد من تسليط الضوء على اشكاليّتين اساسيتين ينبغي ان تتصدّى لهما التعديلات المجراة. تتجلّى الاشكاليّة الأولى بغياب حق التقاضي على درجتين امام القضاء الاداري، وبالتالي ضرورة تفعيل هذا الحق، اما الاشكاليّة الثانية، فتكمن في عدم احترام مبدأ فصل القاضي المنتدب لدى الإدارات العامة والوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والبلديات عن القضاء الإداري.
تأسيسا على ذلك، لا بد من مراجعة نظام مجلس شورى الدولة، اي المرسوم رقم 10434 الصادر بتاريخ 14/6/1975، لاسيما المواد 16 و17و 34 و60 منه، فضلا عن القانون رقم 227/2000، ليصار الى تقويم الاعوجاج الذي يشكّل عقبة اساسيّة امام العدالة الادارية في لبنان وشوكة في خاصرتها.
اولاً: في وجوب احترام مبدأ التقاضي على درجتين في الخصومة الإدارية.
يعتبر حق التقاضي على درجتين مبدأ اساسيا من مبادىء النظام القضائي، وإحدى الضمانات الضرورية لحسن القضاء وتحقيق العدالة. فحين ترفع دعوى امام محكمة ما، يجب عليها ان تنظر فيها. وحيث ان القاضي قد يخطئ في فهم، او إثبات الوقائع، او فهم، او تطبيق القانون، يصبح للمتقاضي المتضرر من هذا الخطأ الحق في إعادة طرح النزاع مرة اخرى امام محكمة اعلى درجة لتصحيح هذا الخطأ. تأسيسا على ذلك، يعتبر الإستئناف الترجمة العملية لهذا المبدأ الذي يقوم على إتاحة الفرصة للمتقاضين لطرح منازعاتهم مجددا على محكمة اعلى درجة، لتعيد النظر فيه.
وفي لبنان، كرس نظام مجلس شورى الدولة مبدأ التقاضي على درجتين في العام 2000 حين اقرّ القانون 227/2000 القاضي بإنشاء المحاكم الإدارية بصفتها محاكم إدارية من الدرجة الأولى. واليوم، وعلى الرغم من مرور أكثر من 22 عاما على إقرار هذه التعديلات، لم تبصر هذه المحاكم النور بعد، الأمر الذي يشكل مخالفة لنص قانوني صريح قضى بإنشاء هذه المحاكم، وخرقا لمبدأ قانوني عام، استقر الاجتهاد الإداري، في أكثر من بلد على ضرورة إحترامه.
كما وانه، وإزاء الواقع الصعب الذي تعيشه الإدارة اللبنانية وتقاعسها عن اداء واجباتها في خدمة وتأمين مصالح المواطنين من جهة، وتزايد المؤشرات التي تظهر تراجع احترام عدد من الحقوق السياسية والفردية للمواطنين اللبنانيين من جهة ثانية، باتت الحاجة ملحة إلى المحاكم الإدارية الإبتدائية في المناطق كافة. فمن شأن هذا الأمر تسهيل وتشجيع المواطنين على التقدم بطلبات مراجعة، بالإضافة إلى تأمين ضمانة حقيقية لممارسة الأفراد حقوقهم، ولمنع السلطات الإدارية وبخاصة المحلية منها من خرق مبدأ المشروعية الإدارية، عبر تكريس رقابة قضائية فعالة لاحقة لأعمالها.
انطلاقا من هنا، فإن المادة 34 من نظام مجلس شورى الدولة ربطت القيام الفعلي للمحاكم الإدارية من الدرجة الأولى بقرار يصدر عن وزير العدل بعد موافقة مجلس شورى الدولة يحدد فيه تاريخ مباشرة المحاكم الدرجة الأولى العمل وتحديد عددها ومراكزها وعدد قضاة كل غرفة.
في كل الأحوال، إن مسألة تعيين قضاة المحاكم الإدارية قد نص عليها القانون، ولم يعد هناك اي مبرر لعدم تطبيقه بعد مرور كل هذه السنوات، كما ان الأمر لا يقتصر فقط على ضرورة تطبيق القانون والإحترام المبدئي للتقاضي على درجتين، إذ انه ليس هناك اي سبب ليتحمل قضاة مجلس شورى الدولة تبعات عدم إكتمال ملاك القضاء الإداري، كما انه لا ينبغي ان يتحمل المواطنون مسؤولية خسارة حقهم القانوني في التقاضي على درجتين في القضاء الإداري، كما هو الحال في القضاء العدلي.
تأسيسا على ذلك، كل ما هو مطلوب اليوم لهذه الجهة، يتجلى بالمطالبة من معالي وزير العدل بإتخاذ القرار الرامي إلى مباشرة هذه المحاكم عملها إنفاذا للمادة 34 من نظام مجلس شورى الدولة.
ثانيا: في وجوب إحترام مبدأ فصل القاضي المنتدب لدى الإدارات العامة الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والبلديات عن القضاء الإداري.
نصت المادة 16 من نظام مجلس شورى الدولة والمعدلة وفقا للقانون رقم 227/2000 على انه "يمكن إنتداب مستشارين في مجلس شورى الدولة لمختلف الوظائف لدى الوزارات، او الإدارات، او المؤسسات العامة، او البلديات، ويجري الانتداب المذكور بمرسوم بناء على إقتراح وزير العدل وموافقة مجلس شورى الدولة". كما تنص ايضا المادة 17 من المرسوم المذكور بأنه يحتفظ القاضي المنتدب بصفته ومركزه في القضاء الإداري ولا يعين سواه في مكانه، ويتابع تقاضي رواتبه المستحقة بالنسبة لفئته ودرجته من موازنة مجلس شورى الدولة، كما يتقاضى ايضا التعويضات العائدة للوظيفة التي إنتدب إليها وسائر التعويضات التي تعطى له بسبب إنتدابه من موازنة الإدارة المنتدب إليها".
يستفاد إذا من ذلك ان ثمة تشابك في الصلاحيات المعطاة للقاضي المنتدب، فهو في الوقت نفسه قاض حكم لدى مجلس شورى الدولة، يشترك بالحد الأدنى في الهيئة العامة قبل صدور القرار النهائي، ويفصل بالحد الأقصى في المنازعات القضائية المحالة امامه والموجهة ضد الدولة اللبنانية بما فيها الوزارات والبلديات، وهو ايضا مستشار قانوني لوزارة او بلدية معينة، يتقاضى بصفته هذه، راتبا معينا، مما يجعله يتحلّى بصفتين منتاقضتين تضرب عرض الحائط ابسط قواعد العدل والإنصاف، ناهيك عن ابسط قواعد التقاضي إحقاقا الحق. فالسؤال المطروح يكمن في معرفة مدى مواءمة وظيفة المستشار للدولة اللبنانية يتقاضى تعويضات من موازنة الإدارة المنتدب إليها من جهة، مع وظيفة قاضي الحكم في مجلس شورى الدولة الذي يفصل في الدعوى المقامة ضد الدولة اللبنانية نفسها ويتقاضى رواتبه المستحقة من موازنة مجلس شورى الدولة؟
وبالتالي، لا شيء يمنع مثلا من ان تعرض مسألة قانونية على وزارة معينة، كوزارة التربية مثلا، فيطلب رأي القاضي المنتدب الذي يتم إنتدابه، فتتبنّى الإدارة راي القاضي المنتدب، فيصدر قرار إداري بذلك، فيطعن من قبل اصحاب الصفة والمصلحة بهذا القرار الإداري النافذ والضار امام مجلس شورى الدولة. إلا انه يتبين بأن رئيس الغرفة، او المستشار المقرر مثلا، هو نفسه القاضي المنتدب لدى هذه الوزارة، فيكون رأي القاضي المنتدب هو الذي اعتمد لبناء القرار الإداري الصادر عن الوزير، وعند تقديم مراجعة الإبطال سوف يتم البت بها من قبل نفس الشخص، ليس بصفته قاض منتدب، ولكن بصفته قاضي حكم في مجلس شورى الدولة هذه المرّة، الأمر الذي ينسف مبدأ حق التقاضي العادل والشفّاف.
تأسيسا على ذلك، من المستحسن، ومن باب التحصين القانوني، اغتنام فرصة اجراء ورشة العمل على النظام الداخلي لمجلس شورى الدولة حاليّا، ليصار الى تعديل المادتين المذكورتين اعلاه واعتماد حالة من الحالتين ادناه:
1. ان يتم تعيين القضاة المنتدبين لمختلف الوظائف لدى الوزارات، او الإدارات، او المؤسسات العامة، او البلديات من القضاء العدلي وليس من القضاء الإداري وذلك لتفادي البت بالمراجعة من قبل القاضي نفسه الذي بني القرار الإداري النافذ والضار بناء على إستشارته كونه من الممكن ان يكون قد إشترك بحدّه الأدنى في الهيئة العامة تمهيدا لصدور القرار النهائي.
2. ان يتم فصل القاضي المنتدب لدى الإدارات العامة والوزارات والمؤسسات العامة والبلديات عن وظيفته كقاض حكم في مجلس شورى الدولة، عن طريق تخييره بين وظيفته الإستشارية او القضائية وتقاضيه لراتب واحد حسب الوظيفة التي اختارها.