النهار

أزمة تونسية معقدة وواقع مركّب… احتقان على طريق "الانفجار"
المصدر: "النهار"
أزمة تونسية معقدة وواقع مركّب… احتقان على طريق "الانفجار"
مشهد عام من تونس (أ ف ب).
A+   A-
محمد فوزي- كاتب مصري

تشهد الساحة السياسية التونسية حالة من الغليان منذ قرارات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من تموز الماضي، وهي الحالة التي لم تهدأ حتى اللحظة الراهنة، وارتبطت من جانب بالتكلفة والتداعيات السياسية الكبيرة للقرارات التي اتخذها الرئيس التونسي منذ تلك اللحظة المفصلية وحتى اليوم، خصوصاً على مستوى التباينات التي خلفتها بين القوى السياسية المختلفة وعلى رأسها المعسكر الداعم لمسار 25 تموز، ومن جانب آخر باستمرار حالة التأزم التي تعيشها البلاد على كافة المستويات لا سيما اقتصادياً واجتماعياً.
أحد الاعتبارات الرئيسية التي دفعت باتجاه تعقّد المشهد السياسي التونسي تتمثل في المسار الذي اتخذه الرئيس قيس سعيد، والذي قام بشكل رئيسي على تبني "الأحادية" كخيار لفرض واقع سياسي جديد في البلاد، وهو المسار الذي تجاوزت آلياته حدود تحجيم حضور حركة النهضة وحلفائها، والمتورطين في منظومة الفساد والإرهاب في العشرية الأخيرة من عمر البلاد، إلى حد تهميش أدوار القوى التونسية المختلفة. وقد أدى هذا المسار إلى تكلفة سياسية كبيرة، وهي تكلفة زادت من تعقيد المشهد، فضلاً عما سترتّبه من خسائر محتملة على مشروع سعيد، خصوصاً مع خلفية الرئيس حيث لا يوجد ظهير حزبي له، وتراجع معدلات التأييد له شعبياً، وهو ما كشفته بعض استطلاعات الرأي.
دفعت سياسات الرئيس قيس سعيد ومقاربته لفرض واقع سياسي جديد، باتجاه إضعاف الحاضنة المؤسسية في البلاد، خصوصاً بعد قرارات حل البرلمان، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وغياب "التشاركية" عن مقاربة التعامل مع الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وهو ما تجسد من جانب في عدم إشراك الأحزاب التونسية في رسم معالم المرحلة المقبلة سياسياً، ومن جانب آخر في عدم إطلاع الأحزاب التونسية، أو الاتحاد التونسي العام للشغل على خطط الحكومة للتعاطي مع هذه الأزمات، ما دفع باتجاه تعقّد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي – الذي يشترط التنسيق بين الحكومة واتحاد الشغل من أجل تقديم الدعم لتونس –، وكذا رفض الاتجاهات التونسية المختلفة وعلى رأسها اتحاد الشغل لخطط الحكومة التي تستهدف رفض زيادة الأجور، وتجميد التعيينات في الوظائف الحكومية في السنوات الخمس المقبلة، وهي اعتبارات زادت من حدة الأزمة اقتصادياً واجتماعياً، خصوصاً مع تبني خيار الإضراب في العديد من المؤسسات والقطاعات الوطنية.
وفي السياق ذاته دفعت هذه المقاربة إلى زيادة حجم المعارضة لنهج الرئيس التونسي في مرحلة ما بعد 25 تموز، ورفض مشروعه السياسي، وهي حالة الرفض التي امتدت لتشمل قطاعات كانت داعمة لهذا المسار، وهو ما يتجسد بشكل واضح في حالات: الاتحاد التونسي للشغل، وأحزاب: الدستوري الحر، والتيار الشعبي، فضلاً عن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والتيار المدني والأحزاب الاشتراكية، حيث اعتبرت هذه الاتجاهات أن سياسات الرئيس قيس سعيد تستهدف خدمة مشروعه السياسي الشخصي، وتجميع كافة السلطات في يد الرئيس. وهو ما دفع هذه الاتجاهات إلى الإعلان عن رفضها المشاركة في الاستحقاقات المقبلة وعلى رأسها الحوار الوطني المزمع إقامته، ومشروع الاستفتاء على الدستور المُنتظر إجراؤه في الخامس والعشرين من تموز المقبل.
بالتزامن مع ذلك تسعى حركة النهضة والحركات التي تدور في فلكها إلى توظيف حالة التأزم التي تشهدها الساحة التونسية، على كافة المستويات خصوصاً اقتصادياً واجتماعياً، وزيادة حجم المعارضة للرئيس قيس سعيد ونهجه السياسي، للترويج لرواية أن منظومة ما بعد 25 تموز فشلت في التعاطي مع أزمات البلاد، وهو نهج يستهدف إعادة تأهيل الحركة سياسياً، واستعادة حضورها في المشهد التونسي، عبر ممارسة الضغط على الرئيس، واستغلال حالة الغليان التي يشهدها الشارع التونسي.
تُشير كافة المعطيات السابقة إلى أن المشهد السياسي في تونس بات يُعاني من حالة احتقان شديدة قد تدفع باتجاه "الانفجار"، خصوصاً في ضوء تنامي الأزمات التي تعاني منها البلاد وزيادة حدة المعارضة الداخلية، والضغوط المُمارسة على تونس دولياً، وهي مؤشرات تُعزز الحاجة إلى تبني قرارات وتوجهات جذرية تستهدف التهدئة وجعل مبادئ "التشاركية والمرونة" هي الحاكمة للتوجهات السياسية في المرحلة المقبلة من قبل كافة الأطراف، بما يضمن إعادة ترميم المشهد السياسي التونسي، وصياغة رؤية وأسس واضحة لمعالم المرحلة المقبلة، انطلاقاً من إدراك التداعيات الكبيرة التي ستترتب على حالة الاحتقان الحالية.
 
 
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium