بكر حلاوي
لن ينسى أيّ لبناني ذكرى ٤ آب. هي ذكرى انفجار العصر اللبناني الذي لن يزول من ذاكرتنا ما حيينا. كل لبناني مصاب (بترهات) الانفجار، أكان من أهل الشهداء أم عابر سبيل على بيروت، التي لا يزال قلبها جريحاً، جراء الصاعقة وما تلاها من أحداث لها علاقة بالتحقيقات، وطمس الوقائع، الذي يمارسه الجميع بعلم من أصحاب العلاقة أم من دون علم.
سنتان على الانفجار، ولا يزال التحقيق قابعاً في أدراج التحقيق العدلي ودعوات كفّ اليد، و"الجوارير" السياسية المقيتة.
ثلاث جوانب للتحقيق، ركّز الجميع على الجانب الأخير المتعلّق بالإهمال الوظيفي؛ وبات جانبان أساسيان في خانة النسيان: أولاً، من هم أصحاب النيترات، أي من هم البائعون، ومن هم المشترون. ثانياً، من أخذ القرار فعلياً بحفظ المادة هنا في قلبنا، قلب بيروت.
من الجهة الأخرى، تحزن روح الضحايا على مشهد أهاليهم. أهالي الشهداء أصبحوا قسمين بل ثلاثة. لحقت عوائل الضحايا مرغمين بتقسيمة البلاد الطائفيّة، فأصبح هناك قسم ذا طابع طائفيّ معيّن، موجّه لاتهام محور ٨ آذار، الداخلي والخارجيّ، تحديداً حزب الله والنظام السوري. وقسم آخر تغلب عليه السمة الطائفيّة الأخرى، موجّه ضد قاضي التحقيق ويتّهمه بالتسييس. بعض التحرّكات أصبحت موجّهة سياسياً، وواضحة المعالم والروابط المذهبيّة من خلال التوجيه والاستغلال؛ هذه التحرّكات أصبحت تحظى بالعدد القليل من داعمي القضية من أهل الشهداء/الضحايا.
الأغلبيّة الصامتة كما أغلبيّة اللبنانيين أصبحت إلى جانبهم، تنظر إلى الانقسام لكونه تحصيل حاصل لزمن رديء، باتت فيه قضيّة العصر محفلاً للتجاذب بين أهل الساسية وأتباعهم كما كلّ شيء آخر في بلدنا. الأغلبيّة الصامتة من أهل الضحايا سلّمت بفراغ الدولة ومؤسّساتها السياسيّة والقضائية، وقد يكون معظمهم بانتظار أعجوبة تحمل قضيتهم بعيداً من الوطن ودهاليزه، فلعلّ وعسى تظهر الحقيقة المرجوة بتدخّل دوليّ ما.
يبقى من الجلّي التذكير بتواطؤ الجميع؛ الجميع من دون استثناء، بانفجار العصر وتحقيقاته. لم يأخذ أحد في الحسبان اقتراح القانون الذي قُدِّم مرّة لرفع كلّ الحواجز القانونية أمام التحقيق عن كل السياسيين والأمنيين مهما علا شأنهم وعلت تحصيناتهم، كأن الحقيقة كُتب لها الموت مع صوامع القمح المهترئة، في يومٍ قريب من الأيام.