انشغل اللبنانيون أخيراً بانتهاء ولاية الرئيس عون، وكيفية خروجه من قصر بعبدا. فحبسوا أنفاسهم بانتظار اللحظة الموعودة، كما انتظر العالم انطلاق أول مركبة فضائية إلى القمر!
لم يكذّب الرئيس خبراً، فقَبِل، قبيل خروجه، استقالة حكومة تصريف الأعمال المستقيلة حكماً، الأمر الذي اعتبره المدعي العام التمييزي السابق، القاضي حاتم ماضي، "مع أن اليمين التي يحلفها رئيس الجمهورية هي الحفاظ على الدستور، ما حصل اليوم انتهاك للدستور وللعرف الدستوري معاً، ويدخل البلاد في الفراغ الدستوري وفي الفوضى".
احتفل اللبنانيون بانتهاء عهده وجهنمها. وفي الوقت الذي كان فيه البعض يتساءل هل سيتعرّض للمساءلة جراء فعلته، كان العونيون يحتفلون بخروج رئيسهم "منتصراً"! ولو على ركام وطن فقد جميع مقوّمات الحياة. ترك بلداً منكوباً مفلساً باعترافه وذهب يسكن قصراً كلْفته 6 ملايين دولار!! مع إصرار جمهوره على أنه سلّم لبنان أفضل ممّا تسلّمه!
لذا تستنتج غالبية الرأي العام أن العونيين لا يلاحظون التناقضات. الحكمة: "لا تناقش عونياً".
تصرّح سيدة عونية عن فترة رئاسته: "هو ما كان عميقدر يعمل مثل ما كان يعمل بالرابية... بس راجع، إن الله راد بيرجع أقوى..." فسألتها الصحفية: إذا الرئيس كان عارف هالشي ليش عطل البلد سنتين ونصف تيعمل رئيس؟ تصمت وتجيب: "ما بعرف شو بدي قلك". شخص آخر يعرف "أن المنصب هو بيطلع عند ميشال عون"!!
سئل أحد العونيين لماذا يحتفل حاملاً غصن زيتون: "اليوم دخول الرئيس عون عالرابية! من 2000 سنة المسيح فات ع أورشليم بغصن زيتون، واليوم الرئيس عون فات عالرابية بغصن زيتون. ومنقول نحنا مكملين معك"!؟ لم نعرف إلى أين؟ يبدو إلى افتعال مشاكل على غرار ما قاموا به في تلفزيون MTV.
كثيرة تشبيهات عون بالمسيح نفسه، تعلن إحداهن: "شايفة الله فوق؟ على يمينه عون وعلى شماله باسيل". فعون للعونيين من صنف الآلهة.
يستنتج البعض: كيف بدّك تتفاهم مع عوني ما دام يعتبر الاستسلام مقاومة والهرب بطولة والإفلاس انتصاراً؟
هل الظاهرة العونية فريدة في العالم؟ لا يبدو ذلك. كتب إيغور غران كتاباً بعنوان Z comme zombie، يصف فيه سلوك المواطنين الروس الذين ينطبق عليهم ما ينطبق على العونيين، مثل "عنزة ولو طارت". يقول: "كان يجب انتظار غزو أوكرانيا كي نكتشف أننا محاطون بالزومبي، كما في أفلام روميرو".
استُخدم تعبير zombocaisse في روسيا منذ بداية الألفية للتدليل على التلفزيون. العلبة الفارغة التي ترن وتجلب الغباء. ثم في فيلم بنفس العنوان مع ملصق يمثّل رجلاً مع تلفزيون بديلاً من الرأس عام 2018.
أصبح تلفزيون بوتين zombocaisse، مضجراً بعد أن تحوّل إلى ماكينة سياسية ومصنع ممتاز لغسل الدماغ. وكهنته أسماء كبيرة – ديمتري كيسليف، مارغاريتا سيمونيان وفلاديمير سولوفييف وأولغا كابييفا – يقدمون البروباغندا على شكل مواعظ فظة ومبالغ فيها! لكنها تبدو فعالة مع الجمهور.
يورد المؤلف أمثلة كثيرة عن سلوك الزومبيين، من نوع تعليقات العونيين، نذكر بعضها: اتصل سجين روسي بعائلته باكياً، لم يجد نازيين في أوكرانيا هذه، وأنه جاء لنزع النازية عن طريق قتل الأوكرانيين العزّل. ردّت عليه والدته الزومبي: "توقف سيرغي، أنا أرى أن النازيين نجحوا في إعادة برمجتك".
والزومبيون على عكس ما قد نظن، معظمهم أشخاص جيدون. يحبون من حولهم مثلنا تماماً. بعضهم يقوم بأعمال الخير، والآخرون يعدون منبعاً ثقافياً متنقلاً. يمكن أيضاً شرب الشاي مع زومبي والضحك معه واستعادة ذكريات مسرحية رومانسية قديمة. لكن عندما تلفظ كلمة واحدة ضد الحرب في أوكرانيا، أو أن تتجرأ على الامتعاض من بوتين، سيفتح فمه ويتشنج فكّاه. وهو على استعداد لالتهام رأسك في هذه اللحظة. لن تنفع الصداقة ولا الأسرة.
لا يمكن لأي برهان، مهما كان ملموساً، أن يهزّ يقينهم. ليس فقط لا يصدقون ما يرونه، بل هم يفضلون خسارة نظرهم على الشك. في لبنان جلبوا الغاز، بمعنى اخترعوه، وانتصروا على إسرائيل وأجبروها على الترسيم، الذي للمفارقة، يسمح لها بتصدير غازها ونفطها حالاً الى أوروبا. ولبنان ينتظر أن ينبت الحشيش.
ليست هناك أُسرة خالية من زومبي خاصتها. قد يكون العم أو الجدة أو الأخت أو الابن أو الزوج. تطفح الشبكات الإعلامية بقصص الشجارات الأسرية المسببة للتروما والمؤدية إلى القطيعة. على غرار ما تطفح به وسائط الإعلام اللبنانية بالحقد والعنف والقسوة والاحتفال بالقتل والشماتة بالموت.
الزومبيون الروس بحسبه "يجرجرون جوعهم للحم الطازج الذين يريدون انتزاعه من جيرانهم الأوكرانيين. ويلتهمون بطريقهم الأوروبي والأميركي والياباني والتركي والجيورجي والمولدوفي.. بحسب وصول المعلومات من وكالتَي الأنباء تاس وريا نوفوستي".
ونحن لدينا السعودي والأميركي والعربي عموماً.
وليست الأحداث ما تجبرهم على ذلك، فالنازيون ليسوا على الأبواب يمطرون موسكو بالقنابل. ولا هناك تعبئة عامة. ثم كانوا، عشية الغزو، واثقين بأن الحرب لن تحصل. ويقطعون يدهم إذا حصلت. وبعد أن كانا بلدين شقيقين يتقاسمان نفس اللغة ونفس الديانة الأرثوذوكسية لا يتحاربان؛ فجأة صارت أوكرانيا تهديداً وجودياً للثقافة الروسية، التي يحاول النازيون القضاء عليها.
كيف يمكن تفسير هذه الفوضى؟ أو فهم معناها؟ كيف يمكن إدراك أن هذه المرأة التي لا تظهر أي اشارة على إصابة دماغية، تشعر فجأة بالحاجة إلى إفراغ هذا الفائض من الهذيان والحقد الأعمى؟
نعلم أن العالم مليء بالمعتقدات التي تتحدى العقل حتى قبل أن تكون هدفاً للمتلاعبين الذين يعرفون كيف يصرفونها. كالذين يؤمنون بالمؤامرة، أو الباحثين عن التجمع على الإنترنت ليكوّنوا طائفة، أو من ينتظرون نهاية العالم.
لكن الفرق مع الزومبي، أنهم مهما كان انفصالهم عن الواقع، لا أحد من هؤلاء الهذيانيين يشجّع القتل أو الحرب كوسيلة لترسيخ العدالة، ولا يفكرون بإرسال ابن إلى الذبح من أجل فكرة هجاسية. الزومبي لا يتردد.
أولويات الزومبي الاحتفال بخراب الجار. يقولون: يهاجموننا ولكننا سعداء وفخورون. تسأل المرأة العونية: "بحياتك سامعة فيه الجْميّليّة أو السْليمانيّة؟ لا. بس فيه العونية، يعني عون له اسم. اسم عون قصة".
من المغري فهم هذه الظواهر كغسيل مكثف للدماغ عبر التلفزيون التابع للكرملين أو للعونيين. فهو مصدر معلوماتهم الوحيد.
وسر قدرة الزومبية على تنويم الجماهير مغناطيسياً يظل محيّراً مهما قلنا عن استعداد جمهورها لالتهام أخبارها المضخمة وغير المعقولة. فالزومبي يبتلع كل شيء ويطالب بالمزيد. ما سرّ هذا السحر العجيب؟ كاريزما الزعيم؟
يمسّهم أحياناً سمّ ذهني يجعلهم يعتقدون أنهم مكلفون بمهمة إلهية لإتمام مهام عظيمة ولتحمل قدر تراجيدي. ما هي هذه المهمة؟ لا نعرف! فقدرهم الغامض يجعلهم يتخطون البشر العاديين، ويضعهم في موقع أعلى منهم. إنهم منارة للغير.
أما مهرّجو البلاط البائسون فيلتقطون أفضل من أي أحد السوائل الثقافية التي تغلي في دم شعبهم، فيمضون وقتهم في تزييت الآلة واختراع السرديات المبالغ فيها أو الكاذبة ببساطة.
في روسيا، كما في لبنان، يغرقون في البؤس التام ويعرفون ذلك. وهم سعداء. المهم أن الناتو يخافهم في روسيا، وتخافهم إسرائيل في لبنان. عظمة الأوطان في نظرهم لا تقاس بنظافة المستشفيات أو الحق بالحياة اللائقة. كلا، للدبابات الأولوية في روسيا وفي لبنان للصواريخ.
في لحظة صدق اعترف لافروف وزير خارجية روسيا في مؤتمر صحافي: "سبب العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا يكمن في الرضى عن النفس الغربي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية"!! هو الذي اعتبر أن مهمتهم في أوكرانيا انتزاع النازية والنازيين.
وهؤلاء جميعهم، عندما يرون يخوت الأوليغارشية وقصورها والساعات الفخمة التي يلبسها هؤلاء الموظفون والسياسيون وزوجاتهم وعائلاتهم، لا يشعرون بالغيرة بل بالسرور كما لو أنهم هم من يتمتعون بهذه الثروات.
إنها الشطارة.
نُشر بالتزامن مع نشره في موقع "الحرّة".