إيمان درنيقة الكمالي
أ
"اليوم لسنا بحاجة للقتال من أجل بقائنا – لا يمكن أن يكون عصرنا عصر حرب، و لا يجب أن يكون كذلك!".
هذا ما قاله رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي لدى اجتماعه مع بوتين في سبتمبر الماضي، وقد شقّت هذه الكلمة طريقها إلى البيان الختامي لقمّة بالي.
لا شك في أنّ عالمنا اليوم يمرّ بمرحلة صعبة مليئة بالتحديات الجيوسياسية والجيواقتصادية، ولا بدّ من إعادة إجراء التقييم الصحيح لطرق التصدّي لهذه المخاطر على نحو فعّال.
فمع انتشار القضايا العابرة للحدود كمشاكل تغيّر المناخ والإرهاب والأوبئة وغيرها، أصبحنا بحاجة، أكثر من أي مضى، الى تعاون متعدّد الأطراف يعمل على ضمان المساواة بين الجميع وتحقيق التنمية، ويتيح إحلال السلام العالمي.
لقد فشلنا عندما اعتقدنا أنّ النصر والتقدم لأي دولة يتحقق عندما تتقاتل هذه الدولة مع غيرها على الأراضي والموارد وتسعى لتخزين الحاجات لشعوبها؛ بينما تعيش مليارات الشعوب الأخرى في حالة خطر.
لقد فشلنا عندما امتنعنا عن التدخّل الانساني في حروبٍ ومجازر، متذرّعين بسيادة الدول، دون أن نعلم أنّ السيادة مسؤولية إنسانية وعالمية قبل أي شيء آخر.
ومن ناحية ثانية، لقد فشلت الأمم المتحدة في أن توقف الحروب وتمنع الصراعات، لأنّها للأسف، بقيت سلطةً بيد الدول، لا سلطة فوق الدول التي رفضت أن تتنازل عن سيادتها لسيادة أعلى منها.
واليوم تسعى المؤسسات المتعدّدة الأطراف للعمل على قلب الصورة وتغيير قواعد اللعبة في هذا السيناريو المظلم.
ومن بين جميع المنتديات الحكومية، فإن مجموعة الـ20 تشكل من دون أدنى شك منصّةً فريدة من نوعها.
لقد شُكّلت الـG20 في عام 1999 على خلفية الأزمة المالية التي ضربت شرق آسيا وجنوب شرق آسيا في أواخر التسعينيات، وذلك بهدف تأمين الاستقرار المالي العالمي من خلال إشراك البلدان المتوسطة الدخل.
وتضم المجموعة ٢٠ عضواً، هي الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، جمهورية كوريا، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
وتمثل 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و75 في المئة من التجارة الدولية و60 في المئة من سكان العالم.
وتتناوب رئاسة مجموعة العشرين كل عام بين الأعضاء، وتشكل الدولة التي تتولى الرئاسة، مع الرئيس السابق والمقبل، ما يُسمّى "الترويكا".
وهذه السنة، تتولى الهند رئاسة مجموعة الـ٢٠ حتى نهاية ديسمبر ٢.٢٣، وهي ستعقد خلال شهر أيلول اكثر من ٢٠٠ اجتماع مع قادة الدول والحكومات للتكاتف مع الجميع ولجعل رئاستها للمجموعة رئاسة مداواة للجراح والآلام وتحقيق التقدّم والأمن العالمي.
فهل فعلاً يمكن للهند إلغاء منطق الحروب والنزاعات المتجذر في عالمنا؟ وهل يمكنها أيضاً دفع العالم إلى خلق نظام اقتصادي عادل؟ وهل يمكنها التحول نحو منطق التعاون والعمل معاً لمصلحة البشرية أجمعها؟
يقول الرئيس مودي: "مخطئ من يعتقد أنّ الحقد والجشع متجذِّران في الطبيعة البشرية، فلو كان البشر أنانيين بطبيعتهم، فما الذي يفسر الجاذبية الدائمة للعديد من التقاليد الروحية التي تدافع عن الوحدة الأساسية بين الناس جميعاً؟".
إضافة الى ذلك، لقد عملت الهند جاهدة لتأمين تمثيل أوسع للبلدان النامية والاقتصادات الناشئة في المؤسسات المتعددة الأطراف، وقد أثارت عدّة مرات نيابة عن الجنوب العالمي في المنتديات المتعددة الأطراف المشاكل والمظالم التي يتعرّض لها عالم الجنوب. وهي ستستفيد حتماً من رئاستها خلال هذا العام لتسليط الضوء على القضايا التي تهم الدول النامية والاقتصادات الناشئة في العالم الجنوبي، وذلك من خلال طرحها على الطاولة العليا لمجموعة العشرين.
لقد اختارت الهند زهرة اللوتس، التي تمثل تاريخ الثقافة الهندية، لتصميم شعار مجموعة العشرين 2023، الذي صمّمته من ألوان الزعفران والأبيض والأخضر والأزرق، ألوان العلم الوطني الهندي. وجعلت من البتلات السبع في الشعار إشارة إلى البحار السبعة، وتلاقي القارات السبع في مجموعة العشرين للهند 2023، كما أظهرت ضرورة الجلوس حول زهرة اللوتس، ورؤية الهند للعالم كعائلة واحدة، وهذا هو النهج الذي سوف تتبعه الهند لتُخرج الإنسانية منتصرةً من تحدياتها.
ومن هنا استمدّت الهند عنوان مجموعة العشرين 2023: "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد"، الذي يتطابق مع العبارة السنسكريتية "Vasudhaiva Kutumbakam" التي تعني "العالم عائلة واحدة"، الموجودة في النصوص الهندوسية والمنقوشة على مدخل قاعة برلمان الهند، والذي يرى الرئيس مودي أنه ليس مجرد عنوان بل هو رسالة ومسؤولية، مسؤولية الهند في معالجة ما تعتبره قضايا ملحّة في العالم، بما في ذلك تغيّر المناخ، والأمن الغذائي، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا. وعلى هذا الاساس، تؤكد الهند أنه، كما في العائلة نبدأ بتلبية احتياجات الصغير والضعيف ونجعلها همّنا الاول، فسيكون الاتجاه الاول في أجندة G20 للهند، لأولئك الذين تكون احتياجاتهم أكثر.
وفي المقلب الآخر، إن استضافة الهند للرئيس الصيني شي جين بينغ في نيودلهي العام المقبل ستكون خطوة نحو السلام، خاصة أن العلاقات بين الصين والهند هي في حالة جمود حالياً بسبب خلافاتهما على حدودهما المشتركة في جبال الهيمالايا.
كذلك، إنَّ اللقاء المتوقَّع بين رئيسي روسيا وأوكرانيا فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي في نيودلهي على هامش قمة المجموعة عشرين هو مناسبة لخلق جسر التلاقي بين الدول المتحاربة من خلال الديبلوماسية والحوار.
نهايةً، في ظل السياق الجيوسياسي الحالي الحافل بالتحديات والتوتّرات المتزايدة بين الدول، وإزاء أزمة المصداقية التي تواجه المؤسسات المتعددة الأطراف، فإن مهمة الهند صعبة، وصعبة جداً.
ويبقى على الهند، التي تشكّل مصغّراً عن العالم لاحتوائها سدس سكان العالم والتي استطاعت بحكمة المهاتما غاندي أن تنمو لتصبح أكبر ديموقراطية وخامس أكبر اقتصاد في العالم، أن تثبت ما إن كان تولّيها لرئاسة مجموعة الـ20 مجرد تغيير روتيني للرئاسة في هيئة دولية، أم فرصة ذهبيّة لتحويل العالم الى عائلة
واحدة؟؟