وارف قميحة
*اختصاصيّ دوليّ في مجال برنامج الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة
*رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث – كونفوشيوس
في 25 تشرين الأوّل من العام 1971، اعتمدت الجمعية العامّة للأمم المتّحدة بأغلبيّة ساحقة لإعادة جميع حقوق جمهورية الصين الشعبية، والاعتراف بممثلي حكومتها كممثلين شرعيّين وحيدين للصين في الأمم المتّحدة. وعلى مدار تلك الأعوام الخمسين الماضية قدّمت وتعهّدت الصين بمواصلة دورها كبانية للسلام العالميّ، ومساهمة في التنمية العالميّة ومقدّمة للمنافع العامة ومتمسّكة بأهداف ومبادئ الأمم المتحدة. من حيث التنمية، قدّمت الصين أيضاً مساهمات لا تمحى. فمن خلال القضاء على الفقر المدقع في الصين، حقّقت هدف القضاء على الفقر لخطّة التنمية المستدامة للعام 2030، قبل 10 سنوات من الموعد المحدّد، وهو ما يمثل مساهمة هائلة في الحدّ من الفقر العالميّ ومساعي التنمية المستدامة. وبروح بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وهو المفهوم الذي اقترحه الرئيس الصينيّ شي جينبينغ، إجابة صينية عن التحدّيات العالمية، ويضخّ طاقة في حماية السلام والتنمية العالميين. عملت الصين بلا كلل لتعزيز التعاون الدوليّ ضدّ التهديدات الرئيسية مثل تغيّر المناخ. وتعهّدت ببلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030، وتحقيق الحياد الكربونيّ قبل عام 2060.
ملء الشواغر وإصلاح نظام الحكم العالميّ
يكاد لا يوجد موقع شاغر في الأمم المتحدة إلّا وقامت الصين بإيصال أفضل الدبلوماسيين المخضرمين لديها، حيث أدركت الصين أهمية العمل من داخل تلك المنظمات، وعدم ترك الساحة للقوى المناهضة للصين "تسرح وتمرح" دون مواجهة، "من الندّ للندّ"، والشواهد على ذلك عديدة.
خلال المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصينيّ في تشرين الأول عام 2017، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ صراحة أنّ هذه "حقبة جديدة" من دبلوماسيّة القوّة العظمى ذات الخصائص الصينية، و"أنّ الدبلوماسيّة الرئيسية ذات الخصائص الصينية للبلاد تهدف إلى تعزيز نمط جديد من العلاقات الدولية وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية". وهي دعوة الى إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون والكسب المشترك، من خلال ربط تنمية الصين بتنمية العالم وربط مصلحة الشعب الصينيّ بالمصالح المشتركة والأساسية لشعوب العالم. وفي كلمة له في منتدى بواو السنوي لآسيا 2021، دعا شي جينبينغ إلى إصلاح نظام الحكم العالمي كي يعكس على نحو أفضل، نطاقاً أكثر تنوّعاً من الرؤى والقيم من المجتمع الدوليّ، ومنها الخاصّة بها، بدلاً من تلك التي تخصّ قلّة من الدول الكبرى.
مبادرة "الحزام والطريق" والأمم المتّحدة
مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصينيّ شي جينبينغ عام 2013 التي تسمّى أيضاً مبادرة "طريق الحرير الجديد"، هي استراتيجيّة تنمويّة تعتمدها الحكومة الصينيّة، وتتضمّن تطوير البنية التحتيّة والاستثمارات في 152 دولة ومنظّمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا.
هذه المبادرة كانت موضع إشادة من قبل الأمين العام للأمم المتّحدة، في افتتاح منتدى الحزام والطريق للتعاون الدوليّ في العاصمة بيجين في نيسان 2019، مبادرة "طريق الحرير الجديد"، في وسعها فتح فرص هائلة للعالم، وأنّ التعاون الدوليّ في مثل هذه المبادرات يمكن أن يساهم في تحقيق هدفين رئيسيّين، أوّلهما خلق قفزة هائلة في تعبئة الموارد لتنفيذ أهـداف التنمية المستدامة؛ وثانيهما القدرة على وقف تغير المناخ الجامح. وأكّد الأمين العام للأمم المتّحدة أنّ العالم سيستفيد أوّلاً من مبادرة الحزام والطريق في "تسريع الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"، لأنّها تعتمد على تنسيق السياسات بين الدول التي يمرّ بها الطريق، وتربط المرافق الخدماتيّة التي تنشأ حولها، كما أنّها تتيح التجارة دون عوائق، وتدعم التكامل الماليّ والتبادلات بين الناس، حسب وصفه. وأضاف غوتيريش:"ثانياً، على العالم أن يستفيد من مبادرة الحزام والطريق للمساعدة في سدّ فجوات التمويل الكبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة - على وجه الخصوص، نحو تريليون دولار لازمة في استثمارات البنية التحتية في البلدان النامية".
وقال الأمين العام إنّ مبادرة الحزام والطريق يمكن، من ناحية ثالثة، أن تنعكس فيها المبادئ الخضراء في العمل الأخضر للحفاظ على البيئة، ذلك أنّ "البلدان اليوم لا تحتاج فقط إلى الطرق المادية والجسور لربط الناس والأسواق"، بل إلى مستقبل نظيف وصديق للبيئة منخفض الكربون" حسب تعبيره.
منذ أن أصبحت مبادرة " الحزام والطريق" ضمن وثائق الأمم المتّحدة، تعمل إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتّحدة بجدّ، لمواءمة مشاريع الأمم المتحدة الإنمائية مع مشاريع " الحزام والطريق" على اعتبارها الشيء نفسه على حدّ تعبير ليو زنمين وكيل الأمين العام المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية (نائب وزير الخارجية الصيني السابق)، "كلاهما يخدم أغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة" وليس أقلّها لأنّها "تهدف الى تعزيز التعاون المربح للجانبين" في عالم حيث السيادة هي المبدأ الحاكم.
إطلاق استراتيجية الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة في الصين
بمشاركة أكثر من 12000 مشارك من أكثر من 160 دولة، عقدت خلال 1 و2 حزيران 2022 " قمّة قادة" الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة، وشارك فيها من قادة الأعمال من ذوي التفكير المستقبليّ وأصحاب المصلحة في أهداف التنمية المستدامة والنشطاء وصانعي السياسات والقادة الناشئين من جميع أنحاء العالم الذين يتّخذون إجراءات بشأن أهداف التنمية المستدامة ورسم المستقبل. الحدث الرئيسيّ والأبرز في فعاليّات هذه القمّة كان إطلاق استراتيجية الاتّفاق العالميّ للامم المتّحدة الخاصّة بالصين، بهدف تسريع وتوسيع نطاق التأطير الجماعي للأعمال في الصين لدفع التقدّم نحو أهداف التنمية المستدامةSDGs.
فالصين هي موطن لأكبر عدد من الشركات (143 شركة صينية) المدرجة على قائمة Fortune 500 وأكثر من 44 مليون شركة صغيرة ومتوسّطة الحجم SME. وذلك بهدف زيادة تأثير الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة من خلال إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيّين في الصين، لتعظيم تأثيرهم الجماعيّ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الصين والعالم، والعمل على تعبئة العمل الجماعي للشركات الصينية وتأثيرها في دعم أولويّات التنمية للصين على النحو المبيّن في الخطّة الخمسيّة الرابعة عشرة للصين 2021-2025، وإطار عمل الأمم المتّحدة للتعاون الإنمائيّ المستدام 2021-2025 للصين. وعلى وجه التحديد فإنّ الاستراتيجيّة الخاصّة بالصين تضمّنت سبعة مجالات رئيسيّة تغطّي جميع المبادئ العشرة للميثاق العالميّ للأمم المتّحدة، والتي من خلالها سيعظّم هذا الاتفاق تأثيره الى أقصى حدّ في مكافحة تغير المناخ، وتقليل عدم المساواة، والنهوض بالعمل اللائق، واتّخاذ إجراءات جماعيّة ضدّ الفساد، واشراك القطاع الخاصّ من خلال مبادرة الحزام والطريق للنهوض بخطّة التنمية المستدامة 2030.
التعويل على دور الشركات الصينية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة كبير، مساعدة الأمين العامّ للأمم المتّحدة والمدير التنفيذيّ للميثاق العالميّ ساندرا أوجيامبو قالت أثناء إطلاق استراتيجيّة الصين في قمّة قادة الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة: "لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بدون الصين ومشاركة الشركات الصينية، فقد شهدنا ازدياداً "سريعاً" في عدد الشركات من الصين التي تتقدّم لمواجهة التحدّيات الإقليمية والعالمية، وإنّ مسار التنمية في الصين وثيق الصلة بالدول الأخرى من خلال هذه الاستراتيجيّة، والتزامنا بتعظيم تأثيرها في الصين من خلال الاستثمار طويل الأجل والتعاون البنّاء مع القطاع الخاصّ وأصحاب المصلحة الرئيسيّين".
هذا ما أكّد عليه السفير تشانغ جون، الممثل الدائم للصين لدى اللأمم المتّحدة: "إنّ الصين على استعداد لتعزيز التبادلات والتعاون مع الاتفاق العالميّ للأمم المتّحدة والعمل على تحقيق أهداف خطّة 2030، داعياً الى إجراءات مشتركة لتقديم مساهمات أكبر للانتعاش العالميّ والتنمية المستدامة".
باعتباره أكبر مبادرة عالمية لاستدامة الشركات، ترتكز على الأمم المتّحدة وتشمل مبادئ المنظمة وقيمها، فإنّ الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة مع إطلاق استراتيجية الصين في قمّة قادة الاتفاق العالميّ للأمم المتحدة أصبح في وضع فريد لتعزيز هذا التعاون، ولتقديم وتوسيع نطاق الحلول التي تعالج التحدّيات العالمية. بناءً على رؤية الأمين العام الأسبق للأمم المتّحدة كوفي عنان، الذي قام، في المنتدى الاقتصاديّ العالميّ لعام 1999، بدعوة قادة الأعمال إلى الشراكة مع المنظمة لإنشاء "اتفاق عالميّ" من القيم والمبادئ المشتركة لإعطاء وجهاً إنسانياً للسوق العالميّ، ويلعب الاتّفاق اليوم دورًا رئيسيًّا في تعزيز التعاون التجاريّ مع الأمم المتّحدة.
الاتّفاق العالميّ للأمم المتّحدة هو دعوة للشركات لمواءمة استراتيجيّاتها وعمليّاتها مع عشرة مبادئ عالمية تتعلّق بحقوق الإنسان، والعمل، والبيئة ومكافحة الفساد، واتّخاذ الإجراءات التي تعزّز الأهداف المجتمعية وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة (SDGs) من خلال إشراك أكثر من 15000 شركة و3000 منظمة غير ربحية في أكثر من 160 دولة حتّى الآن، و69 شبكة محليّة، يعدّ الاتفاق العالميّ للأمم المتّحدة أكبر مبادرة استدامة للشركات في العالم - ميثاق عالميّ واحد يوحّد الأعمال من أجل عالم أفضل.