كان من المستغرب تصويت كتلة "اللقاء الديموقراطي" للنائب ميشال معوّض في جلسة انتخابات رئيس الجمهورية الأولى، في وقت لم يكن من المتوقّع أن تصوّت كتلة وليد جنبلاط لمرشّح تحدٍّ كمعوّض، بعدما كان رئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" رفض هذا النوع من المرشّحين منذ بدء الحديث عن الانتخابات، وشدّد على وجوب أن يكون للمرشّح مشروع سياسيّ واقتصاديّ لدعم ترشيحه، على أن يحظى بحدّ أدنى من التوافق بين المكوّنات.
لا اتفاق بين جنبلاط ومعوّض
وفي إطلالته التلفزيونية الأخيرة، كان من الواضح أن لا تفاهم بين جنبلاط ومعوّض على عدد من العناوين العريضة، وأشار جنبلاط إلى أنّه لا يعلم ماذا سيكون موقفه من سلاح "حزب الله"، القرار 1559، والاستراتيجية الدفاعية. كلّ هذه العناوين تشكّل نقاطاً خلافية على مستوى الساحة اللبنانية، وقد تجعل من معوّض رأس حربة وليس فقط رئيس تحدٍ، بناءً على المواقف التي يختارها.
معوّض ليس مرشحاً توافقيّاً
مواقف معوّض معروفة لجهة "حزب الله"، وهو من الداعين إلى نزع سلاح الحزب، ويكاد يكون أقرب إلى موقف "القوات اللبنانية" في إطار هذه العناوين، مع العلم أنّ جنبلاط لا يتّفق مع "القوات" على طروحاتها. كما أنّه ليس شخصية توافقية، بل مرشّحاً غير مقبول من الحزب، ويشكّل استفزازاً له، ومن غير المرتقب أن يوافق الأخير على وصوله إلى قصر بعبدا، أو حتى حركة "أمل" والتيار "الوطني الحر"، ويُمكن العودة إلى مواقفه قبل الانتخابات النيابية للبناء عليها في هذا الإطار.
كما أنّ جنبلاط توجّه إلى الحزب في مقابلته الأخيرة، وقال، "مرشّح التحدّي الذي أتيتم به، وهو رئيس الجمهورية ميشال عون، كلّف البلاد كثيراً"، فكيف له أن يعاكس ما يقول ويأتي بمرشّح تحدٍّ كمعوّض، لن يتقبّله "حزب الله" ولن يتعامل معه على أنّه مرشح توافقي؟ يعلم جنبلاط أن أيّ مرشّح تحدٍّ من قبل أيّ طرف سيكون "مرشّح أزمة" لأنّه لن يكون قادراً على التواصل مع الفريق الآخر، وبالتالي لن يستطيع الوصول إلى حلول لبنان بحاجة ماسّة إليها.
ليس معوّض المرشّح المطابق لمواصفات جنبلاط السياسية التي طرحها مؤخراً، وليس من المنتظر أن يسير "اللقاء الديموقراطي" به إلى نهاية سباق الانتخابات الرئاسية خصوصاً وأنّ حظوظه تكاد تكون معدومة، بل إنّ تبديلاً مرتقباً على صعيد الأسماء، وهذا ما أبدى جنبلاط انفتاحاً عليه في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، حينما قال منفتحًا على أسماء أخرى غير معوّض، ولكن بالتنسيق معه، ما يعني أنّ رئيس "التقدمي" ينتظر أن تنضج الطبخة الرئاسية أكثر، ليدعم اسمًا يُحبّذ أن يحظى بدعم أطراف المعارضة.
لماذا دعم جنبلاط معوّض ما لم يرد السير به حتى نهاية المطاف؟
كانت الجلسة الأولى شكلية لا أكثر ولا أقلّ، وجسّت الأطراف نبض بعضها بعضًا، لكن لن يُبنى عليها لأنّ موعد الحسم لم يقترب، والسباق الرئاسي الحقيقيّ لم يبدأ بعد، مع ترجيح فترة فراغ طويلة، بانتظار الضوء الأخضر الخارجي بعد حلحلة عدد من ملفات الإقليم، وهو ما يعلمه جنبلاط، رغم رسالة "حزب الله" بعدم وجود ربط بين الانتخابات الرئاسية والاتفاق النووي الإيراني.
لماذا لم يطرح جنبلاط مرشّحه؟
في الاستحقاق الماضي، وفي وقت كان جنبلاط يعلم أن لا توافق على اسم لرئاسة الجمهورية، والفراغ سيطول، طرح اسم نائب كتلته هنري الحلو كمرشّح، لكنّه كان يعلم أن لا حظوظ له، إلّا أنّه فضّل طرح اسم على أن يُحرج بالتصويت لأيّ من المرشحين الآخرين الذين لم يتّفق معهم، وحينما عُقدت التسوية وتمّ الاتفاق على ميشال عون، صوّت له.
هذه المرّة، لم يطرح جنبلاط اسمَ مرشّحٍ، بل سار بخيار معوّض مبدئياً، وقد يكون خلف ذلك رغبة من زعيم المختارة بالاحتفاظ بورقة طرح اسم قد يكون توافقياً يحظى بالحدّ الأدنى من الإجماع، ويتمتّع بحظوظ الوصول إلى سدّة الرئاسة، عكس معوّض الذي لا حظوظ له، وهنا، من الضروري الإشارة إلى أنّ "حزب الله" وفي حال رأى بمعوّض مرشّحَ تحدٍّ، وهو الحال اليوم، لن يسمح بوصوله إلى سدّة الرئاسة حتى لو جمع الأكثرية، وقد يلجأ إلى تعطيل جلسات الانتخاب.
معارضة متماسكة
كما أنّ اختيار جنبلاط التصويت لمعوّض يعكس صورةً مفادها وجود معارضة متماسكة إلى حدٍّ ما، تجمع عدداً لا بأس به من النواب، لفرض شروط ومعايير على الفريق الثاني حينما تصل المرحلة إلى التوافق وغربلة الأسماء وطرح مرشّحين جدّيين. بمعنى آخر، عندما تنضج الطبخة الرئاسية، ويصل الأفرقاء إلى طرح اسم جدّي، يأخذ فريق "حزب الله" و8 آذار بالحسبان وجود طرف متماسك قادر على المشاركة في وضع المعايير، خصوصاً وأنّ تقسيمة مجلس النواب الحالية لا تسمح لفريق 8 آذار بإيصال مرشّح وحده.
الورقة البيضاء
كما أن جنبلاط لم يكن في وارد الاقتراع بورقة بيضاء، لأنّ ذلك سيبيّنه في مظهر المتجانس مع فريق 8 آذار التي صوّتت بهذه الورقة في ظلّ غياب اتفاقه على مرشّح، وسيُحسب على هذا الفريق.
ماذا تُفيد قراءة الإقليم؟
إلى ذلك، يجيد جنبلاط قراءة السياسة الدولية بشكل متقن، وانطلاقاً من هذه النقطة، ليس خافياً على أحد أنّ إيران لا زالت تتمتّع بالنفوذ الأقوى في المنطقة، ومن غير المرتقب أن تضعف سيطرتها رغم كلّ ما يحصل داخل الجمهورية الإسلامية، خصوصاً وأنّ المجتمع الدولي والإقليمي يخوض مفاوضات ونقاشات مع طهران ستخوّلها العودة أقوى بعدما أنهكتها سياسة العقوبات، فواشنطن تفاوض طهران، وكذلك الرياض، ما يعني أنّ إيران متقدمة ومستمرّة في سيطرتها، وستترجم ذلك في العواصم الأربع التي تسيطر عليها، ومعوّض لن يكون على جدول أعمالها.
لم توضع الطبخة الرئاسية على النار بعد، وما يحدث اليوم يندرج في خانة تمرير الوقت إلى أن يحين موعد الحسم، فتتبدّل المواقف وتتخذ طابع الجدية. ليس معوّض المرشّح الأكثر حظوظاً في السباق الانتخابي المرتبط بعوامل إقليمية أيضاً، فكيف سيتبدّل موقف جنبلاط في الجلسات المقبلة؟