الدكتور ناصر زيدان
يقول الرئيس التونسي قيس سعيد: إن دستور العام 2014 أدى إلى الفوضى والإنهيار الاقتصادي في البلاد، والتعديل المطروح من قبله على الإستفتاء الشعبي في 25 تموز ، هدفه وقف الإنهيار والحفاظ على الدولة، وإقفال كل المخارج التي استفادت منها بعض الحركات والأحزاب والنافذين لتحقيق مآرب فئوية أو شخصية، ولفرض وصاية أخوانية على الشعب، تبيح لهؤلاء تجاوز القوانين والأصول، وتمنع عمليات الإصلاح وتوقِف الملاحقات القضائية بحق المرتكبين.
ومن المؤكد أن سيعد يغمز من قناة حركة النهضة (الأخوان المسلمين) التي يرأسها راشد الغنوشي، وهو المناوئ الأول له، وكان لحركته الباع الطويل في التعديلات التي أدخلت على دستور العام 2014، وقد استفادت حركة النهضة من الأجواء الإعتراضية التي فرضتها ثورة الياسمين التي أطاحت الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. والرئيس سعيد يحكم بمفرده منذ أكثر من عام، بعد أن حلَّ البرلمان وأقال الحكومة، وأوقف 57 قاضياً عن عملهم، بسبب تغطيتهم للارتكابات المالية ولبعض جرائم الاغتيال السياسي، وأهمها التي استهدفت زعيم المعارضة العلمانية شكري بلعيد في العام 2013.
يبدو الرئيس سعيد واثقاً من دعم الشعب التونسي لخطواته الإصلاحية الواسعة، وهو نشر نص الدستور الجديد في"رائد الجمهورية" أي الجريدة الرسمية، على غير ما تبنته لجنة الصياغة التي يرأسها المرجع الدستوري الصادق بلعيد، وقد تعرّض النص المنشور إلى انتقادات واسعة، لأنه يحمل مؤشرات على عودة النظام الرئاسي المتشدد الذي كان يعتمده الرئيس زين العابدين بن علي، وفقاً لما تقوله حركة النهضة والحزب الدستوري الحر وحزب العمال اليساري، وقد اعتبر هؤلاء أن الدستور الجديد المقترح سيفضي إلى فرض ديكتاتورية رئاسية، وسيطيح إنجازات ثورة الياسمين.
من المؤكد أن طرح التعديل الدستوري مغامرة صعبة يخوضها الرئيس سعيد، ولا يبدو أن الخطوة تلقى ترحيباً من الكتل النيابية القائمة، ولا من غالبية الأحزاب، حتى إن الاتحاد العام للشغل الذي يتمتع بشعبية واسعة في تونس ترك الخيار لأعضائه بالتصويت بنعم أو لا للدستور الجديد، دون أن يأخذ موقفاً مؤيداً، وكان الاتحاد في صدد معارضة الدستور الجديد، لولا الوساطة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 4 تموز، وجمع فيها سعيد ورئيس الاتحاد نور الدين الطبوبي على هامش احتفالات العيد 60 للإستقلال في الجزائر العاصمة. علماً أن الإتحاد العام للشغل كان مسانداً للرئيس سعيد في الانتخابات الرئاسية عام 2019، وأسفرت عن فوز قيس سعيد.
إذا فشل الرئيس سعيد في الحصول على أغلبية مؤيدة للدستور الجديد، سيكون الأمر بمثابة ضربة قاسية له، وقد تقضي على مستقبله السياسي، وستكبَّل يداه فيما تبقى من ولايته التي تنتهي في العام 2024. وإذا انتصر في الإستفتاء، سيدخل مؤيدوه بإرتياح إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعا إليها في كانون الأول المقبل، كما أنه سيفرض نفسه لاعباً قوياً ومن دون منازع على الساحة التونسية، وسيتمكن من تحقيق كافة الإصلاحات التي يدعو إليها، استناداً إلى صلاحيات كبيرة للرئيس تضمنها الدستور الجديد.
إضطر الرئيس سعيد إلى إدخال تعديلات على التعديل المنشورة في الجريدة الرسمية، بعد الضجة التي أثيرت في وجهه من أوساط واسعة النفوذ في الداخل والخارج. ولكن التعديلات الجديدة التي أدخلها شملت توضيحات حول ضمان حق التنوع السياسي والديني في إطار نظام يعتمد على الحريات والديمقراطية، وذلك استجابة لطلب منظمات دولية متخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان، لأنها رأت في إشارة الدستور إلى احترام الأبعاد الإنسانية للدين الإسلامي، ثغرة يمكن أن تُستغل لتقويض حرية غير المنتمين إلى هذه الديانة. لكن البارز أن التعديل على التعديل الذي أعاد سعيد نشره في 8 تموز؛ لم يتناول أي تقليص لصلاحيات رئيس الجمهورية على الإطلاق، وهو أعاد التأكيد على دور البرلمان في سنّ التشريعات، وحصر سلطته على الحكومة بقدرته على إسقاطها بطلب من ثلثي أعضائه. والدستور الجديد ينص على أن رئيس الجمهورية هو الذي يسمي رئيس الحكومة ويعين الوزراء بناءً على إقتراحه، وهي لا تحتاج إلى الحصول على ثقة البرلمان قبل البدء بممارسة عملها، كما هو عليه الحال في الأنظمة البرلمانية.
والبارز في التعديلات المقترحة؛ إنشاء مجلس جديد موازٍ للبرلمان يمثل الأقاليم التونسية، وله صلاحيات واسعة في فرض سياسة التنمية المتوازنة، وهو يأخذ من مهام مجلس النواب في بعض القضايا التشريعية ذات الطابع الجهوي.
معركة سياسية من الطراز الرفيع يخوضها الرئيس قيس سعيد في تونس. وهي ستغير وجه تونس بالكامل في حال نجاحها، كما أنها ستغير الخارطة السياسية القائمة حالياً في حال فشلها، ذلك أن الملاحقات التي شرع بتنفيذها القضاء التونسي بعد الخضَّة الأخيرة التي تعرض لها من قبل الرئيس، ستصبح أمام خطر التوقف، لا سيما منها موضوع تجميد أرصدة 10 من كبار المسؤولين، ومن بينهم راشد الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي.
لحظة سياسية مصيرية تنتظرها تونس في 25 تموز. على أمل أن تساعد في خلاص التونسيين من الكبوة المالية والمعيشية التي وقعوا فيها.