النهار

زيلنسكي يشكر المملكة، والأميركيون يتّهمونها بالانحياز لروسيا!
زيلنسكي يشكر المملكة، والأميركيون يتّهمونها بالانحياز لروسيا!
آلية أوكرانية تُطلق قذيفة على خط المواجهة في منطقة دونيتسك (10 ت1 2022).
A+   A-
فيصل ج. عباس*
 
لم يكد تحالف الدول المنتجة للنفط "أوبك بلاس" يقرر، الأسبوع الماضي، خفض الإنتاج في شهر تشرين الثاني بمقدار مليوني برميل يوميًا، حتّى انطلق وابل من الانتقادات من واشنطن متوجّهًا نحو هدفه مثل الصواريخ الحراريّة – وبالطبع، كانت السعودية هي الهدف.
 
فقد طالب سناتور ولاية كونيكتيكيت الديمقراطي كريس مورفي بإجراء "إعادة تقييم شاملة لتحالف الولايات المتحدة مع السعودية"، كما قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير إنه "من الواضح أن تحالف أوبك بلاس منحاز إلى روسيا".
 
ولا يُمكن للمرء إلّا أن يتساءل أين كان هؤلاء الأشخاص في شهر آذار عندما ضمّت السعودية صوتها إلى صوت 140 دولةً أخرى أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة. ولا يمكن للمرء إلّا أن يتساءل أيضًا عما إذا كان أي منهم قد استمع إلى الشرح المنطقي الذي قدّمه وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بعد اجتماع أوبك بلاس، إذ أوضح أنه توجّب على التحالف أن يكون استباقيًا مع توجّه المصارف المركزية في الغرب لمعالجة مسألة التضخّم عبر رفع معدّلات الفائدة، ما من شأنه أن يزيد من احتمالية حصول ركود اقتصادي عالمي ويؤدّي بالتالي إلى انخفاض الطلب على النفط.
 
يمكن للمؤمنين بنظريّة المؤامرة أن يقولوا ما يريدون، ولكن عمل أوبك بلاس لا يهدف إلى إيذاء واشنطن أو الانحياز إلى موسكو ضدّ أوكرانيا. التحالف موجود للمحافظة على استقرار أسواق النفط – الأسواق نفسها التي تحافظ على حسن سير العمل في العالم.
 
صحيح أن المملكة قد حافظت على علاقات جيدة مع موسكو وعبّرت عن استعدادها لتأدية دور الوسيط الموثوق في هذا الصراع. ومع ذلك، عندما يعترف فولوديمير زيلينسكي نفسه بقيمة هذه العلاقات، يتوجّب على المرء أن يتساءل عما إذا كان هؤلاء الديمقراطيون في واشنطن يعتقدون أنهم أكثر دراية بمصالح أوكرانيا من رئيس البلاد نفسه!
 
ففي مقابلة أجراها عن بعد مع صحيفة عرب نيوز الأسبوع الماضي، شكر زيلينسكي المملكة وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الجهود التي بذلوها للتوسط في أكبر عملية لتبادل الأسرى شهدتها الحرب، إذ تم تبادل ما يقارب 300 معتقل. كما اعتبر أنه "نظرًا إلى العلاقات التي تربط ولي العهد بروسيا، كانت فرص النجاح جيدةً على الأغلب وأنا ممتنّ جدًا له على هذه النتيجة الرائعة".
 
وبالمناسبة، كان من بين الأسرى الذين أفرجت عنهم روسيا مواطنان أميركيان – وفي وقت أصدر كلّ من البيت الأبيض ووزارة الخارجية بيانات موجزة شكرا فيها الرياض على الدور الذي أدّته، كان صمت منتقدي السعودية في الكونغرس مدوّيًا. فبطبيعة الحال، تفصلنا أربعة أسابيع فقط عن انتخابات الكونغرس النصفيّة وتوجيه الشكر إلى المملكة لا يساعد المرشّحين على الفوز بأصوات إضافيّة.
 
إن الانتقاد هذا غير موجّه للديمقراطيين فحسب، فقد سبق للرياض أن عملت بشكل جيد جدًا مع كلا الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. إنّه بالأحرى لنداء موجّه إلى السياسيين الانتهازيين ليتوقفوا عن معاملة المملكة مثل كرة قدم مخصّصة للانتخابات، يركلونها في كلّ مرّة يدلي فيها الأميركيون بأصواتهم. فالسعوديون ليسوا هم المسؤولين عن مشاكلكم الداخلية أو قراراتكم التي تفتقر إلى الحكمة.
 
فلنأخذ مثلًا مطالبة بعض الديمقراطيين مؤخّرًا بإيقاف بيع الأسلحة الأميركية إلى السعودية. ففي حين أن بعض الناخبين قد يدعمون هكذا دعوات بطبيعة الحال، إلّا أنها تثير أسئلةً جديةً حول مدى فهم هؤلاء السياسيين للمنطق البسيط.
 
اسمحوا لي أن أبسّط الوضع لهم. تستخدم ميليشيا الحوثي المدعومة من طهران في اليمن مسيّرات إيرانية الصنع (المسيّرات نفسها التي تستخدمها روسيا ضدّ أوكرانيا) لاستهداف المدنيين السعوديين كما البنى التحتيّة للطاقة السعودية. لذا، ما الذي قد يحدث عندما تكون قدرة المملكة على الدفاع عن نفسها محدودةً بسبب القرارات غير الحكيمة للولايات المتحدة وتصبح إمدادات الوقود محدودةً بسبب تفجير إحدى المسيّرات لمصفاة نفط؟ بحسب أساسيات علم الاقتصاد، سترتفع الأسعار – وهذه بالضبط النتيجة التي يقول هؤلاء السياسيون إنهم يحاولون تجنّبها!
 
يتوجّب على الأميركيين أن يفهموا أن أسعار الوقود المرتفعة التي يعاني منها السائقون الأميركيون في المحطات – وهي القضية التي تشغل السياسيين الأميركيين كثيرًا مع اقتراب موعد الانتخابات – هي نتيجة قرارات لم تُتّخذ لا في فيينا ولا في الرياض، بل في واشنطن. وكما أشار وزير الدولة السعودي عادل الجبير بلباقة لقناة فوكس نيوز (Fox News): " يكمن سبب ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة في وجود نقص في التكرير لديكم، وهو نقص موجود منذ أكثر من 20 عاماً، ولم تقوموا ببناء مصافي تكرير منذ عقود".
 
وملاحظتي الأخيرة هي أنه ما إذا كانت أسعار الوقود تُشكّل مصدر قلق لإدارة بايدن، فإن الحلّ قريب منهم حتمًا، إذ إن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم وولاية تكساس أقرب بكثير إليها من الرياض. ولكن، لعلّ الرئيس يشعر بالعجز بسبب الوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية في ولاية نيو هامبشاير في شهر شباط من عام 2020، حيث قال: "لن يكون هناك عمليات حفر على الأراضي الفيدرالية بعد الآن ونقطة على السطر. نقطة على السطر. نقطة على السطر". ويُعتبر هذا خطأ آخر سببه سوء التقدير ويمكن بالكاد لوم السعودية عليه.
 
إذًا، يمكن حّل مسألة أسعار الوقود، تمامًا مثل العديد من مشاكل الولايات المتحدة، في أميركا نفسها. ولكن هذا سيتطلّب من الديمقراطيين أن يتخلّوا عن كبريائهم وأن يكونوا عقلانيّين في تفاوضهم مع الطرف الآخر في الكونغرس وأن يضعوا مصلحة أميركا أولاً... وهو شيء لم يثبتوا قدرتهم على فعله حتّى الآن!
 
رئيس تحرير "عرب نيوز"
 
 

اقرأ في النهار Premium