يعدّ الاتفاق بين السعودية وإيران، بوساطة صينية، تطوّرًا مهمًا بالنسبة إلى الوضع الجيوسياسي الإقليمي، حيث تضمّن التزامًا غير مسبوق من الجانب الإيراني باحترام سيادة المملكة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واستئناف التعاون الأمني معها.
وإذا ما احترمت إيران التزاماتها بالفعل، فقد تُشكّل هذه الخطوة فرصةً حقيقيةً لتغيير الوضع الحالي، إذ سيبشّر ذلك بمرحلة لم نشهد لها مثيلاً منذ عقود، عنوانها السلام والازدهار الإقليميين.
بالطبع، ما زلنا في بداية الطريق. سنحتاج لفترة يتمّ التركيز خلالها على بناء الثقة بين الجانبين، وعلى اتّخاذ إجراءات ملموسة على الأرض، بهدف ترسيخ الاتفاق. قد يشكّك البعض في موقف السعودية، أو يعتبرون هذه الخطوة بمثابة تغيير لتوجّهها، ولكنّ الواضح أن هؤلاء لم يطّلعوا على سياسة المملكة المُعلنة. فالاتفاق الذي أٌبرم يوم الجمعة يتماشى تمامًا مع ما أدلى به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلة "ذي أتلانتيك" قبل عام، حيث قال "إننا نعتبر إيران بمثابة جارة لنا. وإن حلّ المشكلات معها يصبّ في مصلحة الطرفين، إلّا أنّه يجب معالجة مخاوف المملكة الأمنية أولًا".
آمل حقًا في أن تكون هذه الخطوة فرصةً للنظام الإيراني، فتسمح له بتركيز جهوده على بناء اقتصاد بلاده والاهتمام بشعبه، تمامًا كما تفعل قيادتنا هنا في المملكة. إذا ما شهد كلا البلدين نجاحًا باهرًا، وعشنا في سلام وازدهار، فسيكون لذلك تبعات إيجابيّة لا بالنسبة للسعودية فحسب، بل للمنطقة بأكملها، وحتّى للعالم.
سيبقى المسؤولون السعوديون متأهّبين ومتيقّظين، لكونهم يعرفون أن ما يتمّ الاتفاق عليه مع مسؤولي السياسة الخارجية الإيرانية قد لا يتماشى مع سياسات الحرس الثوري.
نحن، في المملكة، نعي أننا لطالما كنّا منطقيّين، وحملنا غصن الزيتون خلال فترة النزاع، ولكن المحاولات السّابقة فشلت. لذا، فلنأمل، من أجل مصلحة الجميع، أن تنجح هذه المحاولة.
لن ينظر حتمًا بعض الخبراء المزعومين في الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصورة الشاملة، وسيركّزون على دور الصين، فيتساءلون عن سبب استبعاد الولايات المتحدة.
لا أعتقد أن الاستبعاد هذا يدلّ على انعدام ثقة؛ فالولايات المتحدة لا تزال أهمّ حلفاء السعودية الاستراتيجيّين وأكثرهم رسوخًا. فطبيعة هذه المفاوضات تفرض، بهدف إنجاحها، إبقاءها سريّةً، وإجراءها من خلال وسطاء يقبل بهما كلا الطرفين باعتبارهم عادلين وغير منحازين، وليس لديهم تضارب مصالح.
تستوفي الصين هذه الشروط بشكل تام، إذ تتمتّع بعلاقات جيّدة مع كلا البلدين، وليس لديها تاريخ عدوانيّ أو استعماريّ في المنطقة، على عكس الولايات المتحدة ومعظم أوروبا.
وبالفعل، كونها من أكبر مستوردي النفط السعودي (1,75 مليون برميل يوميًا)، فإن للصين مصلحة واضحة في ضمان التدفّق الآمن لمنتجات الطاقة عبر إنجاز هذا الاتفاق.
وبالرغم من أن التوتّرات بين السعودية وإيران لا تزال موجودةً، فقد يُشكّل هذا الاتفاق بداية النهاية لمرحلة دمويّة دامت عقودًا.
*الكاتب رئيس تحرير "عرب نيوز"