كسرت الإدانة الدولية للطاقة الذرية لإيران، نتيجة إخفائها معلومات نووية عنها، الحلقة المفرغة التي شهدتها مرحلة ما بعد مفاوضات فيينا. وأدى القرار الأممي إلى تصعيد إضافي من قبل طهران سرعان ما حذّرت من مفاعيله الإدارة الأميركية.
في هذا الصدد، أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان حول قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران إلى جملة عوامل أبرزها:
- ستؤدي خطوات إيران إلى نتائج عكسية، وستزيد من تعقيد جهود الإدارة الأميركية للعودة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة.
- النتيجة الوحيدة لهذا المسار ستكون أزمة نووية متفاقمة ومزيدًا من العزلة السياسية والاقتصادية لإيران.
- مواصلة الضغط على طهران لاختيار الديبلوماسية وخفض التصعيد.
كما ارتفع منسوب القلق في أروقة الكونغرس الأميركي من الخطر الإيراني على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ما دفعه للوقوف مليًّا عند مراقبة الخطوات المقبلة التي من المزمع أن تتخذها الإدارة الأميركية حيال الملف النووي، خصوصًا أن مشروعًا قُدِّم إلى مجلس الشيوخ الأميركي تحت مسمّى "قانون ردع قوى العدو وتمكين الدفاعات الوطنية"، ويُعرف هذا القانون اختصارًا بـ"DEFEND Act" والذي ترعاه "مجموعة اتفاقات إبراهيم" في الكونغرس الأميركي والمؤلفة من مشرّعين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ويطلب مشروع القانون هذا من وزارة الدفاع الأميركية إعداد استراتيجية للعمل جنبًا إلى جنب مع كل من العراق وإسرائيل والأردن ومصر والسعودية والإمارات وغيرهم من الحلفاء والشركاء في منطقة الشرق الأوسط لإنشاء بنية دفاعية ونهج عمل يستخدم مزيدًا من القدرات الدفاعية الجوية والصاروخية لحماية المنطقة من هجمات إيران والجماعات المتطرفة المدعومة من طهران.
أمام ذلك كلِّه، كان لا بد من التوقف عند أربع قراءات مختلفة تقارب التداعيات المحتملة مما يسمى بمعادلة الفعل ورد الفعل:
- الأولى، تحذّر من أن عدم تعامل إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤزّم الوضع الذي تسبب فيه انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي. ذلك أن عدم قدرة المفتشين الدوليين على زيارة مواقع إنتاج مورّدات الطرد المركزية أو مراقبة أنشطة إيران بشكل مستمر عبر الكاميرات في منشأتَيْ نطنز وفوردو يسهّل على طهران استئناف العمل على تصنيع أسلحة نووية.
ولعلّ السيناريو الأبرز للخروج من الجمود الحالي يكمن في موافقة إيران على التفاوض بشأن إلغاء تصنيف الحرس الثوري من قوائم الإرهاب بشكل منفصل عن المحادثات المتعلقة بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
- الثانية، ترى أن تأخر إدارة الرئيس الأميركي جوزف بايدن في الوفاء بوعدها بالعودة إلى الاتفاق النووي سمح لطهران بتوسيع نشاطها. كما يُعاب على إدارة بايدن سعيها إلى وضع اللائمة على إيران وحدها في الجمود الحاصل بسبب تشبّثها رفع الحرس الثوري الإيراني عن قوائم الإرهاب.
كما يشار إلى أن وقوف كل من فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا إلى جانب أميركا بشأن توبيخ إيران لا يعني مطلقًا توحيد المواقف الغربية، خصوصًا أن هدف الأوروبيين يبقى العودة إلى الاتفاق. ذلك أنهم بحاجة إلى دخول النفط الإيراني إلى أسواقهم لوقف تبعيتهم لمصادر الطاقة الروسية، لكن ذلك غير ممكن في ظل العقوبات التي فرضها ترامب وحافظ عليها بايدن.
- الثالثة، تستغرب كيفية سعي إدارة بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران رغم سلسلة الهجمات التي شنتها الأخيرة على أميركا وحلفائها. مع الإشارة هنا إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يسعى لانتزاع اتفاق أفضل من الذي أبرمه سلفه حسن روحاني في 2015، الأمر الذي دفع حكومته إلى رفع سقف مطالبها.
كما يبرز هنا انتقاد لاذع لإدارة بايدن التي تساهلت، رغم رفض طهران التخلي عن رغبتها في الانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني، فضلاً عن تخطيطها لاستهداف مسؤولين سابقين في إدارة بايدن، ناهيك عن شنّها هجمات سيبرانية ضد أميركا وحلفائها.
- الرابعة، تكشف أن إبرام اتفاق مع إيران للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة سيرفع القيود أمام الصادرات النفطية الإيرانية، ما سيغطي النقص الذي خلّفه تراجع المبيعات الروسية في الأسواق الدولية، لكن معارضة الجمهوريين وجزء من الديمقراطيين، لما قد يعتبر تنازلاً لصالح إيران، يحول دون هذا الموضوع، لأن الاستجابة لطلب طهران برفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب سيُظهر بايدن كأنه أهدى نصرًا لغريمة أميركا.
في الختام، مما لا شك فيه أن القصف الذي تعرضت له المنشآت الإيرانية سيؤخر برنامج إيران النووي بشكل مؤقت فقط. غير أنه ينشر اشعاعًا مميتًا ويودي بحياة الآلاف. عندها ستشعر إيران أن تطوير قنابل نووية له ما يبرره لردع هجوم آخر مماثل. إذ لا يمكن الحديث هنا عن وجود خطة باء.
فيما يبدو أن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان معتدلاً كذلك بالنسبة لرد فعل إيران حتى اللحظة. وعلى الرغم من الضجة الإعلامية التي أُثيرت، لم يُظهر أيّ من الجانبين رغبة في تصعيد حقيقي، خصوصًا أنه كان بإمكان بايدن -وكان يجب عليه- العودة إلى الاتفاق من خلال أمر تنفيذي. لكنه بدلاً من ذلك اختار الاستمرار في عقوبات ترامب والتفاوض على العودة إلى الاتفاق. وبعد مرور 18 شهرًا، بات برنامج إيران قاب قوسين أو أدنى من بلوغ خيار السلاح أكثر من أي وقت مضى.
ويبقى السؤال: صحيح أن بايدن محقّ في وصفه لعقوبات الضغط الأقصى التي فرضها ترامب بالفشل الذريع. ولكن إلى متى يمكن لبايدن الاستمرار في تلك السياسة ذاتها دون الاضطلاع بمسؤولية تراكم فشلها؟!