"لا تقولوا استشهد، قولوا أُعدم بعد أن سقط على الأرض"
شيرين أبو عاقلة - 4 كانون الأول 2021
مَن مثل شيرين أبو عاقلة لا يموت؛ خطواته فوق الجمر ثابتة، يُحدّق إلى الشمس بأجفان بلّوريّة. "في الطريق إلى هناك"، إلى دائرة الحتف، كانت لها رسالة أخيرة مفتوحة على فصلٍ لم يكتمل، فيما كان الموت "على مسافة قريبة" جدّاً هذه المرّة.
موجعٌ استشهاد شيرين. فيه شيء من تمخّض الشّمس كلّما طلعت فوق القدس. كانت السّاعة تُشير إلى السّابعة والثلث صباحاً حين بلغنا النبأ، فجاء إعلان استشهاد الزميلة برصاص عدوّها مهولاً، ثقيلاً، شديد الرهبة، ينتهر النفس ويسحقها، ويهمس في أذني: "أنت التالي... أنت، قد تكون التالي".
شاملٌ استشهاد شيرين، ينفتح على أسئلة محورها الهُويّة والنُعوت. فبين "الفلسطينيّة" و"المسيحيّة"، كاد سهم الغضب ينحرف فتغرق قضية اغتيال صحافيّة، خلال تأدية واجبها المهنيّ، في جملة اعتبارات رثّة. لكن موت شيرين أعمق وأبلغ من الألقاب؛ هي التي عاشت من دون لقب، و"كانت معكم شيرين أبو عاقلة"، ليس إلا.
تعود صورة شيرين إلى رأسي وتأبى أن تغادر. تعود حادّة، مكفهرّة، متدفّقة. في أرض سيّارة، تمدّدت من دون حركة. أحدهم يدفع جثّتها إلى الداخل، ووابل الرصاص يُعلن الفاجعة. سيميائيّة الموت تنخر الدّماغ.
هل أدركت شيرين أنّ "الصورة اتّضحت" بالفعل، وأنّ المشهد اكتمل؟
لسنا ندري. قد يأتي يومٌ وأسألها. وحتّى ذلك اليوم، سيُجهّل الفاعل مراراً، وستتنصّل إسرائيل من الجريمة على قاعدة "Put the Blame on Mame". سيقول الاحتلال إنّ فلسطينياً قتلها، وإنّها كعادتها "كانت تصوّر مناطق أمنية"، وستتراجع إسرائيل مقدار مرتبة أو مرتبتين في "التصنيف العالمي لحريّة الصِّحافة".
شيرين!
أردتُ أن أكتب عن موتك صبيحة اليوم التالي، تماماً كعادة الصحافة المكتوبة التي تنشر ولا تتلقّى ردوداً، علّني أنجّي نفسي وأنجّيكِ لعنات "السوشيل ميديا".
لعلّك تذكرين يوم قرأَت راهبات الوردية على مسمعك قصّةَ صلب المسيح. صرخَ اليهود "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا"، فهزمهم؛ و"أولادهم" مذّذاك يُنكرون جريمةً تلو الأخرى.