زيد سفوك
كاتب وباحث سياسي
من الاستغراب في الأحداث الجارية تصديق الكثيرين ما يتم الترويج له بأن نظام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيذهب باتجاه المصالحة مع نظام بشار الاسد وتحقيق سلام بين جزء من المعارضة وما تبقّى من نظام البعث في سوريا.
إنها لعبة سياسيّة أخرى من النظام التركي للحصول على تأييد من الغرب وأميركا، وإكمال مشروعه الوهميّ المتمثل بالمناطق الآمنة وتبرير قتلهِ للأكراد في سوريا واحتلال مناطق أخرى. وبالتأكيد، هناك جهات استخباراتية دولية رَسمت هذه الخطوة، فالنظام التركي القائم، وحسب دراسة سياساته طوال هذه الأعوام، لا يمكن أن يتّخذ هذه المناورة من تلقاء نفسه، لا سيما أنه يتّخذ الخيار العسكري - على الدوام - بديلاً للسياسة والثقافة والفكر. حاولت تركيا من خلال المناورة الإعلامية للمصالحة مع النظام الضغط على أصحاب القرار في القانون الدولي كورقة بالتلويح بالاستغناء عن قرارات جنيف، ولإبراز قدرتها على الانفراد بالملف السوري، واستطاعت اكتساب نقاط في غاية الأهمية:
الأولى: أظهرت أن معظم المناطق التي تقع تحت سيطرتها هي معارضة حقيقية للأسد، وذلك من خلال التظاهرات الرافضة للمصالحة، والتي ستؤدّي بحسب اعتقادها إلى حصولها على دعم من المجتمع الدولي، وإبداء تنازلات ودعم في اتجاه توسيع ما يسمى بـ"المناطق الآمنة".
الثانية: أثبتت ضمنياً لحليفها الروسي والإيراني أيضا أن قرار الاتفاق مع النظام مُلك للشعب السوري القاطن في مناطق سيطرتهِا، وأزالت عن نفسهِا شبهة الطمع باحتلال الأرض السورية.
الثالثة: يحاول تشتيت انتباه شعوب المنطقة وشعبه والشعب السوري عن الجرائم اليومية التي يقترفها بحق الشعب الكردي في سوريا.
الرابعة والأخيرة: استقطاب أصوات معارضي حزب العدالة والتنمية واكتسابهم في الانتخابات التركية المقبلة.
لكن يبقى السؤال: هل ستنطلي هذه اللعبة على الروس والغرب والأميركيين وشعوب العالم؟ إنّها فرصة لقلب السّحر على السّاحر، إن قرّرت إدارة الولايات المتحدة الاميركيّة تغيير مناورة تركيا واستغلالها ضدّها؛ فإدارة بايدن تملك من الأدوات ما يكفي إن أرادت فعل ذلك.
الإعلام شيء والممارسة السياسية شيء آخر. فتركيا لن تتفق مع النظام لأنها تعلم أن النظام بات جسما صغيراً، وهي كانت ولا تزال العائق الوحيد أمام أيّ تسوية شاملة للأزمة السورية بمنعها من إشراك الكرد في المفاوضات. في الوضع القائم، تركيا مستفيدة أكثر، ولها حضور كلاعب للمساومة مع روسيا وأميركا وإيران والأوروبيين. إنّها مستمرّة في سياسة الطمع والاحتلال على حساب الشعب السوري، الذي بات لعبة - للأسف - يتمّ تحريكه وفق المخطط والحدث نتيجة قبول هذه الفئة من الشعب منذ البداية بمعارضة هشّة، سلّمت نفسها ومصيرها لدولة أخرى، من دون أن تعلم بأنها باتت دمية إلى ما لا نهاية.
إن الخيار الوحيد لسدّ هذه المؤامرات ومنع تقسيم سوريا أرضاً وشعباً هو الحوار الشامل بين كافة مكوّنات الشعب الهادف لبناء الثقة والتفاهم المشترك بقناعة وقبول الآخر. إن أساس نجاحهِ هو بانتقاء المتحاورين المخلصين والمتمسّكين بالسلام والثبات على تأمين حقوق الشعب الكردي في الدستور عبر الدبلوماسيّة والحوار. السلاح هو لمحاربة الإرهاب والدفاع عن الأرض والقضية وليس للقضاء على الشعوب وحقوقهم.
لا بدّ من أن تعي الأنظمة الحاكمة والقوى الإقليمية أن الإنسانية فوق كلّ شيء، كما لا بدّ من توعية الشعوب لوقوفها يداً بيد مع الشعوب المضطهدة، لأن الكلمة الأولى والأخيرة لشعب صامد موحّد مهما طال الزمن.