النهار

معدن الليثيوم جسر العبور إلى الطاقة النظيفة
المصدر: "النهار"
معدن الليثيوم جسر العبور إلى الطاقة النظيفة
معدن الليثيوم.
A+   A-

الدكتور زاهي خليل

*دكتور مهندس في الصناعات الكيميائية

*أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية
 
يعتمد العالم في مسعاه لخفض انبعاث غازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج وإستهلاك الوقود الأحفوري والحد من الاحترار العالمي وتغيّر المناخ، على الاستثمار والتحوّل إلى الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. تشكل تقنيات التخزين الدعامة الاساسية لتطوير وفعالية هذه الطاقات التي سوف تسهم في إحداث ثورة في قطاع النقل والتحوّل إلى السيارات الكهربائية والهجينة، وإعادة تشكيل الصناعات العالمية في العقود المقبلة.
 
تعتمد تقنيات تخزين الطاقة على البطاريات عموماً، وعلى أكثرها تقدماً وتميزاً، وخصوصاً تلك القابلة لإعادة الشحن (الليثيوم أيون أو الليثيوم بوليمر). من أهم خصائص هذه البطاريات خفة الوزن والزيادة الكبيرة في السعة ومضاعفة الأداء والسرعة في الشحن كما التفريغ. كذلك تتميز بمعدل الخدمة الذي يتجاوز ثلاثة أضعاف وانعدام الصيانة واكتمال الأمان والحفاظ على البيئة مقارنة بالبطاريات الكلاسيكية (الرصاص، الزنك...). أدّى ذلك إلى ازدياد الطلب على معدن الليثيوم والمكونات المعدنية الاخرى كالنيكل والنحاس والمانغنيز والكوبالت الملقبة بـ"فيتامينات العصر الحديث" بسبب خصائصها المميزة (التوصيل الكهربائي، الاستقرار الحراري..)، والتي تُستخدم أيضاً في العديد من القطاعات العالية التقنية. لكن ندرة هذه المواد المعدنية يمكن أن تشكل عاملاً أساسياً في تقييد دينامية الانتقال إلى الطاقات المتجددة حيث سيتم استهلاك أكثر من 80٪ من هذه الموارد المعروفة حالياً بحلول عام 2050، وإضافياً في تفاقم الصراع بين الدول الصناعية للحصول عليها.
 
تتجه أنظار المستثمرين في تقنيات تخزين الطاقة بشكل رئيس نحو إنتاج الليثيوم الذي يُلقب بالذهب الأبيض ويعدّ من أكثر المعادن طلباً، حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 400% العام الماضي. يتميز الليثيوم بأنه معدن قلوي ناعم ذو لون أبيض رمادي، شديد التفاعل، وخاصّة بوزنه الأخف وسعته الحرارية الأعلى بين جميع المعادن، وهذا جعله ومركباته الكيميائية تحظى باهتمام كبير وتطبيقات في مجالات صناعية حديثة ومتنوعة. وأصبحت عملية التحوّل والعبور إلى الطاقة النظيفة وتخزين الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة كما تطور سوق السيارات الكهربائية وقطاعي الإلكترونيات والاتصالات (74% من الليثيوم في هذه القطاعات) تعتمد بشكل أساسي على هذا المعدن، بالإضافة إلى استعماله في صناعة الزجاج والسبائك المعدنية والوقود الصلب والأدوية وغيرها.
 
لا يوجد معدن الليثيوم كعنصر نقي في الطبيعة ولكن في شكل مركبات كيميائية، في مناجم صخرية كما هي الحال في أوستراليا والصين، أو في البحيرات المالحة كما في تشيلي والأرجنتين وكذلك في رواسب الآبار الحرارية الجوفية. يتراوح تركيز الليثيوم في هذه المواقع بين 0.05 إلى 0.25%. كما يوجد الليثيوم في البحار والمحيطات ولكن بتركيزات خفيفة لا تتعدى (0.2 في المليون) ولم يتم حتى الآن إيجاد الطرق العلمية ذات الجدوى الاقتصادية لاستخراجه منها.
 
يجري التنقيب عن الليثيوم واستخلاص أملاحه (الكاربونات والهايدروكسايد) باعتماد التقنيات المناسبة لمواقع وجوده. فالصخور الصلبة التي تُستخرج من الحفر المفتوحة تُطحن ثم تُفصل أملاح الليثيوم عن باقي المكونات الصخرية بالوسائل الكيميائية والفيزيائية. أما المحاليل الملحية التي تُستخرج من الخزانات الحرارية الجوفية أو من البرك المالحة فتُضخ الى السطح ويُعمل على تركيزها بالتبخير، ومن ثم تُفصل أملاح الليثيوم عن باقي المكونات كذلك بالوسائل الكيميائية والفيزيائية الملائمة.
 
يقدر الاحتياط العالمي الحالي والمؤكد لمعدن الليثيوم الصافي بـ21 مليون طن (تشيلي: 9.2 ملايين طن، أستراليا: 4.7 ملايين طن، الأرجنتين 1.9 مليون طن، الصين :1.5 مليون طن، الولايات المتحدة الأميركية: 750 ألف طن...). كما يقدر الاحتياط العالمي المُحتمل بـ86 مليون طن، ويوجد أكثر من نصفه في مثلث الليثيوم (بوليفيا- الأرجنتين- تشيلي)، علماً بأنه يتم تعريف الاحتياط المؤكد للمعادن (كما البترول والغاز والفحم) على أنه الكمّية القابلة للاستخراج أو الإنتاج بالتقنيات الحالية في وقت التقدير. ويبلغ الإنتاج العالمي من الليثيوم 82 ألف طن عام 2021 وهو مرشح للمزيد، ويتوزع بشكل أساسي بين (أوستراليا 40 ألف طن، تشيلي 18 ألف طن، الصين 14 ألف طن...).
 
تدرك الدول الصناعية الأهمية المطّردة لبطاريات الليثيوم والتسارع المتوقع للطلب عليها في المستقبل القريب والبعيد، كما ضرورة تأمين مواقع قوة لها في السباق العالمي لتحوّل الطاقة وتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام. لذا فهي تسعى إلى البحث والتنقيب عن مكامن ومناجم مكوناتها من المعادن النادرة على أراضيها أو الاستثمار في الإنتاج في البلدان صاحبة الاحتياط من خلال شركاتها العالمية لتأمين سلاسل إمداداتها. حسب الوكالة العالمية للطاقة، تحتل الصين موقعاً مركزياً في أسواق الإنتاج والاستثمار في العالم مع 60% تتوزع بين تشيلي والارجنتين وزيمبابوي وغيرها، كما في سوق المعالجة والتصنيع مع 107 محطات من أصل 140 في العالم. أما الولايات المتحدة فتأتي متأخرة جداً مع 10% فقط للإنتاج من موقع البرك المالحة في نيفادا، و1% للمعالجة والتصنيع. لكنها تحاول استدراك هذا التأخّر مع اكتشاف احتياط هائل لأملاح الليثيوم في المياه الجوفية بمحطات الطاقة الحرارية الأرضية بالقرب من بحيرة "سالتون سي" في كاليفورنيا وتلقب بـ"وادي الليثيوم" تضعها في المرتبة الخامسة عالمياً. أما أوروبا التي تمتلك القليل من الاحتياط في بعض دولها كألمانيا وتشيكيا وصربيا، ولا توجد على خريطة الإنتاج العالمي حالياً، فتسعى جاهدةً للّحاق بركب الدول المنتجة أوالمُحوِّلة بالتنقيب عن الليثيوم على أراضيها الذي يوجد في الينابيع الجوفية الحارة ولكن بتركيزات ضعيفة بمعدل 0.05% أو الاستثمار في البلدان التي تمتلكه.
 
مع تطور الصناعات التي تعتمد على تقنيات تخزين الطاقة وارتفاع الطلب العالمي على الليثيوم ونظرائه من المعادن النادرة وازدياد حدّة التنافس في التنقيب والاستثمار، من المتوقع أن يكون العالم أيضاً أمام تغييرات كبيرة في الجغرافيا السياسية ومصادر إضافية للتوتر بين الدول الصناعية وخاصة بين الصين والولايات المتحدة ولعدم الاستقرار في الدول المنتجة لها.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium