محمد فحيلي*
إن كان الهدف هو الحفاظ على ما بقي من القطاع المصرفي اللبناني، فالسبيل لذلك هو إثبات القدرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد وهذا ليس بالسهل. قدرة القطاع المصرفي على الاستمرار في خدمة الاقتصاد اللبناني لا تعني قدرة كل مصرف على ذلك، ويجب الإضاءة على:
أما ترميم الثقة وإعادة بنائها على أسس متينة فله مسار آخر. المؤشر الأساسي لنجاح مساعي إعادة ترميم الثقة هو عندما تتحول زيارة المودع للمصرف من مصدر "همّ" إلى مصدر "اهتمام"، والجهة صاحبة الاختصاص لتحديد ذلك هي المودع لا إدارة المصرف و/أو المصرفي.
لا يوجد اقتصاد من دون قطاع مصرفي وخدمات مصرفية، وعلى المصارف التجارية القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد استثمار واستغلال هذا الواقع لمصلحتها لإعادة الحياة إلى ربوعها، ويجب أن تتوقف بسرعة عن انتظار أن تأتي الحلول من سلطة سياسية فاسدة وفاشلة تمنّعت عن دفع التزاماتها للمصارف وتسوّق اليوم في سياق طرح الحلول للتشريع لإعفاء مصرف لبنان من التزاماته تجاه المصارف. ولكن حقيقة الأمر مرّة والقطاع المصرفي لا يبادر بالحلول بل يتسرّع لإنتاج وتظهير ردود الفعل على ما تتقدّم به الطبقة السياسية متناسياً أن الطبقة السياسية التي أهلكته وسلخت المواطن لن تتقدّم بحلول تنتقص من مكاسبها.
من وقت إلى آخر تطل علينا جمعية مصارف لبنان بـ"أفكار" لا ترقى إلى مستوى الحلول لأن هذا القطاع الذي كان يتغنى بحجم ودائعه التي بلغت ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني يفقد مصداقيته عندما يقترح حلولاً فقط على حجم المصارف أو مصرف أو مصرفين! الحلول التي تأتي من جمعية مصارف لبنان يجب أن تأتي على حجم الوطن. وباختصار، هذا ما أنتجه تجمّع المصارف تحت مظلة جمعية مصارف لبنان حتى اليوم:
- عند انطلاقة الأزمة، الصمت وتفادي المواجهة مع المموّل الأساسي للمصرف، المودع. أنا لا أتكلم عن المواجهة بين موظف الفرع والمودع، أنا أقصد المواجهة بين المصرفي – كبار المساهمين – والمودعين. غياب كبار المساهمين عمداً عن التواصل مع المودعين فرض المواجهة المرة بين المودع وموظف المصرف واليوم تدفع ثمن هذا الأداء المؤسسة المصرفية التي يجب على السلطات الرقابية (لجنة الرقابة على المصارف) حمايتها من ارتكابات المصرفيين الخاطئة.
- بعدها تمسكت جمعية مصارف لبنان بالتركيز على تبادل وتقاذف التهم مع الطبقة السياسية الموثق فسادها وفشلها عوضاً عن الاهتمام بشؤون المودعين والمحاولة الجدية الصادقة لتلبية حاجاتهم لا رغباتهم.
- ثم جاء التركيز على إعادة هيكلة وجدولة الدين العام كممر إلزامي للإنقاذ والتعافي الاقتصادي متناسية أن الطبقة السياسية التي ترتكب الجرائم للحفاظ على مكاسبها لن تستطيع ممارسة الحوكمة والمسؤولية بإدارة المالية العامة للدولة. وبما أن الممر الإلزامي لإعادة جدولة الدين العام وهيكلته هو تفعيل جباية الضرائب والرسوم وترشيد الإنفاق، فلن تفعل ذلك هذه الطبقة الحاكمة.
- ثم جاء الصندوق السيادي لاستثمار إيرادات الغاز والنفط والكل يعلم أن لبنان يبعد سنوات وسنوات عن وصول إيرادات من الغاز والنفط، هذا إن وُجدت!
- واليوم، الرد المناسب، بتقدير تجمع المصرفيين، كان بالدعوة لإنشاء محكمة خاصة بالأمور المصرفية. الغاية من إنشاء محكمة خاصة بالأمور المصرفية ليس مرتبطاً بالقضاء بل بالمصارف، بمعنى آخر المطلوب إنشاء محكمة خاصة لتسهيل أمور المصارف وليس لتفعيل عمل القضاء أو تقويته.
إلى السادة في المصارف التجارية العاملة في لبنان، وإلى السادة الكرام في جمعية مصارف لبنان، بكل احترام وتقدير، إما الحلول المقترحة من طرفكم تكون على حجم الوطن وتعتمد بالدرجة الأولى على ما أنتم قادرون على إنجازه وتقديمه إلى مكونات الاقتصاد اللبناني أو لا تكون، عندها يكون في صمتكم قيمة مضافة!