قبل الظهر، سينعقد المجلس النيابي للتمديد للمجالس البلدية، وبعد الظهر سينعقد مجلس الوزراء لإقرار سلّة من المساعدات المالية للعاملين في القطاع العام، وربّما لأجراء آخرين.
سيتم التعدّي على حق الانتخاب قبل الظهر، هذا الحقّ الذي من دونه لا مصدر شعبياً للسلطات، ولا سيادة شعبيّة ووطنيّة، ولا ديموقراطيّة، وبالمحصلة لا سياسة.
كذلك سيجري التعدّي على حقّ العمل بكرامة بعد الظهر، إذ إن الزيادات التي أعطيت في السابق، وستُعطى في المستقبل، غير مرتبطة في مفهومها بالإنتاج والعمل، بقدر ما هي "مساعدات مالية" من خارج الأجر، الذي هو في صلب عقد العمل. وكأنّ العاملين أصبحوا متسوّلين، لا يعتمدون على عملهم للمطالبة بحقوقهم، بل على "حاجتهم" المعيشية. لا قرارات موازية متوقعة لاستنهاض الاقتصاد، وجعل العمل والإنتاج مجدداً رافعة للمداخيل، ومبرراً لها. المدخول أو "المساعدة المالية" في الواقع، اِقتلع من مصدره، الذي يجعل منه حقاً، ليتحوّل إلى منّة من الحكومة. والمضحك والخبيث في آن هو تسمية هذه المساعدات المالية بـ"محفّزات إنتاج"!
يبدو من الدعوات للاعتصام غداً أنّها تتركّز على مواكبة اجتماع مجلس الوزراء وليس اجتماع مجلس النواب. فالأولوية بالنسبة إلى الداعين هو الوضع المعيشيّ، وليس العمل البلدي، أو قضية الانتخاب بشكل عام. يُمكن بسهولة تفهّم هذا الموقف في ظلّ أزمة معيشية خانقة، لكن علينا في الوقت نفسه رؤية المشهد بكُلّيته إذا أردنا الاستمرار في العيش بكرامة.
من الواضح أن المجلس النيابي أراد الاجتماع قبل الحكومة لاستباق أيّ احتمال في إجراء الانتخابات البلدية، لا سيّما أن الحكومة ستبحث مسألة تمويل هذه الانتخابات. دعونا لا نتوقف فقط عند هذا التناقض-المسخرة في التوقيت، بل لنتساءل حول أولويات السلطة، لعلّنا نعيد النظر في أولويّاتنا. بشكل واضح، الأولوية بالنسبة إلى السلطة هو تأجيل الانتخابات البلدية، أي تأجيل ممارسة حقّ الناس في التعبير عن إرادتها، وفي إدارة شؤونها المجتمعيّة. ولا بأس عندها بعد ذلك، إذا "تنازلت الحكومة"، وقرّرت إعطاء مساعدات مالية للعاملين بأجر؛ فالأهم بالنسبة إليها أن يبقى المواطن متسوّلاً وليس صاحب حقّ في تقرير مصيره السياسي، وفي قبض ثمرة عمله.
من هذا المنطلق، يجب على التحرّكات غداً أن تضغط منذ الصباح، أوّلاً لمنع المجلس النيابي من تأجيل الانتخابات البلدية، وثانياً لجعل الحكومة تقرّ بعض التقديمات المعيشية، لكن في إطار استراتيجيا أبعد تحوّل المعتصمين إلى مفاوضين حول خطّة التعافي والنهوض الاقتصادي بدل الاكتفاء بنضالات قطاعيّة عقيمة، نتيجتها الاستمرار بالتسوّل دوريّاً، فيما تنقرض أمام عيوننا الحقوق السياسية، الواحد تلو الآخر.