د. عصام إسماعيل
أستاذ القانون الدستوري والإداري في الجامعة اللبنانية
يشكّل الطرح الذي أطلقه غبطة البطريريرك مار بشارة بطرس الراعي حول مواصفات رئيس الجمهورية، أو الشروط المؤهلة للترشّح لهذا المركز، بادرة أمل نحو تحقيق الإصلاح المنشود، فلقد آن الأون للخروج من التطبيقات السائدة بإغفال المعيارية في اختيار المرشحين لتولي المراكز القيادية، بحيث انعكست أخطاء الاختيار على واقع النظام اللبناني واستقراره.
نعم إن المرشح لتولي رئاسة الجمهورية يجب كما أطلق غبطة البطريرك الراعي أن يكون متمرِّساً سياسيًّا وصاحب خبرة، محترماً وشجاعاً ومتجرِّداً، رجل دولة حياديّاً في نزاهته وملتزماً في وطنيّته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكّل تحدّيًا لأحد، ويكون قادرًا على ممارسة دور المرجعيّة الوطنيّة والدستوريّة والأخلاقيّة، وإذ لا يتّسع المجال لشرح هذه المفردات التي صيغت بعناية، والتي يمكن جمعها في ستة عناوين: الأخلاق – الشجاعة – الوطنية - المعرفة السياسية – النزاهة - التجرّد، وهذه المواصفات لم تكن غريبة عن مطالب أهل الفلسفة الذين كانوا ينظرون إلى رئاسة الدولة ليس بصفتها امتيازاً وإنما وظيفة خطيرة يقتضي بمن يتولاها أن يتمتع بخصائص ومؤهلات تتيح له القيام بهذا العبء الملقى على عاتقه في إصلاح شؤون المجتمع ونهضته الاقتصادية، وتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين ومكافحة الفساد وتسيير المرافق العامة وتأمين احتياجات المواطنين، هذه العناوين الكبرى لمهام متولّي السلطة لم تتبدل على مرّ التاريخ، وإنما كان التراخي والاستهتار في تعيين شروط الحكام هو السبب في انهيار الدول، ولهذا نجد إصراراً من أهل العلم والفلسفة على وضع شروط ومواصفات من يتولى القيادة، ومنهم من وضع هذه الشروط بصورة عكسية، حيث نبّه إلى من يحظر اختيارهم لهذا الموقع: البخيل، الجاهل، الجبان، المساير على حساب القانون.
وإذا كانت الدساتير لا تتطرّق إلى الشروط الإيجابية الواجب توافرها في المرشح لرئاسة الجمهورية، فمردّ ذلك أن الهيئة الناخبة يفترض بها أن تحسن الاختيار وتأتي بالأصلح لتولي هذا المركز والقادر على ممارسة المهمة المنوطة به دستورياً، وفي الدستور اللبناني فإن رئيس الجمهورية وبحسب المادة 49 من الدستور:
"هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور".
بحسب هذا النص فإن رئيس الجمهورية في قمة هرم البنيان الدستوري، وعلى مسافة من كل السلطات، مهمته الكبرى السهر على احترام الدستور بما يحفظ انتظام عمل السلطات والمؤسسات الدستورية واستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وهو الحامي والحارس الأول لمبدأ الشرعية الدستورية والقانونية. إنها وظيفة كبرى تفترض وجود رئيس بالخصائص التي طرحها غبطة البطريرك الراعي يتفرغ للقيام بها لا يشغله البحث عن صلاحيات صغيرة عن أداء هذا الدور. ذلك أن صلاحية رئيس الجمهورية هي فوق الصلاحيات وتنازعها وتقاسمها، وبسبب هذا الدور الكبير منحه الدستور مقامية "رمز وحدة الوطن"، وهو يقسم اليمين الدستورية من أجل أداء هذه الأدوار الكبرى لا من أجل الدخول في صغائر الأمور.
وإذا ما تحقق اختيار رئيس بالمواصفات المذكورة، فإن ذلك سيستتبع تلقائياً اختيار الجهاز التنفيذي الذي ينسجم في ممارسة شؤون الإدارة وتوجهات الرئيس، فتكون لدينا القيادة الإدارية الرشيدة التي تحسن شؤون السياسة وتفقه القانون وتشعر بمعاناة وحاجات المواطنين، وتملك جرأة التقرير المناسب في تسيير المرافق العامة.