"إن لم يحاسبه القضاء فأنا من سيحاسبه"، هذا ما اكتفى بالإفصاح عنه محمد خضر، والد الضحيّة هناء لـ"النهار"، إذ فضّل عدم التعليق على الحادثة إلّا بعد انتهاء التحقيق.
فارقت هناء(21 سنة) الحياة صباح أمس، بعد أن أضرم زوجها عثمان عكاري النار بها قبل 10 أيام، وهي التي كانت تنتظر مولودها الثالث الذي حملته 5 أشهر، ولم تستطِع أن تقاوم الحروق التي بلغت 100% من جسدها، بحسب التقرير الذي نشره مستشفى "السلام" في طرابلس. هي واحدة من تلك الضحايا اللواتي أصبحت أسماؤهن وصورهن تمرّ مرور الكرام ويُطفأ النور عن قضاياهن بعد فترة.
وفي حديثٍ لعمّ الضحية خالد لـ"النهار"، قال: "كان هناك خلاف بين الزوجين قبل أيام من وقوع الجريمة، وذهبت هناء إلى منزل ذويها قبل أن "يبادر" زوجها عثمان وشقيقته إلى مصالحتها. وبعد 3 أيام من عودتها إلى المنزل، قام بتعنيفها و"كسر عصا على رأسها"، فيما ذكر خالد أنّه بعد وقوع الجريمة اكتفى عثمان ووالدته بالاتصال بالصليب الأحمر من دون مرافقتها إلى المستشفى. وأضاف عمّ الضحية أنّ والدة الزوج قالت لابنها: "خلّي الاولاد هون، وفوت إنت ويّاها على الغرفة".
في الوقت نفسه، نفى أفراد عائلة هناء أن يكون هناك عنف يُمارس عليها منذ بداية زواجها، فهي تزوّجت بعمر 18 سنة، ولم تُخبر أحداً يوماً بتعرّضها لأيّ عنف، نافين ملاحظتهم أيّ تصرّفات غريبة من عثمان، الذي كان يزورهم مراراً، و"كانت علاقتهم به جيّدة".
ترافقت هذه الجريمة مع محاولة انتحار غنوة علاوي، وهي أمّ لثلاثة أولاد، إثر تعرّضها لعنف على يد زوجها المعاون في قوى الأمن الداخلي عيّاش طرّاق. ولم يكتفِ هذا الأخير بذلك، بل قام بتصوير زوجته خلال تعنيفها وأرسل المقاطع لأهلها بهدف "الإذلال". الآن، تصارع غنوة للبقاء على قيد الحياة في مستشفى البرجي شمال لبنان، وسط قلق ذويها من "الحصانة" السياسية التي يتمتّع بها عثمان. وطالب والد الضحية عبر حسابه على "فايسبوك" بـ"معاقبة الظالمين بالسجن المؤبد".
جرائم قتل النساء أصبحت شبيهة بالمواضيع العابرة التي يعتبرها البعض "كليشيه"، ولا تستحق الإضاءة عليها. ففي سياق مشابه، شهدت عكّار بداية هذا الشهر جريمة قتل مروّعة حيث قتل عسكري زوجته "ن.م." (35 سنة) بعد إطلاق النار عليها. كلّ هذه الجرائم تأتي استكمالاً لمشهد تعنيف وقتل النساء في مختلف الدول العربية، وأبرزهنّ نيّرة أشرف، وإيمان أرشيد، وسلمى بهجت، والإعلامية المصرية شيماء جمال، وغيرهن.
تعتبر الناشطة النسوية علياء عواضة أن السبب الرئيسيّ لارتفاع الجرائم ضد النساء هو التراخي في الأحكام القضائيّة التي غالباً ما تكون "خفيفة". "مثلاً أن يقتل رجل زوجته ويحكم عليه بالسجن لأشهر أو لسنوات قليلة ويخرح بشهادة حسن سلوك". يشهد لبنان منذ أزمة كورونا وبدء الأزمة الاقتصادية ارتفاعاً كبيراً في معدلات الجرائم. وبحسب دراسة أجرتها منظمة "أبعاد" في العام 2021 في لبنان، فإنّ نسبة التبليغ عن حالات العنف اللفظي والجسدي بحق النساء ارتفعت بنسبة 180% و200% عن السنوات الماضية، فيما لم يبلّغ 92% من المعنّفات عن تعرّضهن للتعنيف. وتردف عواضة أنّ معظم المحاكمات تأخذ وقتاً طويلاً، وغالباً ما يكون هناك ثقافة "الإفلات من العقاب" بسبب هذا "النظام".
تتلقّى النساء، إلى جانب المدافعين عن حقوقهنّ، صفعةً جديدة في كلّ مرّة تُرتكب فيها جريمة جديدة بحقّهن، إذ تُنسى ويبقى ملف الجريمة عالقاً. وكثيراً ما بُرّئت هذه الجرائم بحجّة "الشرف"؛ والخوف اليوم من أن يكون مصير هناء خضر مماثلاً. هو مشهد قريب من فوضى قتل عالميّة تضجّ حيناً وتنطفئ حيناً، ترتفع الأصوات وتهمد، ونتجهّز لقضية جديدة مماثلة في أي لحظة. التخوّف الفعلي هو على أطفال الضحايا، فتخيّلوا أيّ جواب سيلقاه هؤلاء عند طرحهم سؤال: "وين راحت ماما؟".