نبيل مملوك
نعم أشجع المنتخب الفرنسي...ولم أنطلق من تشجيع ذاك الديك المتأمّل الذي يحمل خياله الغنائي الرومنسيّ حتّى الآن نجمتين من مبنى كروي أو اعجاب تكتيكيّ بانسجام اقدام اللاعبين داخل أرض الملعب خصوصًا في المونديال المنصرم (روسيا ٢٠١٨) فحسب، بل الحكاية تقطن في زاوية مشعّة أبعد... قد تكون اسطوريّة مجازيّة لكنها ملموسة في وجداني... إنّه زين الدين زيدان... الشاعر الذي كتب قصيدته على مسودّة خضراء وألقاها كمجموعة كرات في مرمى رؤيتنا...
عرفتُ زين الدين زيدان لأول مرّة حين كان ابن خالتي الذي يكبرني بسنة يشاهد بكل أنانيّة مباريات ريال مدريد القديمة وقتها ظهر رجل يختلط بياضه بالسماء ورأسه مليئة بشعر هادئ قابل للتمرد أو الفوضى وقامة تغطي كالمظلة أي ظلّ يمكن أن يشتت نظراتنا... لم يكن المونديال وقتها عام ٢٠٠٦ قد شارف على النهاية بعد... شاهدنا كذلك على قناة "أي آر تي سبورت" أهداف الدور الاول والدور ال١٦ ودور الربع نهائي للمنتخبات... وللأسف لم أرَ زيدان... أو لم انتبه له... إلا بعد ان دخلت فرنسا الى النهائيات لتواجه ايطاليا على احد الملاعب الألمانية... لا أخفي أنّي ناصرتُ ايطاليا وقتها كوني ابن السنوات التسع الانطباعي التأثري بآراء الأقارب واولاد الجيران... قررت أن أنام أنا المشجع الإيطالي البائس الذي لم يعرف وقتها أن بوفون هو الذي بجسارته أوصل أحفاد دانتي أليغري الى نهائيات كأس العالم كونه استطاع ابقاء الشباك نظيفة ولا رسّام التغريبة الألمانية أليساندرو ديل بييرو الذي استفز دموع أبناء هيغل وغوتة... لم أعرف ما صنعه لوكا توني شبيه بافاروتي صخبًا وعنفًا موسيقيّا بشباك كل المنتخبات التي فشلت بمنعه من تجاوز دور المجموعات...
كل ما عرفته اني لم أنتشِ بفوز ايطاليا بعدما استفقت واخبرتني امي... ولم أنس خيبة ريمون دومينيك المدرب الأنيق والكلاسيكي التي تذكرني حديثا بتأملات فارس الهيرومينوطيقيا السرديّة بول ريكور... اتذكر دموع زيدان امام الكأس... ودراما جاك شيراك القائد الدبلوماسي لبلاد السين وايفيل... بكاء زيدان بعد نطحه مدافع ايطاليا ماركو ماتيرازي كان هو العلامة ...التي استهديت اليها بعد كل الجفاء والتيه الكروييْن الذي عانيت منهما...
كل الدموع... وخسارة الحظ الفرنسي في ركلات الترجيح جعلتني أسأل نفسي: "هل كان ينقصهم صوتي الجماهيري الخافت ليربحوا؟ هل خاننا الحارس بارتيز تعاطفا مع متيرازي بوجه العربي الذي رفض شتم أمه كسلفه عمرو بن كلثوم فنطح متيرازي في عقر دار كراهيته، في صدره الشامت بزيدان وامه المرأة العربيّة البعيدة عن التسلل وركلات الحظ؟
خسر زيدان وما زلت أحمل ككثيرين ذنب خسارة فرنسا عام ٢٠٠٦... وقتها القصيدة لم تكتمل على الدفتر الأخضر... أكملها مبابي وغريزمان وللوريس... ورفعوها على شكل كأس مرصعة بالألق...
دخلت بين جماهير فرنسا ...لابحث عن كرة زيدان لم اجدها....واليوم ونحن على مقربة من بداية مونديال قطر...
سأبحث عن زيدان الذي يرغب بصناعة شعراء على دفاتر الحاضر الخضراء...سأبحث عنه
حتى تستطيع فرنسا أن تكتب بروح بول ايلوار وحبر جاك برفير وصلابة بول فاليري وتنشد بهدوء شارل ازنافور وفريدريك فرنسوا...قصيدة زيدان...التي كتبها هناك...على مسودة الأبد الخضراء.