يحمل الرئيس الأميركي جو بايدن عدداً من الملفات التي تتعلق بالعلاقات البينية والإقليمية والدولية في زيارته المقبلة لمدينة جدة، غرب السعودية، بعد عيد الأضحى واختتام مناسك الحج. ويجتمع لتدارس العلاقات البينية في اليوم الأول، الجمعة، 15 يوليو (تموز) مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
جولة ولي العهد
ويلتقي في اليوم التالي، بزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم بالإضافة إلى السعودية، الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان. ويشارك في القمة ثلاثة من الزعماء العرب: ملك المملكة الأردنية الهاشمية، الملك عبد الله الثاني، ورئيس جمهورية مصر العربية، الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء جمهورية العراق، الرئيس مصطفى الكاظمي. وقد يبدي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رغبته في المشاركة.
وينتظر الزعماء العرب لقاء ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، في جولة تبدأ بمصر، يوم غد الاثنين، ثم الأردن، الثلاثاء، وتنتهي بتركيا الأربعاء. والمتوقع أن تطرح خلال الجولة ملفات زيارة الرئيس الأميركي.
تحضير مبكر
وفي المقالة السابقة "ملفات بايدن السعودية" فصّلنا ما نتوقعه من قضايا يتم التفاهم حولها قبل الزيارة بين كبار المسؤولين في البلدين، وأبرزها الخلافات التي سادت خلال النصف الأول من ولاية الرئيس نتيجة لتبنّيه أجندات يسارية متطرفة، وسعيه للتقليل من شأن السعودية ومكانتها الدولية.
ويقود الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع والسفير السعودي السابق في واشنطن، هذه المفاوضات مع الجانب الأميركي، ممثلاً في مستشار المجلس الأمن القومي ووزراء الخارجية والدفاع، وعدد من القيادات العسكرية والأمنية والتشريعية. ويشارك في هذا الحراك السعودي، وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وسفيرة خادم الحرمين الشريفين، الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، أشهر سفراء المملكة وأطولهم خدمة في العاصمة الأميركية. ومعهم عدد من الوزراء البارزين، وآخرهم وزير التجارة، الدكتور ماجد القصبي، الذي يتواجد حالياً في أميركا لتدارس ملف الشراكة الاقتصادية التي بلغ حجم تبادلاتها التجارية 623 مليار ريال خلال السنوات الخمس الماضية، منها 114 ملياراً خلال العام الماضي.
الملفات الاستراتجية
وتشمل القضايا البينية قائمة الاحتياجات والطلبات والتساؤلات الأميركية في مسائل متعددة، أبرزها علاقتها العسكرية والأمنية والاقتصادية بروسيا والصين، وموقفها من الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، واصطفافات المحاور الدولية الجديدة، إضافة الى مجالات التعاون في النفط والطاقة النووية والأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط، والمواجهة القادمة مع ايران وميليشياتها وسياساتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وسبق أن أوضحنا، في المقالة السابقة، الموقف السعودي من كل ما سبق، والطلبات والشروط والهواجس المقابلة. ففي علاقة تكافؤية بين دول سيادية، من حق الطرفين طرح دواعي القلق والتفاؤل، والاحتياجات والمصالح البينية، على طاولة التفاوض والحوار، بدلاً من وسائل الإعلام.
ملفات عربية
وفي هذه المساحة نستعرض الملفات "العربية" التي يُنتظر أن يحملها الرئيس الأميركي والرد السعودي المتوقع، إذ يسعى البيت الأبيض لاستيضاح الموقف السعودي من عملية السلام بين الفلسطينين وإسرائيل، والعمل على تقريب المسافة بين الرياض وتل أبيب، التي يزورها يومي 13-14 يوليو (تموز)، رغم فشل المحاولات السابقة في عهد الرؤساء الجمهوريين، وآخرهم الرئيس الصديق ترامب.
والمتوقع أن تصر السعودية في المقابل على أن تُؤطّر أي مقاربة على أساس مبادرة السلام العربية، التي قدّمتها في بيروت عام 2002، وحظيت بموافقة الفلسطينيين ودعم جميع الدول العربية، والمجتمع الأممي، وتجاهلتها إسرائيل.
كذلك ينتظر أن يبدي الرئيس الأميركي تأييده للخطوات التي اتخذتها المملكة لدعم حكومة العراق في وجه الهيمنة الإيرانية وزعزعه حرسها الثوري وميليشياتها للأمن والاستقرار، حتى لا يكون خروج آخر جندي أميركي مدعاة لفوضى مدمّرة كالكارثة الأفغانية، تمكن قوى الإرهاب والتشدد على حساب الدولة المدنية والقيم الديموقراطية، وأن يسعى للتنسيق في هذا الشأن مع زعماء الدول الخليجية والعربية، بحضور رئيس وزراء العراق.
وقد يطرح الرئيس بايدن مبادرة تعاون دولي تقوده أميركا، وإسلامي تقوده السعودية، لتوجيه الدفة في أفغانستان نحو العودة الى المسار الأممي، والالتزام بقوانينه، ولفظ الميليشيات الإرهابية من البلاد.
الملف اللبناني
أما في الملف اللبناني، فإن الشريكين يتفقان على ضرورة ربط المساعدات والدعم الحكومي بالإصلاحات الإدارية والمالية المطلوبة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي، مع تنسيق المواقف تجاه مهددات الأمن والاستقرار المتمثلة في "حزب الله" الايراني، وتدخلاته الدموية في البلاد العربية، وتصديره الإرهاب والمخدرات والسلاح والفتن الطائفية.
وفي نفس الوقت، سيواصل الطرفان تقديم المساعدات الإنسانية المباشرة للشعب اللبناني، عبر المنظمات الأممية كالصليب الأحمر واليونيسيف ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بالتنسيق مع بقية المانحين، كفرنسا وكندا والاتحاد الأوروبي.
الملف السوري
ويتفق البلدان في ما يتصل بالملف السوري على وحدة البلاد وتحررها من الهيمنة الأجنبية، وخاصة الإيرانية، والاحتلال التركي، وسطوة الميليشيات المتطرفة، كـ"حزب الله" والحرس الثوري والفصائل الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية، وداعش والقاعدة.
ويُتوقع أن يطرح الجانب الأميركي مسألة التصعيد بين القوات الكردية التي يدعمها مع القوات الروسية، التي قصفتها بقاعدة التنف، في المثلث الواقع بين سوريا والعراق والأردن، الأربعاء الماضي، مما يهدد بمواجهة محتملة بين القوتين العظميين، على الأرض السورية، تتلظّى بنارها دول الجوار.
ويدعم الشريكان مسار السلام، مع التأكيد على الحوار والمشاركة السياسية والدستور الجديد، وهو ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر جنيف 1. ويتفقان على ضرورة محاسبة المسؤولين، سوريين وأجانب، عن جرائم الحرب وحقوق الإنسان، وعلى عدم التطبيع العربي مع النظام السوري، وعودته الى الجامعة العربية، حتى تتحقق هذه المطالبات الأممية. ويحمّلان النظام السوري مسؤولية التصدي لعمليات تصنيع وتهريب المخدرات والسلاح وغسل الأموال التي تديرها إيران ووكلاؤها في المنطقة.
الملف اليمني
وفي ملف صراع اليمن، يتفق الشريكان على دعم مسار السلام على أساس المرجعيات الثلاث، المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن. وقد تقدم واشنطن تنازلاً عن موقفها السابق المتمثل برفع الميليشيا الحوثية عن قائمة الإرهاب بعد أن صوّتت في مجلس الأمن لصالح هذا التصنيف، وبعد الإدانات المكثفة في الشهور الأخيرة من البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون للعدوان الحوثي على السعودية والإمارات، والتعنت تجاه مبادرة السلام السعودية.
الملف الإيراني
ويبقى أهم الملفات، الملف الإيراني. وفيه يتفق الشريكان أكثر من أي وقت مضى على خروج طهران عن النص في الاتفاق النووي، وتعنتها في شروط العودة، وإصرارها على برامجها النووية والصاروخية، ودعمها للميليشيات المزعزعة للسلم، وقرصنة السفن. وكبادرة تعاون، تقود الولايات المتحدة اليوم أسطولاً بحرياً من 34 دولة، من بينها السعودية ومصر، والتنسيق مع بقية الدول المشاطئة، السودان وإريتريا وجيبوتي واليمن، لحفظ الأمن في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عمان والخليج العربي.
وإثباتاً للجدية، تم خلال الشهور الماضية توقيف ومصادرة عدد من السفن الإيرانية لتهريب السلاح والمخدرات والبشر. كما أعلنت واشنطن عن صادرات سلاح وذخائر جديدة للمملكة، وكثفت مناوراتها التدريبية مع قواتها، وأعلنت عن التزامات أمنية "حديدية" لم تكشف تفاصيلها. والمتوقع إنشاء غرفة تنسيق إقليمية لحلفاء الولايات المتحدة استعداداً لما يترتب على وصول طهران الى أهدافها النووية.
السباق النووي والصاروخي
ويتبع الملف الايراني، قلق واشنطن من سباق التسلح النووي والصاروخي في المنطقة. فقد أعلنت الدول العربية وفي مقدمتها السعودية أنها لن تتنازل عن حقها في الحصول على قوة ردع كافية لمواجهة التصعيد الإيراني، وأن حصول طهران على القوة النووية والصواريخ البالستية البعيدة المدى سيفرض على الدول العربية السعي للحصول على مثلها.
وترفض الدول العربية القوانين والشروط الأميركية التي تعيق البحوث والأنشطة في مجال الطاقة النووية السلمية، ومن بينها إنتاج اليورنيوم السعودي، وتصر على أن تخضع كافة العمليات للإشراف الدولي الدقيق، المعارض للسيادة الوطنية. فيما لا تطبّق هذه القيود على إيران وإسرائيل. وبالنتيجة، خرجت الشركات الأميركية التي خضعت لهذه الشروط من المنافسة على تنفيذ محطات الطاقة النووية، أمام الشركات الكورية الجنوبية والصينية والروسية، كما فصّلنا في المقالة السابقة.
الملف الليبي
في ليبيا، يدعم الشريكان وحدة البلاد، ومنع التدخلات الخارجية، وخروج القوات والميليشيات الأجنبية ودعم المسار السلمي للخلافات الداخلية، وتوفير مناخ آمن للمصالحة الوطنية، ولنشاط منظمات الغوث الدولية.
ويسعيان، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وعدد من القوى العظمى، لتوطيد الأمن والاستقرار والتنمية للبلد العربي الذي مزقته الحرب الأهلية منذ انطلاق الثورة عام 2011 ضمن مؤامرة "الربيع العربي" و "الفوضى الخلاقة" التي استهدفت إعادة رسم خريطة المنطقة وتمكين "الإخوان المسلمين" ورعاتهم.
الملف السوداني
وفي السودان، يؤيّد الشريكان مسار المصالحة والسلام والتعاون بين الطرفين المدني والعسكري، وخفض التصعيد بين الحكومة والمعارضة، وصولاً الى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لعودة الحكم المدني والعملية الديموقراطية، مع العمل على تحسين الظروف المعيشية للسكان والعودة للحياة الطبيعية. ويدعمان المنظمات الأهلية والدولية للإغاثة الإنسانية.
ويترتب على نجاح ذلك المسار رفع عقوبات اقتصادية والحصول على قروض ومساعدات مالية تسهم في دعم الاقتصاد وتحسين العلاقات مع الدول والمنظمات الأممية.
ملف المناخ
وفي ملف المناخ، تتوقع السعودية دعم الولايات المتحدة لمبادراتها الرائدة، وأبرزها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي تستهدف زراعة مليار شجرة في المنطقة، أكثر بـ10% من مستهدف التشجير العالمي، منها 10 مليار شجرة في السعودية. و ذلك بهدف خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط لأكثر من 60% والارتقاء بجودة الحياة. وقد أبدت العديد من دول المنطقة مشاركتها في تنفيذ مستهدفات المبادرة، وعلى رأسها الدول المشاركة في القمة، مصر والعراق والأردن.
كذلك تشمل المشاريع الفرعية إقامة أربعة مراكز إقليمية: (1) للتنمية المستدامة لمصائد الأسماك، (2) ولتغيّر المناخ، (3) وللإنذار المبكر بالعواصف، (4) ولاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. إضافة الى تبني السعودية لصندوق استثمار إقليمي مخصّص لتمويل الحلول التقنية للاقتصاد الدائري للكربون، ولمنصّة تعاونية لتسريع تنفيذ مفاهيم الاقتصاد الدائري للكربون.
العلاقات المتكافئة
أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل. وسفينة العلاقات السعودية الأميركية التي صمدت ثمانية عقود، برغم الأعاصير والخلافات الموسمية، أقوى وأرسى وأكبر من أن تغرقها سياسات حزبية طارئة.
والعودة عن التطرف الأيديولوجي الذي لم يدم طويلاً، تثبت قدرة المؤسسات السياسية والمالية والأمنية، العميقة والعريقة، في الولايات المتحدة، على تصحيح المسار وتغليب المصلحة على الشعار، والثابت على المتحوّل.
وقد أثبتت الرياض أن تقديم المصالح الوطنية على ما سواها ليس خصوصية أميركية، بل حق سيادي للدول التي تحترم استقلالها وخصوصيتها، وتدافع عن حقوقها وحياديتها.
والملفات التي سيحملها الرئيس جوزيف بايدن في زيارته الأولى للمنطقة منذ انتخابه، تناقش اليوم بين الدوائر المعنية في البلدين، ليتم التفاهم بشأنها، والتوافق عليها أو على بعضها مسبقاً، لتأتي القمّة تتويجاً لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق بين الشريكين، ومع حلفاء السعودية، وشركاء أميركا التقليديين في المنطقة، دول الخليج ومصر والأردن والعراق.