النهار

الرأسمالية العالمية تأكل نفسها!
المصدر: "النهار"
الرأسمالية العالمية تأكل نفسها!
شارع وول ستريت.
A+   A-
محمود القيسي
 
"ثمة ما يكفي من القتل، الخيانة، الكراهية والعنف.. 
وأفضلهم في الجريمة هم أولئك الذي يعظون ضدها
وأفضلهم في الحرب هم أولئك الذين يعظون بالسلم
أولئك الذين يعظون بالسلم لا يملكون السلم
أولئك الذين يعظون بالسلم لا يملكون الحب…"
* تشارلز بوكوفسكي 
 
لم يخطر على بال الأنس (بأستثناء البعض)... كما لم يخطر على بال الجان دون البعض... إن الرأسمالية العالمية مثل النار في الهشيم!؟.. كلما "تقدمت" أكثر وأكثر، أو كلما "أشتعلت" أكثر وأكثر، تأكل الأخضر واليابس واليابس والأخضر أكثر وأكثر.. وكلما تقدمت في العمر و أشتعلت أكثر وأكثر.. (تأكل نفسها) أكثر وأكثر … عندما بدأت فكرة التملك بالظهور، وبدات عمليات البيع والشراء على الشارق والغارب تتسارع وتجري على قدم وساق دون مراعاة.. وبدات الصفقات، وما أدراك ما الصفقات تطل برأسها والعملة في جيبها وما أدراك ما تخفي جيوبها... وما إلى ذلك من أساليب البيع والشراء والعرض والطلب والتداول المالي والتجاري، ظهرت بعض المبادئ والأنظمة الإقتصادية التي تتصف برؤى إحتكارية معينة خاصة بها للتعامل الاقتصادي والسياسي، وتلك الرؤى بدات تنتشر حتى سيطرت على معظم الدول بالكامل، وأصبح لكل دولة نظامها الاقتصادي الذي يديرها، ومن تلك الأنظمة ما يسمى بالرأسمالية التي أكلت الأخضر واليابس على موائد الوجبات السريعة في سرعة لم يشهدها العالم من قبل ولن يشهدها العالم من بعد.
 
"الثقافة"، هي دماغ الإنسان لا عضلاته، أصابعُه لا مخالبه.. أصابعُه لا أنيابه.. يقال: "إن الثقافة العظيمة تخدم أهدافاً عظيمة"، وإن للثقافة ضمير حي، ضمير المثقف الحي.. المثقف العضوي الحي.. نعم، للثقافة ضمير حي.. ضمير المثقف العضوي الحي وذاكرة لا تموت.. إنها الفراشة التي تقتل الوحش!؟.. يقوم النظام الرأسمالي على تقديس الملكية الفردية؛ ونجد ذلك في إتاحته الفرصة وفتحه الطريق أمام المصارف والشركات والاستثمارات لأن تستغل قدراتها في زيادة ثرواتها واحتكاراتها وحماية تلك الثروات والاحتكارات وعدم الاعتداء عليها، كما أن النظام ذلك يضمن توافر القوانين اللازمة لنموها وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لتلك الراسماليات المالية والصناعية والتجارية، إلا بالقدر الذي يتطلبه نظام حماية تلك المصالح التي تسمى زورا وبهتانا عامة وتوطيد الأمن لها في حين تبقى الحرية الفردية للمواطن إحدى أكبر خدعة في تاريخ الراسمالية الليبرالية و النيوليبرالية. رأسمالية السلبيات الراسمالية تاريخيًا والتي بدأت في حقيقة حقيقتها التاريخية تنتج الظواهر السلبية التالية:
 
1- ظهور الطبقية واستغلال العمال بسبب مبدأ الأسعار الحرة التى يعتمد عليه النظام.
 
2- تركز الثروة فى ايدى قليلة من المجتمع.
 
3- الاهتمام بالماديات على حساب أشياء أخرى.
 
4- حدوث أزمات اقتصادية حادة وتزايد حجم البطالة.
 
5- تقييد الحكومات والسياسات أمام الكيانات الاقتصادية الرأسمالية الضخمة والتأثير على القرار السياسى والتحكم فيه مما يؤدى إلى انحياز السياسة لطبقة بعينها، وهو ما ينتج عنه ضعف الخدمات العامة وخصوصا فى الدول النامية.
 
كما يقوم النظام الرأسمالي تاريخيًا على التلاعب على مفهوم القدسية الاقتصادية والقداسة التجارية وقدسية الملكية الفردية وقداسة الحرية الشخصية وكل ما يخطر على البال من القداسة والتقديس والقدسية المالية النوعية والكمية المتراكمة وخصوصًا في الدول النامية والفقيرة كي تزداد فقرًا وتخلفًا. نعم، يقوم النظام الراسمالي على أحتكار وليس حرية تداول الأسعار ارتفاعًا وانخفاضًا في حقيقةً الراسمالية المالية وألاعيبها البهلوانية في حقيقة العرض وحقيقة الطلب.. وإطلاق هذه الحرية - حرية الاحتكار وفق متطلبات حقيقة العرض والطلب الذي يخدم تلك الرأسمالية المالية الاحتكارية ليس ألا ودون غيرها.. كما يتاح لكل كوربوريشن أو تكتل أو أتحاد شركات أن تعتمد على قانون السعر المنخفض "المؤقت" الذي تراه مناسبًا في سبيل ترويج البضاعة التي تريد ترويجها وبيعها.. دون أن تضع الراسمالية ضوابط أو دون أية ضوابط تذكر في هذا ألكم الاستغلالي التجاري الكمي الهائل في حرية وحقيقة الاحتكارات الحاكمة في واحة الراسمالية المالية المركزية الحاكمة والتي تقود الى رفع أسعار المنتجات كما يشاء آلهة رأس المال - آلهة رأس المال المالي وقيمته الزائدة ونمو أهم ظواهر عيوب الرأسمالية  المالية التالية:
 
1- نمو ظاهرة الاحتكار.. يقصد بالاحتكار انفراد مشروع من المشروعات بعمل انتاج معين يقوم به بحيث لايستطيع مشروع آخر منافسته فيه ويترتب على ذلك أن المحتكر يستطيع السيطرة على السوق من حيث تحديد الأسعار والكميات ويتعطل جهاز الثمن ويفقد فاعليته في توزيع وتخصيص الموارد بشكل يحقق الكفاءة. يجب الأخذ في الاعتبار أيضًا أنه من مساوئ الاحتكار أن المحتكر يلجأ إلى تحديد حجم الإنتاج وحرمان السوق من السلعة لرفع أسعارها وتحقيق أرباحه الاحتكارية ورغم أن في إمكان المصانع والمزارع أن تنتج المزيد وبأسعار منخفضة، إلا أن المحتكرين يفضلون بقاء آلاتهم عاطلة ومزارعهم يابسة حتى يقل المعروض من السلعة وترتفع أسعارها، وهكذا يؤدي الاحتكار إلى سوء استخدام للموارد الاقتصادية. ليؤدي إلى استغلال المستهلكين لصالح أصحاب رؤوس الأموال ويؤدي أيضًا إلى سوء استغلال للموارد مما جعل كثير من الحكومات الرأسمالية تتدخل لمنع الاحتكار من خلال إصدار تشريعات وسن قوانين لمنع الاحتكار، والتقييد من سلطاته لصالح المستهلك.
 
2- نمو ظاهرة سوء توزيع الدخل والثروة.. يرتكز النظام الرأسمالي على أهمية الملكية الخاصة لعناصر الانتاج، ونظرًا لندرة عناصر الانتاج بالنسبة لعدد السكان في كل دولة، فإنه من الطبيعي أن تتركز عناصر الانتاج في أيدي فئة قليلة من المجتمع ويبقى باقي أفراد المجتمع من الطبقة العاملة الكادحة، وهكذا يربح أصحاب رؤوس الأموال من عناصر انتاجهم مباشرة، أما العمال الذين لا يملكون عناصر الانتاج فإنهم يحصلون على دخلهم مقابل المجهود الذي يبذلونه، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى أن يزداد أصحاب رؤوس الأموال ثراء نتيجة لارتفاع دخولهم، ومن ثَم يمكنهم ادخار جزء من هذا الدخل وإعادة استثماره مما يؤدي إلى زيادة ملكية عناصر الانتاج وتراكمها في أيدي عدد قليل من الأفراد، وعلى الجهة الأخرى تظل الطبقة العاملة في مستوى معيشي منخفض لأن العامل الذي يحصل على دخل منخفض لايتمكن من الادخار.
 
 3- نمو ظاهرة الحرية الوهمية.. فالحرية التي افترضها أنصار المذهب الرأسمالي ليست مطلقة، إذ لا يتمتع بها سوى فئة محدودة من الأفراد، فبالنظر على سبيل المثال إلى حرية العمل، نجد أنه لا يتمتع بها العامل البسيط الذي غالبًا ما يعجز عن إيجاد العمل الذي يرغب فيه، وذلك بسبب زيادة المنافسة بين هذه الطبقة التي تكون غالبية الشعب، مما يضطرهم إلى قبول أجور منخفضة حتى لا يتعرضوا للبطالة. أما حرية الاستهلاك فليست مطلقة أيضًا، وإنما يحد منها الدخل الذي يحصل عليه كل فرد في المجتمع، ويترتب على ذلك أن طبقة العمال التي تحصل على دخل منخفض؛ لا تحصل إلا على أساسيات الحياة . ولا يتوقف ذلك على النواحي الاقتصادية والاجتماعية فقط بل يتعدى إلى النواحي السياسية، حيث يسيطر الأغنياء على المقومات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يمتد نفوذهم إلى النواحي السياسية فيصل نفوذهم إلى إدارة شؤون الدولة والحصول على أعلى مراكز فيها وذلك من خلال السيطرة على الأحزاب وانتخابها، بما يملكون من أموال تنفق على الدعاية ووسائل الإعلام.
 
تُعاني الولايات المتحدة الأميركية الأمرّين، باعتبارها مركز "المركز المالي عالمياً"، بدولارها "المتهاوي" والذي كما يقال "يلفظ أنفاسه الأخيرة" حيث (انفجار فقاعته) قد تحدث بأيّة لحظةٍ، ومع تعاظم هذا الخطر، خصوصاً مع كل التطورات الدولية، تسعى الرأسمالية الأمريكية التاريخية إلى الإسراع من تثبيت نفسها ومسارها في حكم هذا العالم بالحروب المتنقلة من هنا ومن هناك ضاربة بعرض الحائط ما يسمى ألأمن العالمي أو تهديد هذا ألأمن العالمي الهش أساسًا، كمحاولات للنجاة وتقليص أضرار الكوارث المُقبلة، بشكلٍ تتمظهر شيئاً فشيئاً كديكتاورية تعكس واقع السياسة الأمريكية الرأسمالية على حقيقتها وحقيقة وجهها، مما يمهّد أيضاً لتناقضات داخلية أشدّ، وتطلق العنان أكثر للأزمة الاجتماعية التي بدأت مؤشراتها منذ زمن، وتتسارع... بين احتجاجات شعبية، وحوادث قتل بالرصاص، وولايات تهدد بالانفصال، فضلاً عن مؤشرات زيادة الصراعات الوهمية ضمن التركيبة الاجتماعية الأمريكية كـ أبيض- أسود، أو شعب- شرطة والتي تعني تحديداً محاولات الإدارة الأمريكية على إعادة إحياء وتعددية الصراعات الوهمية في الداخل لتُبعد الناس عن المشاكل الأساسية والجذرية فيها.
 
تتفاقم تناقضات الأزمة الرأسمالية في تفاعلاتها بشكلٍ متسارع، وتُلقي بآثارها أولاً في الدول الكبرى الرئيسة، حيث التمركز الأعلى، كالولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي بما فيه بريطانيا تحديداً، مُنتجة بذلك أزمات مختلفة سياسية واجتماعية. حقيقة أنّ هذه هي الأزمة الرأسمالية الأخيرة بصفتها المستدامة، فإن الأزمات السياسية والاجتماعية أيضاً تحمل نفس الصفة كانعكاس لتطورها، فلا يمكن تحديد نقطة بداية ونهاية بعينها بشكل مقاطع زمنية مجتزأة عند كل تطورٍ بعينه، فإذا ما كانت أزمة 2008 هي أوّل ظهور للأزمة الاقتصادية، فإن الأزمة الاجتماعية نفسها ظهر تعبيرٌ عنها بشكل واضح أول مرة بعد ثلاث سنوات ضمن حملة «احتلوا وول ستريت» في 2011، وإذا ما جرى تقطّع بنشاط حركة الناس وتعبيرها منذ ذلك الحين، لما له علاقة بالظرف الأمريكي خصوصاً، فما هو إلا تأكيدٌ على استمرارها عند كل تفاعلٍ جديد، كما تثبت وقائع اليوم وستثبته أكثر غداً... وهذا يعني أيضاً: أن الأمر لا يتعلق برئيس أميركي من هنا ورئيس من هناك، فهؤلاء نفسهم مع كل التفاعلات السياسية والاجتماعية، مُحصلة ونتيجة للرأسمالية بأزمتها الداخلية والخارجية وحقبتها الأخيرة.
 
نعم، حقبة الرأسمالية الأخيرة.. الرأسمالية التي أكلت الأخضر وحرقت اليابس ولم يبقى ههنا من شيء و ههنا من شيءٍ أخر سوى إن تأكل نفسها وهي تغرق في محيط ديونها التي تجاوزت أرقامًا لم يسبقها أليها أحدٍ!.. هذا ناهيكم ان أنسان الرأسمالية تحول إلى أنسان احادي ذو البعد الواحد، في الفهم والتفكير والعيش. تحول إلى إنسان يفتش عن هوية منذ نهاية "الحرب الباردة".. تحول إلى إنسان خائف نتيجة "الحروب الساخنة" التي نعيشها هذه الأيام الوجودية الساخنة وخصوصًا في شرق أوروبا والشرق الأوسط وما يحضر على حدود تايوان الساخنة وغير تايوان الساخنة.. العالم أصبح بحاجة وجودية الى "دولة جديدة" و "عقد إجتماعي جديد" بالأخص بعد موت "الدولة الوستفالية" و "جائحة كوفيد-19" المستمرة، و جائحة الاقتصاد العالمي المتسارعة، و جائحة البيئة، و جائحة المناخ.. و (جائحة الأنسان الآلي الأعلى) والتكنولوجيات العليا…!؟ نعم، تحول الرأسمالية إلى الإنسان احادي البعد وهنا لا نتكلم عن إنسان مجتمعات ما قبل الحداثة و الصناعة.. الإنسان المقصود بمضمون هذا التقديم النقدي، هو إِنسان المجتمعات الرأسمالية الحديثة المتطورة، والتي تَدعِي فيها الأنظمة بتحصيل مستوى عالٍ من الحرية والديمقراطية، لكنها في الواقع، هي مجتمعات ذات نزعة استهلاكية عالية تأكل الأخضر واليابس واليابس والأخضر، ومضمون إجتماعي سلطوي شمولي يعمل داخل أروقة ودهاليز الدولة العميقة وشروطها العميقة ونظريات التأمر والمؤامرت العميقة ذات الأبعاد الأحادية الاحتكارية العميقة.
 
الرأسمالية أو عندما يبيع الإنسان حياته من أجل الخبز.. إننا في نهاية المطاف نعملُ من أجل أن يدفعوا لنا أجوراً نعيش بها حتى نظلّ قادرين على الاستمرار في العمل فقط. قال الكاتب والصحافي الأمريكي جون بيلامي فوستر مرّةً عن الرأسمالية: "ها نحن بعد أقلّ من عقدين على بداية القرن الحادي والعشرين، ويبدو لنا أن الرأسمالية قد فشلت كنظام اجتماعي، فالعالم غارق في الركود الاقتصادي، وأعظم معدّلات اللامساواة في تاريخ البشرية، وكلّ ذلك مصحوباً بالبطالة الهائلة والبطالة المقنّعة وبالأعمال غير المستقرّة، وبالفقر والجوع والحياة المهدورة، وقد وصلنا إلى ما يسمّونه في هذه المرحلة "دوامة الموت". من نتائج النظام الرأسمالي وآثاره السلبية على الإنسان. فبالإضافة إلى ظهور الطبقية، وتوسيع الشروخ بين الأغنياء والفقراء، واستغلال العمّال من أجل الربح، وارتفاع مستويات البطالة، تطرّق باحثون وعلماء وفلاسفة كثُر عبر العالم إلى التأثيرات الناتجة عن هذا النظام، والتي مسّت حياة الإنسان الاجتماعية والنفسية، وأدخلته في دوّامة الإنتاج والاستهلاك، وسلبته حقوقه وسعادته. يعزّز هذا الطرح الكاتب والفيلسوف البريطاني مارك فيشر الذي ربط بين الاكتئاب والرأسمالية في مقاله المعنون بـ"لا نصلح لأي شيء".
 
يقول شبنجلر: "إن التاريخ الإنساني ليس خطًّا مستقيمًا إلى التقدُّم بل هو دورات متعاقبة من النمو والانحلال، وإن كل حضارة هي أشبه بكائن حي.. يولد وينمو وينضج ثم يشيخ ويموت". (نشوء وسقوط القوى العظمى ص7). وجاء في كتاب (موت الغرب ص432): "قد يكون موت الغرب صار مخبوزًا في كعكة جاهزة للأكل"، وجاء في خطبة "سياتل" شيخ الدواميش من الهنود الحمر سنة 1854م، حين أجبره حاكم مقاطعة واشنطن في ذلك الوقت على مغادرة أرضه وبيعها لهم: "حتى أنت أيها الرجل الأبيض الذي تمشي مع ربك وتحاكيه صديقًا لصديق كما تدعي وتقول لن تنجو من هذا المصير".(كتاب الإبادة الجماعية، ص167-168) والتاريخ عند شبنجلر لا يتخذ مسارًا خطيًا تصاعديا من الأقدم إلى الأحدث أو من البدائية إلى التقدم، وإنما هو سلسلة متتابعة من الأحداث المتكاملة التي يطلق عليها “ثقافات”، ولكل ثقافة “رمز أساسي” يسري في أوصالها ويتجلى في منجزاتها الفكرية والفنية، وهذا الرمز هو العمارة والفن عند القدماء المصريين، وهو “الروح الفاوستية” المأساوية في الحضارة الغربية. على مدار القرن الماضي ترسخت فكرة الاضمحلال أو الأفول الذي تنتظره الحضارة الغربية باعتباره مصيرا محتوما على ضوء السياقات المختلفة التي مر بها الغرب، وهي الفكرة التي ظهرت أولا في كتابات نيتشه، وتطورت على يد كتاب لاحقين أمثال: دوبوا، وتوينبي، وماركيوز وسارتر وفوكو وغيرهم الكثيرون.
 
في كتابه (الإنسان أحادي البعد) أو الإنسان ذو آلبعد الواحد، يتحدث المفكر الأمريكي الألماني "هربرت ماركوزه" عن الإنسان الذي تهيمن عليه العقلانية التكنولوجية الهائلة، التي تؤثر وتتحكم في كل شاردة وواردة في حياته، التي تفقر جميع جوانب الحياة المعاصرة، وَتقضِي على مباهج وعيه، إِلى درجة تؤدي بِه إِلى حال من الاغتراب الروحي، وإلى فقدانه لمعنى الكينونة الإنسانية، وبالتالي سلبه جوهر الحرية الفردية. والسبب في ذلك، - حسب تَقدِير المؤلف -، هو أسلوب ونمط الحياة الحديثة في تلك المجتمعات الرأسمالية، بدءًا مِن تعزيز النزعات الاستهلاكية المفرطة، وفرض أنماط عمل صارمة، بالغة التنظيم، وإعلام موجه بإحكام، ودعاية مدروسة وسطوة تكنولوجيا مرعبة… وكما يرى "ماركوزه"، يتم في حال هذا النمط من التفكير ذُو البعد الواحد، اختزال الأفكار العميقة والمفاهيم المعقدة إِلى أشكال ساذجة بسيطة، سهلة الفهم، بحيث تُجهد كل مؤسسات النظام القائم، إلى تنميط إفهام وتماثل أذواق الناس  وتسطيح اهتماماتهم.. مما يؤدي في زعمه إلى نَقْص فِي التَّفْكير اَلنقْدِي والْإبْداعيِّ ، وَفتُور الإمكانات البشرية الخلاقة.. وازدياد التوافق الأعمى والسطحية في أنسانية الفرد، وبالتالي وصول مجتمع الاستهلاك والرفاهية، إِلى مستوبات مرعبة من سلب الحرية وقمع فردية الناس، بما يتناسب مع مصالح الشركات العملاقة، ومسارات الجشع عند سادة هذا النظام الحديث.
 
إذا كنا نعتقد أنّ حياتنا اليومية هي في الواقع مجرد محاكاة تم إنشاؤها بواسطة جهاز كمبيوتر قوي، كما هو الحال في فيلم "ماتركس" الشهير، فإن هذه الفكرة قد لا تكون خيالاً علمياً، و"الأشعة الكونية" يمكن أن تكشف عن ذلك.. والسياسات الإمبريالية يمكن أن تكشف عن ذلك أيضًا.. نحن نعيش مرحلة صراع الإمبرياليات الكبرى في ماتركس (سوسيو/وجودي) تقوده مصالح تلك الرأسماليات الذي أصبح الصراع بينها ليس مجرد حصة من هنا أو حصة إضافية من هناك. بل، صراع وجودي داخل ماتركس واحد.. ماتركس (تكنولوجيا الغباء الاصطناعي) التي وضعت كيمياء وفيزياء الأنسان في المرتبة الثانية أو الرابعة أو العاشرة.. والذي أصبح معها الصراع الوجودي بين تلك الرأسماليات في الماتركس السياسي المعاصر مجرد صراع على ما تبقى من هذا الكوكب البنفسجي الباهت.. مجرد صراع بين جسدين لا يتقن الواحد منهما لغة الأخر دون تدخل البرامج الآلية "الذكية" أو الغبية والتي تفتقد للعنصر الأهم وجودياً!؟… عنصر الأنسان وجوديًا.. ومصالحه الوجودية… لا أرض لجسدين في جسد كما قيل.. ولا منفى لمنفى في هذه الغرف الصغيرة كما يقال.. والخروج هو الدخول….؟؟!!!
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium