النهار

دلالات اعتصام نواب التغيير وآفاقه
المصدر: "النهار"
دلالات اعتصام نواب التغيير وآفاقه
اعتصام نواب التغيير داخل البرلمان.
A+   A-
غسان صليبي

تلقّيت بفرح وحماسة خبر اعتصام النائبين التغييريين نجاة صليبا وملحم خلف في داخل المجلس النيابي احتجاجًا على المماطلة في انتخاب رئيس للجمهوريّة، وطلبًا لعقد جلسات نيابيّة متتالية حتّى انتخاب رئيس، وذلك تطبيقًا لبعض موادّ الدستور اللبناني.
على عكس الذين وجدوا في الخطوة "ورطة" وقع فيها النائبان ومعهما نواب التغيير المؤيّدون للخطوة، أو الذين وصفوها بــ"الاستعراضيّة" ودون أفق، تلمّست في اعتصام النائبين دلالات إيجابيّة، تصبّ في مبادرة النواب التغييريين الرئاسيّة، وفي اتجاه التغيير الديموقراطي في البلاد.

من أبرز هذه الدّلالات:
بالرّغم من تأخّرها، أو ربما بسبب تأخّرها، بدت لي الخطوة تجرؤاً على كسر مسار لاديموقراطي بدأ يترسّخ كأمر واقع لا مهرب منه. واكتسب مفهوم "الأمر الواقع" معناه الحرفيّ، كأمر فوقيّ وقع على رؤوس اللبنانيين والنواب، يقضي بتعطيل الانتخابات الرئاسيّة كعملية ديموقراطيّة وتحويلها إلى ابتزاز تحت عنوان "التوافق"، الذي لن يكون في الواقع إلّا توافقًا دوليًّا على حساب مصلحة اللبنانيين ودستورهم وما تبقّى من ديموقراطيتهم. بهذا المعنى أنظر إلى  هذه الخطوة كدفاع عن الدّستور والديموقراطيّة في لبنان، وكجزء من المعركة العامة في هذا الاتجاه.

يمكن اعتبار الخطوة أيضا كتنفيذ متأخّر لمرحلة "الخطة ب" التي وعدت بها مبادرة نواب التغيير الرئاسيّة، والتي تهدف إلى الضغط من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد فشل الاتصالات بالقوى السياسيّة، التي لحظتها الخطة ألف. حتى لو أن الضغط الموعود في "المبادرة الرئاسية" كان يفترض تواصلاً مع مجموعات "انتفاضة 17 تشرين" والعمل معها على إحداث هذا الضغط في الشارع. ولعلّ الاعتصام اليوم يساهم في تعبئة قوى الانتفاضة بحيث تلاقي خطوة النواب بدعمٍ في الشارع والساحات. عندما انتُخب نواب التغيير قيلَ وقتها إن "17 تشرين" دخلت إلى المجلس النيابي من خلالهم. مواقف وممارسات نواب التغيير لم توحِ بذلك لا بل لاقت انتقادات عدّة من مجموعات الانتفاضة. الاعتصام في المجلس يصحّح هذه النظرة بعض الشي، ويؤشر إلى أنّ "17 تشرين" بما تمثله من مواجهة وعمل على الأرض، افتتحت دخولها الفعليّ إلى المجلس النيابي.

منذ البدء بجلسات انتخاب رئيس للجمهوريّة، والفريق "السيادي" الداعم لانتخاب النائب ميشال معوض يحمّل نواب التغيير مسؤوليّة عدم التضامن معه، وتسهيله بالتالي عملية انتخاب رئيس من قوى 8 آذار. مع اعتصام نواب التغيير، أصبحت الكرة في ملعب الفريق "السيادي" الذي عليه الالتحاق بالاعتصام، أولاً لمساعدته على النجاح، حيث إنه ليس باستطاعته ذلك من خلال قوة نواب التغيير المحدودة، وثانياً كي لا يساهم هو في تسهيل عمليّة انتخاب رئيس من قوى 8 آذار. في هذه الحالة فقط يمكن توقّع آفاق إيجابيّة للاعتصام. ويبدو أن هذا الالتحاق قد بدأ بالفعل، ولو بخجل حتى الآن.

جرى انتقاد النائبة نجاة صليبا عندما صرّحت بأنها تريد "التتلمذ" على يد الرئيس نبيه برّي، لخبرته وحنكته السياسيّة، كما جرى انتقاد النائب ملحم خلف لتأكيده الصداقة التي تجمعه بالرئيس برّي. ينظر المشكّكون الدائمون في إمكان إحداث أيّ تغيير في الواقع اللبناني، او في إمكان أن يتغيّر الإنسان بفعل التجربة، إلى  مبادرة النائبين، كــ"مسرحيّة"، منسّقة مع بري لفتح حوار في داخل المجلس، أي أن الدافع إليها ليس نيّة صادقة بالمواجهة مع بري وطريقة إدارته للانتخابات. لست من هذا الرأي على الإطلاق، بل أعتقد أن نجاة صليبا وملحم خلف لم يعودا يثقان، بعد التجربة، بـ"المعلم" أو بـ"الصديق"، وأنهما شرعا في التخلّي عن طوباويتهما واعتقادهما بإمكان التغيير من خلال التعلّم أو الصداقة، وراحا ينظران إلى  الصراع مع السلطة نظرة أكثر واقعيّة، تتطلّب لخوضه، مواجهة حتميّة معها. وهذا في رأيي، إذا صحّ تقديري للأمور، هو الأهم في خطوة الاعتصام، والقادر بحدّ ذاته، على فتح آفاق التغيير، التي كانت تحتاج دائماً إلى قرار المواجهة، وما تفترضه من شجاعة.

بعد الاعتصام، لم يدعُ الرئيس بري إلى جلسة انتخاب الخميس المقبل، كردّ على الخطوة، واعتبر البعض ذلك لصالح تعطيل الانتخابات. هذه نظرة قاصرة إلى مسار الأمور؛ فالذي تعطّل هو مسار تسخيف الانتخابات ومسخ الممارسة الديموقراطيّة. ومسؤولية إعادة عقد الجلسات تقع دستوريًّا على برّي، الذي عليه أن يكفّ عن اعتبار ما قام به خلف وصليبا "لعبة ما بتمشي معه" كما قال لخلف. فالدستور والديموقراطية ليستا "لعبة" كما اعتاد على التعامل معهما، وليس المهم أن "تمشي معه"، بل أن يفهم أن البلاد "ما بتمشي" من دون دستور وديموقراطية، وإن كانا "يمشي" بالتأكيد من دونه.

اقرأ في النهار Premium