النهار

الليلة... ريانة وعلي سفيرا العرب إلى السماء
د. خالد محمد باطرفي
المصدر: "النهار"
الليلة... ريانة وعلي سفيرا العرب إلى السماء
ريانة برناوي وعلي القرني..
A+   A-
سألت الأمير (الملك) سلمان بن عبدالعزيز في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد الانطلاق التاريخي لرحلة أول رائد فضاء عربي ومسلم هو الأمير سلطان بن سلمان، على متن المكوك الفضائي ديسكفري، في السابع عشر من حزيران عام 1985، وكنت صحافياً أمثل صحيفة "الشرق الأوسط": ما هو شعور الأميرة سلطانة السديري، وهي تشاهد ابنها معلقاً بين السماء والأرض؟ ابتسم الأمير وهو يروي كيف كانت الأم العظيمة فخورة بابنها بقدر ما كانت قلقة، ملهوفة عليه. تتابع الشاشات على سجادة الصلاة. وتواصل الليل بالنهار وهي تدعو لابنها بالسلامة والنجاح.
 
بين الأم والجدة
تذكرت موقف الأميرة الأم ومشاعرها، وأنا أقرأ رد ريانة برناوي على سؤال في مؤتمر صحافي عما ستحمله معها في رحلتها إلى المحطة الفضائية، فقالت: هدية جدتي، قرطان عمرهما 60 عاماً. وفهمت من ذلك مقدار فخر الجدة بحفيدتها وتجمّلها بالصبر منذ وافقت على رحلتها. فكما تماوجت مشاعر الأميرة سلطانة، رحمها الله، ومشاعر الأب سلمان، بين أمل وخوف، سعادة وقلق، تتماوج اليوم مشاعر الأم والجدة، الأب والأخوة، وهم يتابعون مستجدات الرحلة حتى انطلاقها، وحتى وصولها، وإلى يوم عودتها بحفظ الله إلى الأرض والبيت والأحضان.
 
كم من الوعي والثقافة، الإيمان والوطنية، القوة والجلد، تحتاج لتوافق، وتدعم؟ لتودع وتستودع الله فلذة كبدك؟ لتتابع على التلفاز أغلى الناس وهم في صاروخ مهيب، يخرج من قلب نار عظيمة، لينطلق إلى فضاء مجهول، في رحلة تطول، بين ظلمات الفضاء وكواكب السماء؟
 
14 تجربة علمية
هذه الجدة العظيمة أدركت أن حفيدتها تقوم بعمل مقدس، لخدمة الوطن والانسانية. أربع عشرة تجربة بحثية، منها 11 تجربة في بيئة الجاذبية الصغرى، إضافة الى ثلاث تفاعلية تعليمية مع طلاب وطالبات المدارس في السعودية. وريانة التي تخرجت في أفضل الجامعات بأعلى الشهادات العلمية، تعتزم القيام بالأبحاث البشرية وعلوم الخلايا وتجارب الاستمطار الصناعي.
 
وهي تدرك إشراف مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وفريق العلماء التابع له، برئاسة الدكتور خالد ابو خبر، وبمشاركة الدكتورة وجدان الأحمدي، والدكتور ادوارد حتي، وبالتعاون مع الهيئة السعودية للفضاء، على تجربة علوم الخلايا بهدف فهم كيفية تغير الاستجابة الالتهابية في الفضاء، وخاصة التغييرات الحاصلة على عمر الحمض النووي البيونووي المراسل، الذي يعد جزءاً أساسياً لإنتاج البروتينات المؤدية للالتهاب. كما سيتم استخدام نموذج خلايا مناعية لمحاكاة استجابة الالتهاب للعلاج الدوائي أثناء الجاذبية الصغرى.
 
تجارب الاستمطار
وتعلم أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، برئاسة الدكتور أشرف فرحا، وبالتعاون مع هيئة الفضاء، ستشرف على تجربة تهدف الى محاكاة عملية البذر السحابي المستخدمة في المملكة والعديد من الدول لزيادة معدلات هطول الأمطار. ومساعدة العلماء والباحثين على ابتكار طرق جديدة لتوفير الظروف الملائمة للبشر، ومنها عمل الأمطار الصناعية، للعيش في مستعمرات فضائية على سطح القمر والمريخ. كما ستسهم التجربة في تحسين فهم الباحثين لتقنية الاستمطار لزيادة معدلات المطر في العديد من بلدان العالم الأكثر جفافاً واحتياجاً لمادة الحياة، الماء.
 
الأبحاث الطبية
ولعلّ حفيدتها التي عملت في مستشفى الملك فيصل التخصصى ومركز الأبحاث، أخصائية في الأبحاث المخبرية وفي الخلايا الجذعية السرطانية، شرحت لها أن شركة سديم للبحث والتطوير بقيادة الدكتور بدر شيرة، بالتعاون مع هيئة الفضاء، ستقود ست تجارب في مجال الأبحاث البشرية لمعرفة التكيّف البشري في رحلات الفضاء ومدى أمانها على الدماغ، وفهم التأثيرات التي تطرأ على صحة الأسنان أثناء التواجد في الفضاء. وسيتم خلال تلك التجارب اختبار وظائف الأعضاء والأجهزة الحيوية للبشر في الجاذبية الصغرى، مثل قياس تدفق الدم إلى الدماغ، وتقييم الضغط داخل الجمجمة، والنشاط الكهربائي للدماغ، ومراقبة التغيّرات في العصب البصري، ما يساعد في رفع مستوى الأمان لرواد الرحلات الفضائية المقبلة. وكيف أن التجارب التي تقوم بها خريجة جامعة أوتاجو النيوزلندية في علم الهندسة الوراثية وتطوير الأنسجة، وحاملة الماجستير في العلوم الطبية الحيوية من جامعة الملك فيصل، ستشمل أخذ عينات الدم والعينات البيولوجية لفحص المؤشرات الحيوية المرتبطة برحلات الفضاء، ورسم خريطة التغيرات في الطول والبنية والتخلّق الوراثي للجينات.
 
ولعلّها سعدت أن أبناء وبنات الوطن سيتابعون الرحلة من خلال معارض السعودية نحو الفضاء في الرياض وجده والظهران، في نفس يوم الإطلاق. وسيتعرفون على مستقبل الفضاء وتاريخه، ويستمتعون بتجربة الطيران في مقصورة القيادة الافتراضية، ويجربون في "ركن النوم" كيف ينام رواد الفضاء.
 
سهرة العرب
الليلة، أسرتا ريانة برناوي وزميلها علي القرني، لن تسهرا وحدهما. فمعهما تسهر قلوب خمسة وعشرين مليون سعودي وسعودية، تخفق لهما وتدعو وتفخر، أولهم الأب سلمان بن عبدالعزيز والأخ محمد بن سلمان. فعلي وريانة يمثلان كل ما قامت عليه هذه البلاد من قيم حضارية، وما تنشده من أحلام مستقبلية. ومعنا سيسهر كل العرب، ويحتفلون بكل إنجاز ونجاح، كما فعلوا بعد فوزنا في كأس العالم على الأرجنتين. وسندعو جميعاً، الليلة وكل ليلة خلال الأسبوعين المقبلين، لممثلينا في محطة الفضاء بالحفظ والرعاية والتوفيق.
 
* أستاذ بجامعة الفيصل
 
 

اقرأ في النهار Premium