هادي جان بو شعيا
يكتنف الغموض مصير الاتفاق النووي مع إيران بعد تعثر الوساطة الأوروبية بين واشنطن وطهران. هذا ما أوضحه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في خلال مؤتمر صحافي عُقد على هامش منتدى "الحوار الاقتصادي الأميركي المكسيكي العالي المستوى" الذي أقيم في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، قائلاً: "إن ردّ إيران على اقتراح الاتحاد الأوروبي بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 يجعل احتمالات التوصل إلى اتفاق على المدى القريب غير مرجحة". وأضاف: "لا يمكنني أن أُعطي جدولاً زمنياً، غير أنّي أقول مجدداً إنّ إيران تبدو إمّا غير راغبة أو غير قادرة على القيام بما هو ضروري للتوصّل إلى اتفاق".
وتتنامى الأصوات المعارضة في الكونغرس الأميركي ضد العودة إلى الاتفاق النووي بعد استماع أعضاء في مجلس النواب الأميركي إلى تحديث من المبعوث الأميركي روبرت مالي، فيما تبرز مساعٍ ديموقراطية وجمهورية مشتركة لفرض عقوبات جديدة على طهران، بحيث كان لافتاً تصريح النائبة الجمهورية كلاوديا تيني والعضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إذ أعربت عن الخلاصة الكبيرة التي خرجت بها بالقول: "لعل سذاجة المفاوضين الأميركيين هي المشكلة، خصوصاً حينما يفترضون أننا سندخل في اتفاق مع أشخاص لديهم نوايا حسنة، وأنهم يقولون الحقيقة، وأنهم سيلتزمون بالاتفاق".
بين هذا وذاك، لا بد من استعراض مآلات الوساطة الأوروبية وأسباب تعثرها من جهة، والمنافع التي ستكتسبها روسيا وإيران من العودة إلى الاتفاق النووي، فضلاً عن الخيارات المطروحة أمام إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن من جهة أخرى نذكرها في أربع قراءات:
- الأولى، تذكر أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك حذّر المسؤولين الأميركيين من أنه سيأتي يوم لن يكون فيه بالإمكان التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن كون تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 60 في المئة وتركيبها أجهزة طرد مركزي متطوّرة ينذر بتعقيدات إضافية من شأنها أن تعقّد كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.
ولعلّ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في عام 2018 أعطى طهران الذريعة لتسريع برنامجها النووي وعقّد مهمة بايدن. وإن لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق فستقترب إيران من امتلاك قنبلة نووية عاجلاً لا آجلاً!! أمّا إذا أعيد إحياء الاتفاق فستمتلك كذلك طهران القنبلة النووية ولكن آجلاً لا عاجلاً!! إلا إذا عملت إدارة بايدن وحلفاؤها على إقناع المسؤولين الإيرانيين بالمخاطر التي يواجهونها بما في ذلك من خلال إبلاغهم "بوضوح تام" أن واشنطن ستستخدم القوة للحؤول دون بلوغ هذه الخطوة.
- الثانية، إنّ تشدّد إيران والتقارير التي تصدر تباعاً عن تخصيبها لليورانيوم بنسبة تجعلها قريبة من تطوير سلاح نووي أحبطت الآمال التي عُبّر عنها قبل أسابيع بشأن قرب التوصّل إلى اتفاق مع طهران، خصوصاً في ظلّ تشبّث إيران بوقف تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرّية في مسألة العثور على بقايا نووية في ثلاثة مواقع إيرانية ورفض واشنطن وشركائها الأوروبيين الاستجابة لطلب طهران.
وتبرز هنا تسريبات لمسؤولين أوروبيين تفيد أن المفاوضات قد تُجمّد إلى ما بعد الانتخابات الأميركية النصفية المزمع إجراؤها في الثامن من تشرين الثاني المقبل.
- الثالثة، كان لافتاً تغيّر لهجة موسكو التي تجلّت بدعوة واشنطن وطهران لحلّ خلافاتهما، ما يشي بالإفادة الكبيرة لروسيا من العودة إلى الاتفاق النووي، الأمر الذي سيمكّنها، بالدرجة الأولى، من الوصول إلى النظام المصرفي الدولي عبر إيران بعد تخفيف العقوبات عنها. كما ستتمكّن موسكو وطهران كذلك، ولكن بدرجة أقلّ، من تنفيذ مشروع بناء المنشأة النووية بقية 10 مليارات دولار أميركي، فضلاً عن تمكين موسكو من بيع مختلف الأسلحة التقليدية لإيران بعد انتهاء الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة، فضلاً عن توسيع التعاون الروسي-الإيراني في مجال الطاقة، بالإضافة إلى أن حصول إيران على موارد مالية من جرّاء الاتفاق يعني إمكانية مساعدتها لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
- الرابعة، ترى أن حديث إدارة بايدن عن أن أي اتفاق مع إيران لن يكون جديداً بل عودة لاتفاق عام 2015، مؤشرّ على رغبة الإدارة في إبعاد الكونغرس عن التصويت على الاتفاق، فيما تشير المعطيات إلى أن الأغلبية الديموقراطية في المجلس قد تدعم هذا التوجّه، فيما التعديلات على مسوّدة الاتفاق المتفاوض عليها حالياً تعني أن الولايات المتحدة الأميركية أمام اتفاق جديد بموجب قانون مراجعة الاتفاق النووي مع إيران، ما يفرض ضرورة مراجعته من قبل الكونغرس الذي سيخلّف تصويته تأثيراً مماثلاً للعقوبات ومن شأنه أن يخفف بشدة من أي استثمار اقتصادي في إيران، كما يمكن أن يكون بمثابة ناقوس الخطر لهذه "المفاوضات المضللة" وسيمهّد بالتالي للإدارة المقبلة لاتخاذ نهج أقوى تجاه إيران.
في الختام، يبدو أن أي اتفاق جديد و"ضعيف" بشأن برنامج إيران النووي سيُرحّل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية النصفية. وفي الوقت نفسه، تبرز مساعي بايدن الحثيثة لإبرام اتفاق بين لبنان وإسرائيل يبرز بشكل واضح استراتيجية الإدارة السيّئة القائمة على "ديبلوماسية المهادنة الهشّة".