معن بش~ور
كنّا ننتظره بشغف وحماسة ليلقي محاضرته في الاقتصاد يوم كنّا طلاباً في ستينيات القرن الماضي، في الجامعة الأميركية في بيروت.
فقد كان يجمع بين مخزون علميّ كبير في الاقتصاد وقدرة مذهلة على الشرح والتبسيط، لدرجة أنّه جعل إعلام الاقتصاد في العالم ونظرياته في متناول فتية وفتيات لم يبلغوا بعد العشرين من العمر.
وكنا نتساءل كطلاب نشعر بتردّي النظام الطائفي والمنظومة الحاكمة التي أفرزها، لماذا لا يكون لدينا وزراء علماء وشرفاء كالياس سابا؟
بعدها بسنوات، خرج علينا الرئيسان الراحلان سليمان فرنجية وصائب سلام بحكومة الشباب، وبينها الياس سابا وأسماء لامعة كغسان تويني وهنري إدة وإميل بيطار وحسن مشرفية والمهندس جعفر محمّد شرف الدين وصائب جارودي وجميل كبّي وخليل أبو حمد ومنير حمدان وإدوار صوما.
فرحنا جداً بتلك الحكومة واستبشرنا خيراً لنكتشف بعد إفشال الوزير البيطار في معركته مع احتكار الدواء، وإفشال الوزير سابا في معركة المرسوم 1943 ضدّ الاحتكارات عموماً، أنّ الحاكم الحقيقيّ في لبنان ليس الحكومات بل دولة عقيمة تقوم على تحالف عضويّ بين أركان الاحتكار وأعمدة النظام الطائفيّ.
واصل الياس سابا معركته ضدّ المنظومة الحاكمة مع الشهيد الرئيس الراحل رشيد كرامي وشقيقه الرئيس الراحل عمر كرامي ومع الرئيس الضمير د. سليم الحص - أطال الله بعمره- ومع العديد من الشرفاء حتّى الرمق الأخير من حياته البالغة 94 عاماً.
حين ذهبت لأعزّيه قبل أسابيع بشقيقه المهندس والصديق نسيم، لمحت آثار السنّ على جسده لكنّ عينيه كانتا تشعّان، كما عرفته قبل نصف قرن ونيف، ذكاء وحيوية وصفاء، لتقولان إنّ الصدق والرؤية السليمة لا تشيخان.
سألت مرّة رفيق العمر الوزير والنائب السابق بشارة مرهج، وقد كان عائداً من اجتماع اللقاء الوطنيّ في منزل الرئيس الراحل عمر كرامي: ما رأيك بأستاذك في الأمس وزميلك في العمل الوطنيّ والسياسيّ اليوم؟
أجاب مرهج ببساطة، رجل يحترم نفسه ويحترم شعبه، مؤمن بوطنه لبنان، ومدرك لأهميّة العروبة بالنسبة إليه.
في العلم أستاذ كبير، وفي الأخلاق نقيّ مميّز.
رحم الله أستاذنا الكبير الدكتور الياس سابا.