بالنسبة لقسم كبير من اللبنانيين، وفي عدادهم أنا، يأتي اسم نواف سلام كمرشح طبيعي لقيادة الحركة السياسة الإصلاحية في المعركة الطويلة والمستمرّة لاستعادة سيادة الدولة والانتقال الى نظام سياسي طبيعي بعيد عن الفساد والمحاصصات.
نواف سلام سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة سابقاً، والقاضي في محكمة العدل الدولية، هو ليس فقط شخصاً يُطرح اسمه للتداول مثل أي اسم آخر، بل تحوّل إلى فكرة مجرّدة يتعلق بها اللبنانيون كسترة نجاة. ولكن طرحه بدون التحلي بالحكمة وشجاعة حمايته من براثن الطبقة السياسية المتمرّسة في فن الكذب والمراوغة والمحاصصة يبقى أمراً بلا أمل.
التخلي الأول أتى من جانب قوى التغيير – ثلاثة عشر نائباً – فشلوا في الانتقال من مرحلة المراهقة السياسية واستيعاب فكرة أنهم أصبحوا جزءاً من المنظومة – بمعناها القانوني – تفرض عليهم الارتقاء بعملهم والتحرك بخياراتهم السياسية إلى مستوى موقعهم في هذه المرحلة، مبتعدين عن مناكفات كان يمكن غضّ الطرف عن وقوعهم بها سابقاً.
وما يمكن وصفه بـ"السفسطة"، الذي شهدناه خلال الأسبوع المنصرم تحت ذريعة التشاور بين نواب التغيير ليس إلا دليلاً على خوف بعضهم من مواجهة المنظومة بأبرز قواها أي "حزب الله"، لكون نواف سلام السيادي والعروبي والمناصر لقضيّة الشعب الفلسطيني والحقوقي اللبناني المتنوّر وصديق سمير قصير وكمال صليبي وغسّان تويني جزءاً من الترياق لتنظيف لبنان من سموم شعبوية وشعوبية السلاح الإيراني الحامي للفساد.
المتردّدون من بين نواب التغيير يرددون أنهم لا ينتمون إلى حركة 14 آذار ولا إلى 8 آذار، بل هم محايدون، وكما نرى فإن الطرح السيادي لبعض "الثوار" يفتقر إلى أي طرح اقتصادي واضح، لتصل بهم قلة الخبرة أو الخوف من مواجهة الواقع أحياناً إلى استعمال عبارة "السيادة" كشتيمة. ولكن، في واقع الأمر يبدو أن تأخير المواجهة ومحاولة استرضاء ميليشيات إيران في لبنان لا يختلف عن القفز من فوق الهاوية والمراهنة على مخالفة قانون الجاذبية، وهي حتى الآن تبدو فكرة مسلية، ولكنها على الأغلب قاتلة.
التخلي الثاني الذي يمكن وصفه بالمميت هو موقف حزب القوات، المتهرّب من تسمية نواف سلام تحت ذريعة الجهل بمواقفه كشخص، وكذلك عدم معرفتهم بمدى قدرته على إدارة الحكم وقيادة الحكومة المقبلة "إن أقبلت". المضحك هنا أن قائد حزب القوات يتحدث عن جهله بنواف سلام، بالمقابل الكل متأكد من معرفته التامة بنجيب ميقاتي، وكذلك الرئيس ميشال عون له فيه خير معرفة منذ حرب الإلغاء وصولاً إلى اتفاق معراب الذي أتى به رئيساً للبلاد، ما أدّى لإطلاق العملية الأخيرة لانحلال الدولة، التي يعيش تبعاتها الاقتصاد اللبناني.
الإنسان بطبيعة الحال عدوّ ما يجهل، ولكن نواب التغيير مثلهم مثل حزب القوات يعرفون ولا يجهلون، ويحاولون التذاكي والمراوغة، فيما المرحلة والاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها انتخاب رئيس جمهورية عاقل ينهي آثار مغامرة اتفاق معراب، أصبحت على الأبواب.
نواف سلام أو أي فكر إصلاحي جدي لا يمكنه دخول "السرايا" من خلال المشاورات الملزمة، بل يحتاج إلى حماية شعبية واسعة من خلال خلق حركة سياسية وطنية عابرة للمناطق، تعي أن المراهنة على الكتلة التغييرية فقط تبقى رهاناً خاسراً إن لم يقترن بإعادة تحريك سياسي للشارع باتجاه التغيير الحقيقي.