غسان صليبي
جرى التداول على مواقع التواصل الإجتماعي بفيديوهات من منطقة مجدل العاقورة في جبال لبنان، يتعرّض فيها عمّال زارعيون للجلد بأسلاك كهربائيّة، أو يتم صفعهم على وجوههم وإهانتهم، بعدما وُضعت في أفواههم حبات بطاطا.
العمّال الزارعيون هم مجموعة من الشبّان والمراهقين، بعضهم لبناني وبعضهم الآخر سوري، عملوا في أرض أحدهم لقطاف الكرز، وبعد 4 أيام عمل، اتّهمهم بسرقة ساعة يد ونظّارة شمسيّة، وعندما نفوا ذلك أرسل رجاله لضربهم وإذلالهم.
اقرأ في هذا المشهد المؤلم والمخذي معاني عدّة للظلم اللاحق بعمّال لبنان.
العمّال المعنيون هم عمال مياومة، يأكلون إذا عملوا ويجوعون إذا لم يعملوا. انهم فئة من العمالة الهشّة في لبنان، أو من العمالة في القطاع غير الرسمي، الذي أصبح يضمّ الأكثريّة الساحقة من عمّال لبنان، والذين يتقاضون أجورا بخسة ولا يستفيدون من الحقوق التي ينص عليها قانون العمل ولا من تقديمات الضمان الاجتماعي. انهم من فئات عمريّة شابة ومراهقة، وربما كانوا يعملون لإعالة اهلهم ويضطرّون للقبول بشروط عمل قاهرة وقاسية. هم لبنانيون وسوريون، يعملون بأجر واحد ويعامَلون معاملة واحدة. علاقات العمل لا تميّز بين الجنسيات، والأولويّة هي دائمًا للأرخص أجرًا وللأقل تطلّبًا وللأكثر تقبّلاً للإهانات.
صاحب الأرض لبناني، وكان يمكن ان يكون سوريًّا أو من أي جنسيّة أخرى. تصرّفاته تذكّر بإقطاعيي القرن التاسع عشر، وربما هو متحدّر من عائلة إقطاعيّة ورث عنها طمعها وحقارتها وقذارة أخلاقها.
بعض المعلومات تفيد انه لفّق مسألة السرقة حتى لا يدفع لعمّاله بدل أتعابهم، وكان قد ادّعى أمام مخفر العاقورة بان عددًا من العاملين لديه سرقوا مئة مليون ليرة لبنانيّة، وقد أُحيلت الشكوى الى مفرزة جونيه القضائيّة، الذي فتح تحقيقًا أُضيفت اليه ما شُوهِد في الفيديوهات، مما استدعى أيضًا طلب إحضار صاحب الأرض للإستماع الى إفادته.
صاحب الأرض لم ينتظر التحقيق بالسرقة التي قدّم شكوى في شأنها، بل أعطى نفسه الحق في إجراء التحقيق من خلال تعذيب عمّاله.
استنكر النائب ميشال دويهي التعذيب وطلب من القضاء متابعة القضيّة والإقتصاص من المعتدين، كما تعهّد، بصفته عضوًا في اللّجنة، الطلب من لجنة حقوق الإنسان في المجلس النيابي بإصدار بيان صارم في هذا الشأن.
لم أسمع للأسف استنكارًا نقابيًّا بمستوى ما حصل، لا من نقابات العمّال الزراعيين ولا من الإتحاد العمّالي العام. المسألة تستوجب تبنيا نقابيا قضائيّا والحرص على معاقبة المعتدين.
كما اني لم أرصد تحرّكًا من وزارة العمل المسؤولة الأولى عن رصد انتهاكات حقوق العمّال، وأرجو ألاّ أسمع من وزير العمل تبريرًا يقول فيه ان قانون العمل لا يشمل العمّال الزراعيين. الإعتراض العملاني والوحيد جاء من بلدية فنيدق وأهاليها، الذين قطعوا الطرق، باعتبار ان العمّال اللبنانيين المعنيين هم من فنيدق.
من المهم الحؤول دون تحوّل المسألة الى قضية طائفيّة إذا كان العمّال من المسلمين، ذلك ان صاحب الأرض مسيحي وتبين انه منتسب الى حزب "القوات اللبنانية" التي اسنكرت الإعتداء بشدة. من أولى مسؤوليّة النقابات إبقاء الطابع الطبقي الصارخ للإعتداءات. فلا نزال نتحدّث بألم حتى اليوم عن كيفيّة تحويل ثورة الفلاحين في كسروان بقيادة طانيوس شاهين الى صدامات أهليّة بين الدروز والمسيحيين سنة 1860.
أمّا بالنسبة للعمّال السوريين، فلا نقابات ولا احتمال لقيام تجمّعات أهليّة تدافع عنهم، في ظل ظروف النزوح وما يولّده من مواقف عنصرية. الدفاع عنهم يبقى من مسؤوليّة القضاء الذي عليه عدم التمييز بين المعتدى عليهم.
العمّال يعملون تحت شمس حارقة طوال اليوم وصاحب الأرض يفتش عن نظّاراته الشمسية.
صاحب الأرض يسرق ساعة عمل العمّال من خلال خفض بدل اتعابها، ويتّهم العمال بسرقة ساعة يد يملكها.
العمّال يزرعون الكرز والفاكهة والخضر بعرق جبينهم، وصاحب الأرض يضع حبات البطاطا في أفواههم لكتم صراخهم وقطع أنفاسهم.