أمين نصر - باحث
كيف ساهم الإعلام النازي بضبط الصراع السياسي في ألمانيا، ثمّ العسكري في أوروبا، بعد اندلاع ثاني الحروب الكونيّة؟
"الدعاية أتت بنا إلى السلطة، والدعاية مكّنتنا من البقاء في السلطة، والدّعاية ستمكّننا من غزو العالم..."
يٌنسب هذا الكلام إلى جوزف غوبلز، الذي يعدّ من أشهر الديماغوجيين في القرن العشرين، ومن أوائل الذين استخدموا الشعارات الدعائية السياسية بدهاء وإتقان. فقد كان أول وزير لوزارة الدعاية والتنوير العام في حكومة ألمانيا النازية، والتي لم تهدف لشيء إلا لتوحيد الشعوب الألمانية خلف مثاليّة الثورة القومية، وفق ما كان يقول غوبلز.
ساهمت وزارة الدعاية بوضع الأسس الأوّليّة لأكثر نظام سياسيّ مُثير للجدل في العالم، والذي ظهر بين عامي 1933-1945، وهدف إلى السيطرة العسكرية على أوروبا والعالم وتهيئة باقي الأعراق لخدمة العرق الآري الجرماني "سيّد العالم وأنقى السّلالات البشريّة" بحسب ادّعائهم.
استخدم جوزف غوبلز الدعايةَ كوسيط مباشر لإقناع الجماهير بأن وجهة نظر الحركة القوميّة الاشتراكية صحيحة، وبأن اليهود هم أعداء الأمة ويقفون وراء كلّ كارثة حلّت على ألمانيا. ولضمان إيصال الرسائل التنويرية و"التحذيرية" إلى كل فردٍ ومنزل ألماني، قامت وزارة الدعاية والتنوير بتوزيع أجهزة الراديو على جميع العائلات الألمانية بسعرٍ زهيدٍ جداً بلغ 76 ماركاً، أي ما يعادل ثلاثين دولاراً أميركيّاً آنذاك.
تحوّلت الدعاية في "العهد الهتلري" من أداة مساعدة لترسيخ دعائم النظام إلى أداة رئيسيّة لغسل دماغ الجماهير الذين تحوّلوا بنتيجتها إلى آلات قتل مؤدجلة، وصفتها الدعاية الأميركية المضادة بـ"تربية الموت Education of death" .
"بإمكانك أن تقرأ وتفهم ما يريده منك النظام أن تقرأ أو تفهم". كان هذا محور عمل الدعاية النازية؛ ولضمان السيطرة المطلقة على مقدرات الشعب الألماني، وبهدف تسييل رؤية أدولف هتلر إلى الواقع، قامت وزارة الإعلام الألمانية بالعزف على وتر عواطف الشعب الألماني بخلق روايات تاريخية عنوانها المجد والبطولة مستمدّة من قصص وأساطير تعود بأغلبيّتها إلى الميثولوجيا الجرمانية والتيوتونية الشمالية، مستندة إلى كتابات بعض الفلاسفة الجرمان العنصريين من الذين كتبوا عن تفوّق العنصر الآري الجرماني على باقي الشعوب، التي اعتبرتها النازية دون البشر Untermensch، من أمثال النمساوي يورغ لانس فون ليبينفيلز والألماني ألفرد فون روزنبرغ، والفرنسي آرثر دي غوبينيو.
في السلطة:
بعد السيطرة على مقاليد الحكم في العام 1933 أطلقت وزارة الإعلام – الجرمانية - والمؤسّسات النازية، العنان لمخيّلتها الأسطوريّة التيتونية، فقامت بنشر الصور والملصقات السياسة والكتب، وأسّست العديد من المعاهد الثقافية - "Ahnenrbe 1935"، وافتتاح المتاحف الفنية - "بيت الفن الألماني 1937"، وإنتاج الأشرطة السينمائية والوثائقية - "انتصار الإرادة 1935"، وإحياء تراث ريتشارد فاغنر الموسيقي القومي، وأهمّها "أوبرا بايروث"، وتأسيس العديد من البعثات العلمية أهمّها (البعثة النازية إلى بلاد التيبت 1938-1939) للبحث في أسس تطوّر النظرية الآرية أنتروبولوجيًا، ولتأكيد تفوّقها العنصريّ على باقي المكوّنات الهندو - الأوروبية والشعوب غير الأوروبية.
الرجل الجرماني -الألماني- هو جبّار، خُلق في أفضل تكوين جسدي، قوي البنية، شديد العزم، صلب الإرادة، لا تقوى قوى الأرض مجتمعة على هزيمته في ساحات التنافس الأممي، فالحياة مطيّة الأقوى، والرجل الألماني هو الأقوى.
كانت هذه الصورة تزرع في عقول الأحداث والأطفال - امتلأت الساحات العامة في كل المانيا بتماثيل الرجل الجرماني المتفوق وهو عمل للنحات أرنو بريكر-، وهيّأتهم للدخول في الجيش المؤسّسة السامية التي هي من ستظهر هذا التفوق، والتي قال عنها أدولف هتلر يوماً بأنها جعلتنا جميعاً رجالا وعزّزت إيماننا بموروثنا الحضاري.
كل ثقافة مضادة للثقافة للنازية تدرج في خانة الثقافة المتخلفة "Entartete Kunst" وجب سحقها. استخدمت الدّعاية النازية العديد من الشعارات المكتوبة والملصقات السياسية التي كان لها وقع إيجابيّ في البداية، بعد أن حرّكت هذه الشعارات مشاعر الشباب الألماني المطيع والمنضبط، وألهبت حماسة وقوميّة الملايين من الجنود الذين ما زال صدى إنجازاتهم العسكرية موضع بحث المؤرّخين والعسكريين، وسط ذهول باقي الشعوب عن مدى فعل نظرية "التفوق الآرية" التي نادى بها من كان يحلو لهم وصفهم بالبرابرة، ثم انتهى بهم المطاف مدمّرين مقهورين مقسّمين، وشعاراتهم ممنوعة بين العامة، ومعرّضة للمحو الجماعيّ من الذاكرة والتاريخ تحت مشروع "اجتثاث النازية" على الطريقة الرومانية في طمس هويّات الأباطرة المقتولين.
في ما يأتي عينة من الشعارات الدعائيّة التي أثرت في سيكولوجية العقل الألماني:
"Arbeit macht frei" – العمل يحررك:
الشعار هو عنوان لكتاب كتبه في العام 1873 الألماني لورنز ديفنباخ، حيث كان يشجع على إصلاح الذات من خلال العمل. استخدمت ألمانيا النازية الشّعار على مداخل عدد كبير من معسكرات الاعتقال الألمانية، وأهمّها "أوشفيتز" كوعد كاذب للمعتقلين بأنّ مَن يعمل بجدّ قد يُصبح حراً.
"Achtung, Feind hört mit!" – انتبه! العدو يسمع:
شعار بثّ بين للشعب الألماني للتحذير من الجواسيس والتبليغ عنهم. طبع الشعار في الجرائد، كما ألصق على واجهات المحالّ والمطاعم. وفي المراحل الأخيرة من الحرب طبع على الموادّ التموينية والغذائية.
"Jedem das Seine" - كلّ من تلقاء نفسه:
القول قديم يعود للعام 1715، واستعمل في ألمانيا كشعار على مدخل معتقل بوخنفالد، ليحثّ السجناء على تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقهم في داخل المعتقل.
"Alles für Deutschland" – كلّ شيء من أجل ألمانيا:
طبع هذا الشعار على خناجر عناصر قوات العاصفةSA لتشجيعهم على فعل أيّ شيء يصبّ في مصلحة ألمانيا النازية والنظام.
"Alter Kämpfer" – المحاربون القدامى:
الاسم الذي أطلق على عناصر الحزب النازي قبل العام 1930 عندما حصد الحزب الأغلبية النيابية. كانوا من طلائع الحزب ومن أكثرهم تعصّباً لفكرة العداء للسامية. كانوا يعلّقون على صدورهم شعار الحزب المذهّب، ووصفوا بالمحاربين ليكونوا قدوة للعناصر الجديدة وبثّ الروح العسكريّة بينهم.
"Angstbrosche" – زر الخوف:
منحت الحركة النازية زر العضوية للمنضمين الجدد. أطلق عليه هذا الشعار التهكّمي " زر الخوف " بهدف توجيه الانتقاد لأعضاء الحزب الجدد من الذين انضموا للحزب بعد العام 1933 أي بعد "انتصارالثورة القومية"، بدلاً من الانضمام إلى الثورة القومية في بداية مراحلها.
يُذكر أن الكثيرين من العناصر حاربت ببسالة في الجيش للتخلّص من عار هذا التصنيف، لأنهم اعتبروا انتهازيين أكثر منهم مثاليين.
كذلك نزع الإكليل الذهبيّ عن الزر بعد أن كان يمنح للأعضاء الذين انضموا قبل العام 1933.
"Befehl ist Befehl" - - الأمر هو أمر:
شعار عسكريّ لبثّ روح الانضباط بين الجنود وتنفيذ الأوامر ولو كانت صعبة وقاسية.
"Blut und Ehre" – الدماء والشرف:
شعار نقش على خناجر منظّمة "شبيبة هتلر" للادّعاء بأنّ بذل الدماء من أجل شرف ألمانيا هو أساس جوهريّ وأصيل.
"Deutschland Erwache" – استيقظي يا ألمانيا:
يدعون الأمة الألمانية إلى أن تصحو من كبوتها العميقة – في إشارة إلى القبول بشروط الحلفاء المذلّة إبّان الحرب العالمية الأولى وتأسيس جمهورية فايمار الضعيفة.
"Die Juden sind unser Unglück" - اليهود هم البلاء الدائم:
زرع الأفكار المعادية لليهود واليهودية العالمية كان من صلب أهداف النازية منذ تأسيس الحركة.
وتحميل اليهود مسؤولية كلّ مشكلات ألمانيا السياسية والاقتصادية كان سبباً مباشرًا لحصول الهولوكوست أو المحرقة في ما بعد.
" Gemeinnutz geht vor Eigennutz" – الصالح العام قبل صالح الذات:
هدفت إلى تشجيع الرأسماليين والأغنياء على خدمة المصالح الوطنية والاقتصاد قبل خدمة أنفسهم.
"Heute Deutschland! Morgen die Welt!" – اليوم ألمانيا، غداً العالم:
استعمل الشعار كثيراً من قبل النازيين بعيد السيطرة على الحكم في العام 1933 كدليل على تصميمهم على النجاح على المستوى المحليّ (ألمانيا)، والإقليمي (أوروبا) ، والعالمي (نظام عالمي جديد).
"Kraft durch Freude" – القوة من خلال السعادة:
هدفت ألمانيا النازية إلى إسعاد شعوبها من خلال ردم الهوة بين الطبقات. وتحقيق السعادة يؤدّي إلى القوة، لأن المرح والراحة وتنظيم الرحلات والبعثات الثقافية والفنية يساهم في خلق مجتمع لا يتوق فقط إلى الرفاهية. فإذا كانت الرفاهية مؤمّنة، ينصرف الشعب لخدمة البلاد، وبالتالي خدمة الدولة وجعلها أكثر قوة. من خلال هذا البرنامج أطلقت ألمانيا مشروع سيارة الشعب (فولكسفاغن) في العام 1938.
" Meine Ehre heißt Treue" – شرفي هو الولاء:
شعار قوات الأمن الخاصة (أس أس). الطاعة العمياء والولاء المطلق هما ما ميّزا ألمانيا النازية والشعوب الخاضعة لها.
" Nur für Deutsche!" – للألمان فقط!:
شعار علّق على الحافلات والقطارات وفي الأماكن العامة والمقاهي والمطاعم في أوروبا التي رزحت تحت الاحتلال النازي كدليل على تفوق الشعب الألماني على باقي شعوب العالم.
"Keiner verhungert und Frost" – أحدٌ لن يشعر بالجوع والبرد:
استعملت هذه الشعارات من قبل "الإغاثة الشتوية للشعب الألماني"، وهي حركة خيريّة هدفت لجمع المال والطعام والملابس الشتوية وتوزيعها على المحتاجين قبل بداية فصل الشتاء، وساهمت في صعود شعبية هتلر والحزب بشكل كبير.