من الممتع حقاً أن نشاهد قدرة الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي على شنّ الحملات وإعداد العدّة لـ"الغزو" بعد كل حدث يثير استفزاز شريحة ما من المجتمع، سيّما أن موضوع "الترند" أصبح أكبر من كل الاعتبارات الأخرى حتى لو وصلت الأمور بنا إلى "التعجب" بهتك الأعراض والإهانات والشتائم البذيئة و"اجتياح" الحياة الشخصيّة، للتمكن من "إبادة" الطرف الآخر. هذا الجمهور وبكل أطيافه فشل في جميع الأوقات السابقة في حشد طاقاته وإمكاناته وإبداعاته ومنشوراته المطوّلة أيضاً للتصدّي لهتك الأعراض الحقيقي والفعلي الذي يطالنا وبشكل يوميّ على يد من أوصلونا إلى أزمة أخلاقيّة قبل أن تكون أي شيء آخر، بسبب الاصطفافات والخطوط الحمر الممنوع المسّ بها.
تفلح مقاطع الفيديو المتداولة المجتزأة أو غير المجتزأة، في معظم الأحيان حتى لا نقول دائماً، في اللّعب على الوتر، وشدّ العصب، وتحريك الغرائز والنعرات، فنحشد بعضنا البعض لشنّ الهجوم والوصول إلى نشوة الانتصار من خلال وسم أكثر تداولاً. وماذا بعد؟ لا شيء سوى بضعة لايكات وتعليقات يختفي أثرها مع بزوغ فجر "ترند" آخر. أمّا على أرض الواقع فلا نتيجة ولا من يحزنون!
الشتائم انهالت على قناة "الجديد" بعد عرض "سكتش" قدّمته الممثلة جوانا كركي قالت فيه، وفي إطار حديثها عن علاقة أهالي الجنوب بقوات "اليونفيل"، على خلفية مقتل الجندي الإيرلندي: "إجوا لعنّا عالجنوب، جوّزناهم من بناتنا، وأخدنا من بناتهم، وإسّى الواحد يحكي تلاتة ارباع أهالي الجنوب عيونن خضر وزرق وشعرهم أشقر، منّك عارفة الطليان فاتوا علينا والإنكليز فاتوا فينا ليش تالواحد يحكي". جاء "السكتش" ضمن فقرة في برنامج "فشة خلق" الذي تقدمه الإعلامية داليا أحمد، التي بدورها لم تسلم من الحملة التي شُنت، ما حجب عمق أثر المحتوى المسيء الذي تم عرضه وما حمله من سخرية وإساءة تخطّت النقد.
إلّا أنّ الـ"سكتش" لم يمرّ مرور الكرام، ولو أنّ عدم التداول به لكان جعله يمرّ بخفّة. نكتة سمجة وسخرية قاسية تحوّلت إلى مجموعة من النكات السمجة والتنمّر والعنصريّة بمستوى لا يليق أبداً بحجم ما تعرّضت له نساء يمثّلن شريحة كبيرة من المجتمع.
كركي عادت وأطلّت عبر "الجديد" وأوضحت أن المشهد تمّ اجتزاؤه، وأنها تتقمّص شخصيات عديدة، ولا تقبل المزايدة عليها كامرأة شيعيّة، فيما أكدت القناة على "دور المرأة الجنوبية ونضالاتها وعدم وجود أي نية بالإساءة". إلّا أنّ عدم الاعتذار والتراجع جعل غضب الجمهور مشروعاً، علماً أن مديرة الأخبار والبرامج السياسية في القناة وصفت ما حصل بـ"المزحة الثقيلة".
ولكنّ ردّة الفعل المشروعة هنا، هل يتم الردّ على "هتك العرض" بهتك العرض؟ وما الفرق بين المحتوى الذي تضمّنه "السكتش" والمحتوى الذي تضمّنته بعض التعليقات؟ وإنّ كان ما قيل شكّل إهانة لنساء الجنوب، ماذا عن المستوى الذي وصلت إليه الردود؟ الفعل لا يجيز ردّة الفعل هذه، وإن كان كذلك فعلى الدنيا السلام.