النهار

لماذا هذا الصراع المحلي والإقليمي والدولي المحموم على رئيس بلا صلاحيات؟
غسان صليبي
المصدر: "النهار"
لماذا هذا الصراع المحلي والإقليمي والدولي المحموم على رئيس بلا صلاحيات؟
تعبيرية.
A+   A-
لم يحصل انتخاب ميشال سليمان إلا بعد غزوة "حزب الله" لبيروت في ٧ ايار ٢٠٠٨، وجاء انتخاب ميشال عون، مرشح الحزب نفسه، بعد تعطيل للإنتخابات لمدة سنتين ونصف السنة. تبدو الانتخابات الحالية أكثر تشنجاً وحماوة، و"حزب الله" يخوّن كل من يقف في وجه مرشحه سليمان فرنجية، كما يستمر في تعطيل المسار الدستوري الطبيعي للانتخابات.
 
يبدو الامر مستغرباً للوهلة الأولى. فهناك شبه اجماع على أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة جداً، في حد ذاتها، بالمقارنة مع صلاحياته قبل الطائف، لا سيما في مجال رسم السياسات العامة، الاقتصادية والاجتماعية والوطنية. مع ذلك يشهد كل استحقاق لانتخاب رئيس صراعات وتشنجات محلية وتدخلات خارجية، اقليمية ودولية. وهذا ما لا يحدث لمناسبة انتخاب رئيس مجلس النواب، ربما بحكم احتكار "الثنائي الشيعي" التمثيل النيابي الشيعي. غير انه يحدث لكن بحدة اقل وبتدخلات أقل، في اختيار رئيس الحكومة وتعيين الوزراء. رغم ان لرئيسي المجلس النيابي والحكومة صلاحيات أهم من تلك المعطاة لرئيس الجمهورية.
 
فلندقق أكثر في المسألة، من طريق العودة إلى الدستور. تقول المادة 49: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرئس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء".
وتؤكد المادة 50 انه "عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الاخلاص للأمة والدستور بالنص الآتي: "أحلف بالله العظيم أني احترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه". ويضيف الدستور ان "لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى". اما المادة 53 فتنص على ان "رئيس الجمهورية يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت".
 
رئيس الجمهورية هو إذاً جزء من السلطة الإجرائيّة التي وضعها الدستور في يد الحكومة مجتمعة، وإذا ترأّس اجتماعها، فلا يحق له التصويت. الصلاحيات الرئاسيّة التي نصّ عليها الدستور تترجم هذه القاعدة العامة، التي تلزمه المرور عبر مجلس الوزراء أو مجلس النواب ليكون لرأيه تأثير.
في المقابل، كلّف الدستور الرئيس بمهمتين أساسيّتين تحتضنان جميع الصلاحيات وتجعل ممارستها ممكنة: "احترام الدستور" و"الحفاظ على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقًا لأحكام الدستور". تظهر خصوصية هاتين المهمتين في النص الدستوري عندما يقول ان لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته "إلاّ عند خرقه للدستور أو في حال الخيانة العظمى".
 
على ضوء ذلك كلّه، يمكننا القول ان مواصفات الرئيس يجب ان تتمحور حول "قدرته على إحترام الدستور والحفاظ على الإستقلال". وفي هذا السياق، تبدو المطالبة بأن يكون للرئيس مواصفات شخصية محددة، او برنامج سياسي- إقتصادي – مالي – إجتماعي، وأن يكون ترشيحه من مجموعات النواب على هذا الاساس، وليس على أساس "تقاطعات"، هي في الواقع مطالبات غير ذات معنى دستوريّاً، إذ لا صلاحيات له في هذه المجالات. الأخطر من ذلك، أن الإصرار على وجود برنامج كهذا، ووضعه كشرط لتأييد المرشّح أو لعقد تحالفات دعماً لهذا المرشّح أو ذاك، يصعّب الإتفاق على شخصيّة ويزيد احتمال انتخاب مرشّحي السلطة الفعلية، اي مرشحي "الثنائي الشيعي"، سليمان فرنجية او غيره، الذين يتمتعون حكما ببرنامج، هو برنامج من رشحهم، او برنامج "الخط" كما يسميه فرنجية.
 
احترام الدستور والحفاظ على الاستقلال، هما ما يجب أن تتقاطع حولهما الترشيحات. وأعتقد أن الصراع المحلي والاقليمي والدولي يدور فعليا حول هاتين القضيتين تحديداً، مما يجعل انتخاب رئيس الجمهورية على هذه الحماوة، رغم انه بلا صلاحيات. وليس مستغرباً أن يستميت فريق "الممانعة"، لانتخاب رئيس لا "يطعن ظهر المقاومة"، اي عملياً، لا يعيد النظر في سياساتها لجهة مخالفة الدستور او تعطيله، ولجهة رهن البلاد لسياسة ايران الاقليمية والدولية. فسلطة "حزب الله"، يستمدها فعلياً من دعم ايران المالي والعسكري من جهة، وترجمة نفوذه المالي والعسكري هذا رسميا، من خلال مخالفة الدستور، من جهة ثانية. وقد استجاب ميشال عون هذه الاستراتيجيا، فأعطى نفسه صلاحيات توازي صلاحيات الرئيس في الدستور السابق، مخالفاً الدستور الحالي، كما مارس التعطيل عندما لم يستطع ذلك. وفي الحالتين كان يماشي مصلحة "حزب الله"، ويلتزم الصمت امام كل مخالفة للدستور يرتكبها هذا الاخير. وهذا ما يطمح "حزب الله" الى تكراره مع سليمان فرنجية، فهذا شرط اساسي لاستمراره في ممارسة هيمنته على البلاد.

من جهة اخرى، ان احترام الدستور والاستقلال عن ايران، يشكلان، كل واحد على حدة، أولوية عند "السياديين" او عند "التغييريين"، ويساهمان معاً في تقاطع المصالح عند الفئتين، الذي تُرجم بالاتفاق على ترشيح ازعور.
 
"السياديون" يهمهم انتخاب رئيس يحافظ على الاستقلال ويفك تبعية البلاد للنظام الإيراني ولـ"حزب الله".
 
"التغييريون" يهمهم احترام الدستور كممر ضروري لإحداث تغيير في لبنان. فالدستور ينص من جهة على الآليات الديموقراطية للتغيير التي تعطلها السلطة الحالية، ومن جهة ثانية يفتح الباب من خلال نصوصه، على معالجة المسألة الطائفية، وعلى تطبيق اللامركزية الإدارية، وهما قضيتان مركزيتان، في مشاريع الإصلاح السياسي والإداري.
 
هذا لا يعني أن ازعور هو الرئيس المثالي الذي سيحترم الدستور ويحافظ على الاستقلال، لكنه بالتأكيد أكثر قابلية لذلك من فرنجية. في السياق نفسه اقول ان زياد بارود ونعمة افرام وجوزف عون، مؤهلون للقيام بهذه المهمة أفضل من أزعور، الذي شابت ممارساته السابقة بعض المخالفات الدستورية، كما لا يمكن إغفال تبعيته الاقتصادية والمالية لصندوق النقد الدولي. فيما سِجِلّ المرشحين الثلاثة الآخرين، أنظف لناحية احترام الدستور والاستقلالية السياسية عن الخارج، مع ضرورة الإشارة الى تعاطفهم مع التوجهات الغربية الدولية، بشكل عام. اما القدرة الفعلية على فرض احترام الدستور والحفاظ على الاستقلال، فمسألة أخرى، لا يمكن فصلها عن الشجاعة الشخصية لكل منهم.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium