الوزير السابق سليمان فرنجية.
يمكن اتهام سليمان فرنجية بالعديد من الأشياء ولكن تبقى صراحته الساذجة، وافتقاره للدماثة أحد أهم معالم شخصيته السياسية، وينطبق عليه المثل الإنجليزي What you see is what you get. ففي إطلالته الأخيرة ذكّر الجميع بأنه مرشح "حزب الله" ومحور الممانعة، وأن خيارته السياسية واضحة في ما يتعلق بالتزامه بخيار "المقاومة" طارحاً نفسه رئيساً لكل لبنان.
هجوم فرنجية على أخصامه في السياسة كان واضحاً، سخريته من محاولة تمرير جبران باسيل ترشيح الوزير السابق "المتلوّن" زياد بارود كمرشح تسوية، حيث نعته فرنجية "بالرئيس المرتّب والنعنوع"، و"النعنعة" هي صفة مرتبطة بالرجل الدلوع والخفيف نسبياً، وتُستعمل عادة في إشارة لعدم رجولة المرء أو انتقاص الشجاعة فيه. بطبيعة الحال، كلام فرنجية الساخر يتضمّن اقتناعه بأنه الرجل القوي القادر على تحقيق المعجزات، ومنها طرد اللاجئين السوريين الهاربين من إجرام صديقه الشخصي بشار الأسد، وإعادة تقويم الاقتصاد اللبناني الذي دُمّر بفضل سياسة اقتصادية خرقاء، وتحويل لبنان إلى منصّة لتصدير الثورة الإيرانية والمخدرات إلى أصقاع العالم من قبل حلفائه قادة #محور-_الكبتاغون.
"النعنعة" بمفهومه المجرد الجندري ترتبط بالنعناع والإحساس بالخفة، وفي هذا السياق كان الأجدر أن تطلق هذه الصفة على بعض "التغييريين" من النواب الذين يرفضون التصويت لجهاد أزعور بوجه ركن من أركان الانقلاب على مفهوم الدولة، ومن يسمّون مرشحاً ابن منظومة وآخر من خارجها رغم أن الاثنين خدما في الدولة كوزيرين. هو حسم خياراته مراراً وتكراراً بمساندة بشار الأسد كرفيق للسلاح في محور دمّر كلاً من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
صراحة لست بوارد تفنيد الأسباب الموجبة للتصويت ضد فرنجية، ولست من الذين انخدعوا بمناورات وتقيّة العديد من النواب التغيريين، ومنهم من أعتبرهم أصدقاء ورفاقاً في النضال، وعلى رأسهم إبراهيم منيمنة وفراس بو حمدان وياسين ياسين، أثق بشجاعتهم وصدقهم في بناء وطن يليق بنا. ومن هنا غضبي وعتبي عليهم بأن تردّدهم غير مبرر في وجه رئيس مجلس نواب وميليشيات مسلحة، تفصّل الدستور اللبناني على قياس ضميرها المفقود. فيما يبقى نواب التغيير الثلاثة من دكتور العيون الذي قرّر زيارة سوريا في مؤتمر علمي، والدكتورة الجامعية المتلونة، والناشطة العونية السابقة الذين يطمحون لطرح زياد بارود في الجولات القادمة وهو من يوصف بأنه "حصان طروادة" لكل من جبران باسيل و"حزب الله".
ليس هناك من امرئ عاقل يؤمن بأن جهاد أزعور قادر على تحقيق المعجزات، وليس هناك من معجزة قادرة على إعادة تكوين الدولة اللبنانية بدون مشروع سياسي متكامل، يقرن التعافي الاقتصادي بإعادة تكوين مفهوم الدولة والسيادة، مشروع قادر على أن يقف بوجه تجار مخدر الكبتاغون والقتلة ومخزني النيترات في مرفأ بيروت.
جلسة 14 حزيران لن تعطي لبنان رئيساً جديداً ولن تنزع سلاح الحرس الثوري في لبنان، بل هي جولة أخرى على درب استعادة بلد فقد خلال أخلاقه السياسية حين سمح بانتخاب ميشال عون وراهن على أخلاق ومناقبية تنظيم مسلح امتهن القتل كهواية.
بكل بساطة، الحقيقة هي واحدة في صندوق الاقتراع يوم الأربعاء، وهي فرصة إضافية لتفريق "النعنعة" والرمادية السياسية عن النضال الفعلي لبناء نظام سياسي مرتب.