النهار

توطين السوريين... مقابل بحرنا و أرضنا وأرضهم!
المصدر: "النهار"
توطين السوريين... مقابل بحرنا و أرضنا وأرضهم!
البرلمان الأوروبي. (الصورة عن "أ.ف.ب")
A+   A-
منى الدحداح زوين - أستاذة جامعية
 
 
صوّت البرلمان الأوروبي أخيراً بأغلبيّة ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان. السلطات اللبنانية شجبت هذا القرار من خلال وزير خارجيتها، وطلبت إطلاق حوار بناء وشامل بين لبنان والاتحاد الأوروبي حول كلّ الملفات، وبالأخصّ ملفّ النزوح السوريّ، لأنّ النزوح السوري يشكّل تهديدًا لاستقرار الاقتصاد اللبناني والتركيبة الاجتماعية، ويمثّل تحدّيًا كبيرًا لاستمرارية وجود لبنان ككيان.
 
فعلاً، ما تفضّلت به الدولة اللبنانية عن النزوح السوري هو صحيح، لأن الأرقام والإحصاءات تبيّن أنّه بعد سنوات عدة من وجودهم في لبنان سوف يتخطّى عددهم عدد سكّان اللبنانيين. وبحسب التقديرات الرسمية للحكومة اللبنانية، هناك مليونان و80 ألف نازح سوريّ في لبنان، لغاية 30-09-2022. مع العلم أنّ الدولة اللبنانية ليس لديها "داتا" كاملة عن النازحين وواقع النزوح على أراضيها.
 
وأشارت كلمة لبنان خلال الدورة السادسة من مؤتمر "مستقبل سوريا والمنطقة" في بروكسل عام 2022 إلى أن النازحين يشكّلون 30 في المئة من سكّان البلد، وأن كثافتهم تصل إلى 650 نسمة في الكيلومتر المربّع الواحد. ووفقًا للمعلومات، فقد تمّ تسجيل ولادة 196 ألف طفل سوريّ في لبنان من عائلات نازحة حتى نهاية عام 2022، من دون الإشارة إلى الولادات غير المعروفة أو ولادات السوريين المقيمين غير النازحين.
وتجدر الاشارة إلى أن تسجيل المولود على أنه نازح لا يعني اكتسابه الجنسية السورية، بل تتطلب هذه العملية إجراءات ومعاملات إدارية محدّدة. وعدم تسجيل الولادات يُشكّل خطرًا على المستوى الإنساني والديموغرافي والأمني، إذ يتمّ اعتبار أيّ مولود من النازحين غير المسجّل على أنّه "مكتوم القيد"، ممّا يصعّب إعادة توطينه في دولة ثالثة أو عودته إلى بلده.
 
وبناءً لما تقدّمنا به، يتبيّن لنا أن الواقع والنية الأوروبية هو استحالة عودة النازحين السوريين جميعاً إلى بلادهم؛ لذلك يجب أن تكون المفاوضات بين الجانبين اللبنانيّ والاتحاد الأوروبي على عدّة نقاط أهمّها:
 
أوّلاً: إلزام الجانب السوري بترسيم الحدود البحريّة وفقًا للقرار 318 والقانون الدوليّ للبحار. ويتضمّن هذا الترسيم تحديد خطّ الوسط في مجرى النهر الكبير، وهو ما يشمل نقطة "سرير النهر" التي تعدّ نقطة الانطلاق للحدود البحرية بين البلدين. وتجب الإشارة إلى أن هذا الإلزام يعود إلى فترة الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا في بداية القرن العشرين. ولكن القانون الدولي للبحار يعتبر ملزمًا لجميع الدول، بغضّ النظر عن عضويّتها في الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بالبحار. وبما أن الحدود البحرية بين لبنان وسوريا لم يتمّ ترسيمها بشكل نهائي، فإن هذا الإلزام ما زال قائمًا حتى اليوم.
 
ثانياً: إلزام سوريا على ترسيم الحدود البريّة على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية، وصولًا إلى مزارع شبعا التي تطلّ على هضبة الجولان المحتلّة. مع العلم أنّه تمّ تحديد الحدود البريّة بين لبنان وسوريا في الفترة الممتدّة بين عامي 1920 و1923، وتمّ وضعها لدى عصبة الأمم المتحدة. وفي ما يتعلّق بمزارع شبعا، فقد تمّ إثبات سندات الملكيّة للأراضي في شبعا بوساطة الحكومة اللبنانية. ويتعيّن على الجانب السوري الامتثال للقانون الدولي الذي ينصّ على حلّ النزاعات الحدوديّة بطرق سلميّة، والتعاون مع الجانب اللبناني لتحديد الحدود البرية بين البلدين بشكل نهائيّ. ويجب أن تتمّ هذه العمليّة وفقًا للقواعد والمعايير الدولية المعترف بها، وبما يحقق المصالح المشتركة لكلٍّ من لبنان وسوريا.
 
ثالثاً: بسبب عدم قدرة لبنان على استيعاب العدد الهائل في حال توطين بعض السوريين، وعدم حصول خلل ديمغرافي، لا بدّ للسلطات اللبنانية من أن تطلب تطبيق نظرية الضابط الأميركي السابق رالف بيترز، في مقاله بعنوان "حدود الدم"، الذي ذكر فيه أنّه لا بدّ من إعادة رسم الحدود في منطقة الشرق الأوسط لإنصاف الإثنيات الموجودة. ومن بين إعادة رسم الحدود في المنطقة تخلّي سوريا عن جزء صغير منها لضمّه إلى لبنان لتشكيل "دولة لبنان الكبير" على البحر المتوسط.
 

اقرأ في النهار Premium