الدكتور ناصر زيدان
بينما كان المقيمون يضعون خططاً للتواصل مع المغتربين اللبنانيين المنتشرين فوق كل البقاع اليابسة في الكوكب القلِق، ومنها إقرار قانون - ولو مبتوراً - لاستعادة الجنسية التي كانت منسية عند بعضهم، ولتحصين وضعهم وحمايتهم من الاستخفاف بهم ومنع أي ممارسة استبدادية بحقهم؛ انعكست الصورة اليوم، وتغيرت الأحوال، وأصبح المنتشرون عضداً لأبناء الوطن على اختلافهم، وسنداً للبلد الجريح الذي قال عنه المطران جورج خضر يوماً: لم يُكتب له أن يموت ولم يُكتب له أن يعيش مرتاحاً.
حفلة شاي أخَّاذة عقدها المغتربون من الموحّدين الدروز على حلقتين في فندق فينيسيا وفي دار الطائفة في بيروت.
جَمعةُ فندق فينيسيا إلى العشاء مساء الثلثاء 25 تموز كانت باهرة وحاشدة، ولم يحصل أن انعقد مثلها منذ ثلاث سنوات على الأقل، وحضرت فيها الأناقة مع الأكابرية والكرم الحاتمي، وتعانقت العواطف لدى "معشر الأخوان" القادمين من كل القارات، حتى فاض بخور الحنين إلى خارج القاعة الفخمة التي اعتادت استضافة المؤتمرات والقِمم، وهي امتلأت عن بكرة أبيها، ولم يؤثر على نجاح الجمعَة بعض الهفوات التنظيمية البسيطة التي لا تُذكر بالنسبة لحجم المناسبة، لاسيما الإغفال غير المقصود بالترحيب بأحد النواب الجُدد الذي لا يتوانى عن استغلال أي مناسبة – ومنها حدث فريد بهذا الحجم – للتهجُّم على شكليات لفظها الزمن، ومنها تذكير بإقطاعية مضى على إلغائها رسمياً أكثر من 183 عاماً. ولهفة الحاضرين تجاه القائد الساحر المتواضع والمنكفئ وليد جنبلاط نابعة من علاقة ثقة ومحبة بينه وبين الغالبية الساحقة من الحاضرين، وليست مفروضة عليهم، لأنهم يعرفون تماماً ما حصل من تعاون وتفانٍ من قبله وبمساعدتهم لتخليص قسم كبير من الدروز الذين عانوا من أوضاع معيشية وصحية صعبة، وكادت المؤسسات التي تقدِّم لهم الخدمة أن تنهار لولا هذا التعاون. ولا يختلف الحاضرون على وجاهة ورونق حضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الجديد تيمور جنبلاط ومدى تمثيله، مع الشخصيات الرسمية الأخرى. والكلام الرصين والمتوازن لرئيس لجنة الاغتراب في المجلس المذهبي جمال الجوهري وتقديم الفنان جهاد الأطرش؛ عبّرا بموضوعية عن تقدير واسع لكل المشاركين في المؤتمر، ولاسيما منهم المُكرمين الذين وقفوا بمالهم مع أهلهم في المحنة التي عاشها الوطن منذ ما يقارب الأربع سنوات.
أما احتفال دار الطائفة في 26 تموز والذي اقتصر على حضور المكرمين من المغتربين وعلى الفعاليات الدرزية الرسمية وأعضاء المجلس المذهبي من الشيوخ والمدنيين وبعض الضيوف من الكتَّاب والصحافيين ورجال الأعمال؛ فقد تميَّز بكلمة بليغة وشاملة لسماحة شيخ عقل الطائفة الدكتور سامي أبي المنى، والذي سلَّط فيها الضوء على مشكلات الوطن الكبيرة، ومنها اضطرار المقيمين من أبنائه إلى طلب العون من المغتربين، لضيق سُبل العيش في لبنان الجميل. مشدداً على أهمية استمرار التواصل مع المغتربين، وهؤلاء يبقون ذخراً وازناً للطائفة وللوطن كما قال.
حفلة الشاي الخيرية الراقية "للدياسبورا" الدرزية على أرض الوطن في هذا التوقيت بالذات؛ تحمل مجموعة من الرسائل الهامة، منها للشأن الداخلي الدرزي، حيث يتمسَّك المنتشرون في بقاع الأرض كافة من الدروز بالوضعية الشرعية للحراك المذهبي من خلال المؤسسات الرسمية التي ولدت وفقاً للقانون، وهي تعبر عن إرادة الناخبين الدروز وفقاً لآلية انتخابات شفافة يمكن أن يستفيد منها أي من الطامحين بخدمة طائفتهم والوطن للوصول الى المجلس المذهبي، والقانون لا يعطي أي امتياز لأي من الأحزاب أو الفعاليات ضد أحزاب أخرى أو فعاليات مقابلة، ووحدها إرادة الناخبين تفرض صيغة التمثيل القائمة، مع احترام واضح من قبل الجميع للمرجعيات الروحية، وهذه المرجعيات عادةً لا تتدخل بالشأن الإداري أو السياسي، لأن مثل هذا التدخل يفقدها شيئاً من وضعية الترفُّع والتقوى وعدم الانحياز الذي تحرص عليه هذه المرجعيات بمجملها.
أما الرسائل التي يبعثها الحاضرون باتجاه الشركاء في الوطن، فيمكن تلخيصها بمجموعة عناوين، لعلَّ أبرزها: أن الموحدين المسلمين الدروز متمسّكون بالوطن وبوحدته وبالشراكة مع المكونات الأخرى، وسنوات الهجرة أو الاغتراب بحثاً عن العيش الكريم؛ لا تُنسيهم وطن الآباء والأجداد، ولا كون الدروز مؤسسين للكيان، وليس لهم أي بديل عنه مهما قست الظروف، ومهما اشتدَّت المِحن. و"الدياسبورا" الدرزية كما المُقيمون لديهم الانفتاح الكامل على تطوير النظام باتجاه صيغة مدنية كاملة، تحفظ المواطنة وحقوقها من دون أي إكراه أو تهديد، وهم أكثر قابلية من أي فئة أخرى بالاندماج بحالة وطنية شاملة، مع إلغاء للطائفية السياسية، وإلى ذلك الحين؛ فالدروز لا يقبلون بأي تغييرات يفرضها الأمر الواقع على اتفاق الطائف، ولا يتحمّلون أي تهميش لدورهم مهما غلت التضحيات.
بدت "الدياسبورا" الدرزية أكثر قبولاً لتطوير قوانين الأحوال الشخصية بما يكفل الانفتاح على التجارب، مع الحفاظ على الهوية الدينية، وعلى المكانة الوطنية للطائفة.
حفلة الشاي الجامعة للاغتراب الدرزي كفلت ولادة صيغة تعاون بين المقيمين والمغتربين، ستستمر وستتطور، وأبدى القادرون مالياً منهم الاستعداد الواضح للوقوف إلى جانب المحتاجين من المقيمين، لا سيما في مجال المساعدات الإستشفائية والاجتماعية، وهم رحبوا بما جاء في خطاب الشيخ أبي المنى، لناحية المساعدة في توظيف استثمارات تخلق فرص عمل، وتوفر استفادة شفافة من الممتلكات الوقفية ضمن القانون.