النهار

العائلة تغتصب أيضاً
الطفلة الضحية لين طالب.
A+   A-
نسرين شاهين

مجتمعات تعاني أزمة فكر أو جنس أو كلاهما.

هي أزمة فكريّة ولّدت أزمات جنسية أو العكس؟ هي حريّة تعبير فكريّ أو جسديّ/عاطفيّ؟

تُكمّ الأفواه بقتل الكلمة، فكيف تُكمّ الرّغبات؟ على ما يبدو أنّها تُكمّ بقتلٍ نفسيّ للضحية.

عندما يتأزم الجرح يصرخ الإنسان إعلانًا منه بعدم القدرة على تحمّل الوجع، فيكون صراخه مؤشّراً لإحساسه بأوجاعه.

استوقفتني في حالات الاغتصاب التي تتصدّر مواقع الأخبار اليومية أن الموجوعين (المعتدى عليهم) لم يصرخوا، لم يصلوا حدّ الصراخ لعمق إحساسهم بأوجاعهم الجسديّة النفسيّة، بل أدّت الصُّدَف، كما الموت، لعبتها في الكشف عن وجع لم يقوَ على الصراخ.

لماذا؟
لأنه يُفترض ان المعتدي هو الأوْلى بعرضه بحسب الدين والمجتمع، وهو الأمان بحسب مفهوم العائلة، كما يُفترض أنه الحامي المتستّر، السّند، النّخوة. وعلى الضحيّة أن تمتثل لصلة رحم وأعراف ومعتقدات جلّادها.

فتيات أو فتيان سيّان في وقع الوحشيّة، إلا أن اغتصاب الأنثى، إن كانت راشدة فهي من أغوته بمفاتنها، وإن كانت طفلة فأيضاً هي من أغوته لأنّها أنثى، وفي الحالتين هي أنثى، فإذن هي مَن ستغتصب بعيون مجتمعها إن أفصحت...

وحشيّ هو ما كُشف أخيراً من اغتصاب شابين لشقيقتهما على مدار سنين بموافقة الأم، واغتصاب الطفلة لين طالب من الجدّ أو الخال أو الاثنين معاً، في عائلة تغتصب بعضها بعضاً... على كافة مستويات القذارة.

ماذا عن مسؤوليّة البيئات المجتمعيّة للمعتدين في بعدها الاقتصادي والثقافي والديني؟ هذا لا يعني أن غير مجتمعات خالية من العنف الجنسيّ، ولربما كان أكثر انتشاراً لكن بالخفاء...

السؤال الذي يجب علينا أن نطرحه بجرأة: هل هي قضية مستجدّة؟ على الأرجح لا. هل باتت ظاهرة لافتة بانتشارها وصادمة بوحشيتها وفاعليها؟
هذا ما يبدو.

إذا اعتبرنا أن المغتصبين من الشبان، نلاحظ أن الشبان باتوا يردّدون: "ما كان فينا قبل نتزوج، هلأ ما عم فينا "نصاحب" (وفي المزح تلتين الجدّ)"، وقد بات معروفاً ارتفاع نسبة الفقر وعزوف الشباب عن الزواج قصراً. قد يفسّر الوضع الاقتصادي جزءاً من دوافع هؤلاء الشبان. ولكن كيف نفسّر قدرة هذا الوضع على جعل رغبة المغتصب تجتاح المحرمات الأخلاقية المتعلقة بالعائلة، وتوجيه الرغبة باتّجاه أنثى هي أخت، أو ابنة أخت، أو طفلة حفيدة؟

هل تقف الأزمة عند هذا الحدّ؟
بل تبدأ من هنا.

هل نحن في مجتمع يعترف بالحريّة الجنسيّة؟
سنجيب بـ"لا". حسناً، هل نحن في مجتمع يُمارس فيه الجنس في الخفاء؟ هل نحن في مجتمع "يُحلّل" "الزواج الوقتيّ" تحت مسمّى عقد، فيقبله الذّكر على أبناء جنسه ويرفضه لأمّه وأخته وابنته وزوجته؟ هل نحن في مجتمع، يفاخر فيه الذّكر بعلاقاته الجنسية على اعتبار أنه "فحل" فيما تُعاب فيه المرأة لمجرّد رفقتها لرجل، وتُصبح عاهرة أو بلا شرف؟ هل نحن في مجتمع، الشتيمة فيه هي توعّد بالنيل من عرض أنثى الآخر عبر استخدام الأعضاء الجنسية كدليل على الهتك والذّم والتحقير وأقصى درجات النيل من شرف الآخر؟ هل هذا المجتمع نفسه يرى في هذه الأعضاء الجنسية ما يحتقره عند غيره وفي جسده، أم أن الشتائم تعبّر عن رغبات جنسيّة مكبوتة؟

الإجابة عن كلّ هذه الأسئلة هو نعم وألف نعم.

إذن، هل هي أزمة اقتصادية خانقة وضاغطة أدّت وتؤدّي إلى هذه الوحشية، أم أنّها أزمة اقتصادية اجتماعية ثقافية ودينية وتربوية جنسيّة أفلتت الرّغبات المكبوتة في مجتمع يعيش فيه الإنسان كمّ أفواه ومشاعر ومفاهيم وحقائق بهدف الوصول إلى اللذة المحرّمة.

إنّها وحشيّة اغتصاب الفكر والجسد، وحشيّة كمّ الشعور والكلمة، وحشيّة تدجين الحلم قبل الواقع، وحشيّة التجرّؤ على قدرة الله بأن يرانا على المنابر والطرقات وفي الصالات، ويغفل عنّا في الزوايا، وفي داخل جدران البيوت، وفي الأبراج ودور العبادة...وحشيّة سجن الإنسان بعقده الجنسيّة، في حين أنّ كلّ اللذة تكمن في اتحاد الفكر والجسد والروح بحريّة ومن دون خوف ونفاق.

وهل من هو أقدر من العائلة، المصدر الأول لكمّ الشعور والكلمة، على ارتكاب مثل هذه الوحشيّة أو تحويلها إلى حريّة فكر وروح وجسد تقود إلى المحبة؟
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium