النهار

باربي واللقاء الوزاري في الديمان
المصدر: "النهار"
باربي واللقاء الوزاري في الديمان
فيلم باربي.
A+   A-
* سالي حمود
 
أنا على يقين أننا انحدرنا في المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وأنا متأكدة من أننا ننزل باتجاه سفلي نحو الحضيض في الثقافة والابتكار والحريات، والأسوأ نحو الفكر.
 
ولكنني لم أتوقع أن نصل إلى يوم نمنع فيه فيلماً سينمائياً لمجرد أنه يهدّدُ العنجهية الذكورية في مجتمعٍ أبوي. أو أنّني لم أقدر على إيجاد سبب وجيه لذلك غيرَ هذا السبب. لا أدري.
 
قد أكون أنا من يحتاج إلى إعادةِ تثقيف أو توجيه نحو نظامٍ قيمي صحّي وسليم! ربما!
 
أعترف بأنني كنت محظوظة بوجودي في مدينةٍ هولندية Den Bosche التي تبعد عن العاصمة حوالي ساعة، ولكنها بعيدةٌ عنها في الثقافة والحضارة. هي مدينة خاليةٌ من السيّاح كما هي خالية من القلق في كل شارعٍ فيها. وهي تُعدّ ذات ثقافة محافظة مقارنةً بأمستردام.
 
دعوني أقدّم وصفاً، وليس تحليلاً، لتلك الدقائق في الفيلم التي هدّدت أمن البلاد وأخلاقها. 
 
يبدأ الفيلم بمشهدٍ زهريٍّ عن عالم باربي الذي تحكمه النساء اللواتي لَسْنَ جميلات فحَسب، بل يتمتّعنَ بمهاراتٍ ووظائف متنوعة، مثل الطبيبة والمحامية والقاضية والرئيسة التي تَحكُم هذا العالم الزهري. تعيش كل باربي في عالمٍ كل ما فيه، و من فيه، مثالي. كلُّ شخصيات باربي تستيقظ كلَّ يوم في نهار مثالي، وكأن الفيلم يعكس الصورة النمطية للحياة المثالية في وسائل التواصل الاجتماعي. أمر جيد أن نجعل الجيل الجديد يَسْتَسْخِف الحياة المثالية التي تصوّرها تلك الوسائل في كثيرٍ من الأحيان.

بالرغم من محاولات إدارة الإنتاج أو الإخراج أو الشركة المصنّعة إظهار مساعي باربي السابقة في كسر الصورة النمطية للإناث التي تؤثر عادة في الفتيات أكثر من تأثيرها في النساء الأكبر سنّاً، يفتح الفيلم مجالاً لانتقاد تأثير باربي عبر الأجيال، إذ سعت الشركة، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى محو تنميط المرأة الذي قامت به عبر السنوات، ولو أنها تقوم بذلك من أجل زيادة أرباحها. فلنكن واقعيين! لطالما كانت السينما الهوليوودية تضع الربح المادي في أولى أولوياتها.
 
ويبدو صارخاً اعتذار الشركة المنْتِجة أو المصنّعة، عن كل السنوات التي لوَّثت فيها أفكار الفتيات حول الصورة النمطية للفتاة المثالية، بالشكل والثنائية الزوجية. بمعنى أن شخصيات "Ken" المتنوعة كانت ترافق كلّ مُوديل باربي يصدر عن الشركة. وقد سعت الشركة المصنعة لباربي أيضاً إلى تقديم التنوّع والشمول في شخصيات "كن" كما فعلت مع موديلات باربي التي أيضاً تنوعت بين بشرة بيضاء وداكنة وعرق آسيوي، ثم الفتاة الممتلئة، إلى أن فشلت في تقديم موديل باربي الحامل. وكأن المرأة تتحوّل هويتها بعد الحمل والإنجاب لتصبح خارج نطاق حلم الفتيات الصغيرات بأن تكون جميلة وجذابة وناجحة. ولكن هذا ليس موضوعنا الأساسي.
 
مقابل ذلك عجت الديمان بالزوار "الأولياء الصّالحين" الخائفين على شرفنا وقيمنا، الذين يجتمعون لأوّلِ مرة على قضية "وطنية"، وهي منع عرض الفيلم من الصالات، ليُعلِن كل من الوزير المرتضى الوليّ على دينِنا وأخلاقنا بكلِّ فخر أنه سوف يُمنع عرض هذا الفيلم السينمائي لأنه يتعارضُ مع قِيَمِنا الأُسَرِيّة.
 
أُوافقُه الرأي! 

يجب أن يُمنع الفيلم من كافة العروض والبيوت لأنّنا شعبٌ قِيَمنا الأُسَرِية هي أَن يَغتَصِبَ الجّدُّ حَفيدَتَه بعِلْمِ أمِّها وخالِها وأحياناً أبيها، والدولةُ والوزير والقاضي والجندي يقفون مكتوفي الأيدي "لأنو مش بإيدهم".

ولأننا شعب قيمنا أن ننقل أسلحة وذخيرة في وضح النهار في مناطق سكنية مسالمة.

ولأننا شعبٌ يَحمِلُ السلاحَ في الشارعِ مثلما نحمل "الأركيلة" معنا أينما ذهبنا، ونرفع السلاح على ركنةِ سيارة أو نظرةِ غضب.

ولأننا شعبٌ يَقتل بدمٍ باردٍ في الفرحِ، كما يقتل في الغضب بدمٍ حامٍ جاره برصاصةٍ طائشةٍ أو رصاصة مصوَّبة.  

ولأننا شعبٌ ينتخِبُ لصوصَ السياسةِ والمال، ويقيم لهم العُراضات والاحتفالات عند انتخابهم، وعند انتهاء ولايتهم.

ولأنّنا شعبٌ يبارك لرجالِ الدينِ الذين يشجعون على قتل "الشاذ" و"الشاذة" و يباركون زواج القاصرات.
 
نعم يا حضرة الوزير المولوي، ويا حضرة الوزير المرتضى "عليه" يا من "أزعَجْنا سَكِينَتَك و"هززنا بَدَنَكَ" وشغلناك عن شغلك، وهدَّدْنا أمْنَك باللونِ الزهري.

نَعَم. معَكَ حقّ أن تمنعَ العَرض.

فعلاً إنَّ قِيَمنا الأُسَرِيّة والاجتماعية الحالية قد تُهدّدُها الثقافةُ الزهريّة، وطبعاً قوس القزح، إذ ثقافتُنا باتت ثقافة عنيفة وسوداوية، وهذا فعلاً، ليس قريباً من ثقافة باربي الزهرية.
 
* أستاذة جامعية
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium