جاء في كتاب وزير الثقافة اللبنانية محمد المرتض، الذي وجّهه الى الأمن العام اللبناني لاتّخاذ كلّ الإجراءات اللّازمة لمنع عرض فيلم باربي، أنّه "لدى التدقيق، تبيّن أنَّ فيلم "باربي" المُزمع عرضه قريباً في دور السينما اللبنانية، يتعارضُ مع القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، إذْ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسيّ، ويُسوّق فكرةً بشعةً مؤدّاها رفض وصاية الأب، وتوهين دور الأم وتسخيفه، والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة".
ما الذي يمدّ وزير الثقافة بهذه الطاقة للاستشراس في الدفاع عن موقفه بمنع عرض فيلم باربي، في مواجهة وسيلة إعلامية وبعض النواب وأصوات عديدة من المجتمع المدني؟ رغم أن الأمن العام اللبناني، المحافظ عادة والمتشدد أحياناً، لم يرَ أي سبب يستدعي منع عرض الفيلم، كما أن دولاً عربية محافظة ومتديِّنة وافقت على عرضه! فماذا في خلفية موقف الوزير؟
باربي هي لعبة الفتيات، وألعاب الفتيات لطيفة ومسالمة، والوزير على الأرجح، تستفزّه "الميوعة" ويفضّل ألعاب الصبيان، وأهمها لعبة الحرب.
كما أن باربي غير محجّبة، وربما كان من بين الذين يعتبرون السفور خطيئة يعاقب عليها الله، فاختار أن يعاقبها هو باسم الله.
أخطر من ذلك أن باربي تعلّم الفتيات التشبّه بها، والاهتمام بجمالهن وأنوثتهن، ما يُفسد أخلاقهن وأخلاق الرجال، ويحفّز الاثنين على ارتكاب الفحشاء.
ألا تكفي هذه المعاصي التي روّجت لها لعبة باربي، حتى يأتي فيلم باربي ليزيد الطين بلة؟
فيلم باربي فيلم خيالي إلى حد اللاواقعية، وللخيال هامش كبير من الحرية، ويكون بطبيعته معادياً للواقع، فيما معظم سلوكيات الوزير منذ تعيينه، تشير إلى أنه معادٍ للحرية ويجاهد للمحافظة على كل ما يتوافق في هذا الواقع مع مصالحه الحزبية والمذهبية والعقائدية، التي باتت تحدد مسار البلاد. فلماذا تريدونه أن يسمح لهذا الخيال من الدخول إلى الفضاء الذي يُحكم فريقه السياسي السيطرة عليه؟
لا أعرف إذا كان الوزير قد تجرأ وحضر الفيلم، أم أنه خاف، نائياً بنفسه وعقله عما يمكن أن يربكهما. لكنه بالتأكيد أصبح لديه بعض المعلومات عن هذا الفيلم، الذي لم يجد فيه الأمن العام ما يستوجب المنع.
لكن الوزير لا يهمه رأي الأمن العام الذي يستند إلى القانون اللبناني، إذ إن محمد المرتضى يمثّل في الحكومة، من سبق أن اعتبر أن الضعيف وحده هو الذي يلجأ الى القانون والقضاء في صراعاته السياسية.
قيل إن موقف الوزير نابع أساساً من كون الفيلم "يروّج" للمثلية الجنسية. لفتني دائماً أن أكثر المصابين برهاب المثلية الجنسية، هم دعاة المثلية الاجتماعية، أي دعاة الالتفاف حول العائلة والعشيرة والمذهب، والابتعاد عن التآخي مع كل من هو من خارجها. رغم ذلك لا أعتقد أن تطرّق الفيلم إلى المثلية الجنسية، وكما أشيعَ في الإعلام، هو أكثر ما أغضب الوزير الذي قرر منع عرضه.
على الأرجح أن ما أغضبه أكثر من موضوع المثلية، وهذا واضح في كتابه إلى الأمن العام، هي قيم المجتمع الأمومي الذي أعاد الفيلم التذكير بها وقام بإعلاء شأنها، هذا المجتمع الذي بدأت به البشرية مسيرتها الأولى. والأنكى من ذلك أن الفيلم راح يقارن المجتمع الأمومي مع المجتمع الأبوي الذي نعيش البؤس في كنفه.
فهل يمكن لـ"عقل" الرجل الذي يمثله الوزير، أن يتقبّل قيم مجتمع ترأّسته المرأة لسنوات طويلة قبل أن ينقلب عليها الرجل ويؤسس لمجتمعه الأبوي، ويُحصّنه بالسلاح والملكية الفردية والأديان والقوانين وكل ما يُنتج الأفكار، من العائلة إلى المدرسة إلى الإعلام؟
لا شك أن الوزير يكره باربي كرهاً شديداً، ما جعلني أتخيّله وهو جالس في مكتبه، واضعاً لعبة باربي في حضنه، بعد أن اشتراها له سراً أحد مرافقيه الموثوقين، ومستمتعاً بنتف شعرها، خصلة خصلة.