محمود القيسي
"كلّما دارت الشّمس
ألمح غاباتٍ بأكملها تحترق…
وألمح مدنًا متطلّبة
تشعلها عقارب السّاعات،
يا لها من مذبحة، حزينة، وقاسية!
تمامًا مثل كلّ هذه الحيوات الفارغة
من المستقبل".
الشاعرة أليسيا غاليان
عادة ما نقرأ في كتب علم الفلك والفيزياء الحديثة كي نستكشف مفهوم الكون وتاريخه وطبيعته وما توصلت إليه الدراسات الحديثة للكون والمفاهيم العلمية المرتبطة به، بدءًا من النظريات الكلاسيكية للفيزياء مثل النسبية العامة لألبرت أينشتاين والميكانيكا الكمية، وصولًا إلى النظريات الحديثة مثل نظرية الأوتار ونظرية الانفجار الكبير والانتشار المستمر... نقرأ مفاهيم مثل البُعد الرابع والثقوب السوداء والاندماج النووي والطاقة المظلمة والمادة المظلمة أيضًا. نقرأ للوصول إلى التطور العلمي في فهمنا للكون وكيف تتغير النظريات والمفاهيم عبر العصور. نقرأ الفيزياء وعلوم الفلك والعلوم الأخرى من أجل فهم أساسيات الكون وعمق تعقيداته بطريقة نستطيع من خلالها فهم العمل السياسي وممارسته بطريقة أخرى تراعي وتأخذ في الاعتبار جميع العلوم الأخرى... سواء كنا نلعب بالعالم المجهري الغريب أو نتطلع إلى الامتدادات اللانهائية للفضاء، فإن العام المنصرم 2022 (كان عاما مليئا تماما بالفيزياء الرائدة) كما جاء على موقع "لايف ساينس" من ناحية علماء الفيزياء وعلومها والاكتشافات الجديدة... في حين (كان عامًا مليئًا تمامًا بالسياسات العبثية وحروبها العدمية المدمرة) من ناحية أباطرة السياسة وتجارها.
نعم، كان العام المنصرم عامًا مليئًا بالاكتشافات الجديدة المذكورة ادناه والتي ذكرت "لايف ساينس" في هذا السياق انه سيتم فحصها وإعادة صياغة تلك النتائج بدقة قبل التأكيد الكامل. ولكن إذا صمدت، يمكن أن تفتح النموذج القياسي للكشف عن فيزياء جديدة فجّرت أذهاننا. وتضيف انه مهما حدث، سنكون على يقين من مراقبة القوانين الأساسية للكون لأي تغييرات مفاجئة في عام 2023:
1- "الاندماج النووي يصل للاشتعال"... في كانون الاول/ ديسمبر 2022، استخدم العلماء في منشأة الإشعال الوطنية (NIF) التي تمولها الحكومة الأميركية في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا أقوى ليزر في العالم لتحقيق شيء كان علماء الفيزياء يحلمون به منذ ما يقرب من قرن – اشتعال حبة وقود بواسطة الاندماج النووي. ويمثل العرض التوضيحي المرة الأولى التي تتجاوز فيها الطاقة الخارجة من البلازما في النواة النارية للمفاعل النووي الطاقة التي يبثها الليزر، وكانت دعوة حاشدة لعلماء الاندماج بأن الهدف البعيد هو طاقة نظيفة غير محدودة وشبه غير محدودة وهو في الواقع قابل للتحقيق.
2- "ناسا تصطدم عمدًا بكويكب لتحويل مساره"... في أيلول/ سبتمبر 2022، ضرب علماء ناسا "عين الثور" الفلكية عن طريق توجيه المركبة الفضائية التي يبلغ وزنها 1210 رطلا (550 كيلوغراما)، لاختبار إعادة توجيه الكويكبات المزدوجةDART) ) إلى الكويكب ديمورفوس على بُعد 56 قدمًا (17 مترًا) من مركزه الدقيق. وصُمم الاختبار لمعرفة ما إذا كانت مركبة فضائية صغيرة مدفوعة على طول مسار مخطط يمكنها، مع إعطاء مهلة كافية، إعادة توجيه كويكب من تأثير كارثي محتمل على الأرض.
3- "تجربة محرك الالتواء لتحويل الذرات إلى غير مرئية يمكن أن تضيف صدقية لتنبؤات ستيفن هوكينغ الشهيرة"... اقترح الفيزيائيون تجربة جديدة تماما لتسريع الإلكترون إلى سرعات الضوء، وتحويله إلى غير مرئي وتحميمه في فوتونات الإشعاع، أو حزم من الضوء. وكان هدفهم هو اكتشاف تأثير Unruh، وهي ظاهرة افتراضية لم تُشاهد بعد، والتي تقول إن الجسيم الذي يسافر بسرعة الضوء يجب أن يعطي طاقة كافية للفراغ المحيط لإنشاء تيار من الجسيمات الافتراضية، ما يغمره في توهج الكمّ الأثيري. ونظرًا لأن التأثير مرتبط ارتباطا وثيقا بتأثير هوكينغ - حيث تظهر الجسيمات الافتراضية المعروفة بإشعاع هوكينغ تلقائيا عند حواف الثقوب السوداء - ويرتبط كلا التأثيرين بالنظرية المراوغة للجاذبية الكمومية، لطالما كان العلماء حريصين على اكتشاف أحدهما كإشارة إلى وجود الآخر.
4- "العلماء يرسلون المعلومات من خلال أول محاكاة لثقب دودي ثلاثي الأبعاد"... استخدم الفيزيائيون جهاز الكومبيوتر الكمّي Sycamore 2 من Google لمحاكاة أول ثقب دودي ثلاثي الأبعاد على الإطلاق ونقل المعلومات من خلاله. لم يتم إنشاء الصدع "الصغير" عبر الزمان بالجاذبية، ولكن من خلال التشابك الكمّي - ربط جسيمين أو أكثر بحيث يؤثر قياس أحدهما بشكل فوري على الآخر - وقد تم إجراؤه جزئيا لاختبار نظرية مفادها أن الكون عبارة عن صورة ثلاثية الأبعاد تندمج آثارها الكمومية ذات الأبعاد المنخفضة مع الجاذبية لتصبح واحدة. وأدى نجاح تجربتهم إلى إنشاء نظام جديد تماما يمكن استخدامه لاختبار تقاطع ميكانيكا الكمّ والجاذبية، ومعرفة ما إذا كنا جميعا مجرد صور ثلاثية الأبعاد بعد كل شيء.
5- "الصورة الأعمق والأكثر تفصيلا للكون على الإطلاق"... أخيرا، أحضرت وكالة ناسا تلسكوب جيمس ويب الفضائي على الإنترنت، وكشفت النقاب عن أول صورة كاملة الألوان لها باعتبارها أعمق صورة للكون وأكثرها تفصيلا يتم التقاطها على الإطلاق، وتسمى "الحقل العميق الأول لويب". تبدو الصورة بعيدة جدا لدرجة أن الضوء الذي تلتقطه يأتي من عندما كان عمر كوننا بضع مئات من ملايين السنين، تماما عندما بدأت المجرات في التكوين وبدأ الضوء من النجوم الأولى في الوميض. ولكن على الرغم من العدد المذهل من المجرات في المنظر، فإن الصورة لا تمثل سوى قطعة صغيرة من السماء - بقعة السماء محجوبة بحبة رمل مثبتة على طرف إصبع بطول الذراع.
6- "جسيم بدائي من فجر التاريخ ينبع من حساء البلازما"... هناك أكثر من طريقة للنظر إلى الماضي. في كانون الثاني/ يناير، أعاد علماء الفيزياء في مصادم الهادرونات الكبير، أكبر محطم للذرات في العالم، إنشاء الكون بعد مائة من المليار من الثانية بعد الانفجار العظيم من خلال تحطيم أيونات الرصاص معا لصنع بلازما كوارك غلوون - وهي حساء هائج من الجسيمات الأولية التي تحتوي على لبنات بناء مادة الكون. ومن حساء البلازما هذا، وسط تريليونات من الجسيمات الأخرى، ظهر جسيم X)). وسُمي الجسيم X) ) بسبب بنيته غير المعروفة، وقد ظل بعيد المنال لأنه قصير العمر للغاية، ويتحلل على الفور تقريبا إلى جسيمات أكثر استقرارا. وقام الفيزيائيون بغربلة المليارات من التفاعلات للعثور على هيكل الانحلال الفريد هذا، واستخرجوا حوالى 100 جسيم من مجموعة البيانات الهائلة. والآن وقد وجد الفيزيائيون توقيعه، يريدون معرفة هيكله.
7- "تعرّف علماء الفلك على انفجار نووي حراري كبير لدرجة أنهم يضطرون إلى منحه فئة جديدة"... لم يكن الانفجار العظيم الانفجار الكبير الوحيد الذي خضع للتحقيق عام 2022. في عام 2011، رأى علماء الفلك نجما ميتا على حافة مجرة درب التبانة ينفجر بطريقة شديدة العنف لدرجة أنهم اقترحوا في هذا العام فئة جديدة تماما من الانفجار النووي الحراري، ويُعرف بالنجم النيوتروني - تمزيق كرات من الغاز من نجم مصاحب، فقط لينفجر الغاز عند الاصطدام بمجرد ملامسته لسطح النجم النيوتروني. النتيجة؟ أقوى انفجار منفرد تم اكتشافه على الإطلاق في نجم نيوتروني، والذي أطلق طاقة في ثلاث دقائق أكثر مما تطلقه الشمس في 800 عام.
8- "علماء فيزياء الجسيمات يحاولون كسر الفيزياء مرة أخرى"... لن تكتمل سنة في الفيزياء من دون محاولة واحدة على الأقل لكسر أفضل نموذج حالي لدينا للواقع. قام محطم ذرة في Fermilab في إلينوي بقياس كتلة W boson، وهو جسيم أساسي وحامل القوة للقوة النووية الضعيفة، باعتباره أثقل مما توقعه النموذج القياسي، وهو الوصف السائد للجسيمات دون الذرية.
العالم يتقدم بخطى واثقة نحو فيزياء جديدة في حين يعود القهقرى إلى سياسات قديمة تشبه إلى حد ما مرحلة (الحرب الباردة)... ومرحلة ما قبل (قمة ماو تسي تونغ وريتشارد نيكسون)... وأزمة الصواريخ والمواقف النووية المتشددة بين نيكيتا خروتشوف من خلف المتراس السوفياتي وحلف وارسو الذي كان يضم الاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية وبولندا والمجر ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وألبانيا التي انسحبت لاحقاً عام 1968. وجون كينيدي من المتراس الأميركي وحلف الناتو... والشيفرات النووية والخطابات العالية المزلزلة على إيقاع سيمفونية رثاء العالم ودفن حضارة البشرية والكائنات الأخرى من دون استثناء… نعم، العالم ورغم تفوق علوم الفلك والفيزياء والتكنولوجيا الذكية يسير بخطى سريعة في (حروبه الساخنة) مجددا نحو هلاك نفسه على قاعدة "السياسة فن الموت وليس الممكن" في حقبة تغول الرأسماليات والإمبرياليات على مقياس القاعدة الأحادية: (أنا أو لا أحد)…القاعدة التي أصبحت دستور السياسة الوحيدة والتي تتوجت في العام 2022 في الحروب والأمراض والمجاعات… بناءً على تقارير (الأمم المتحدة) التالية على سبيل المثال وليس الحصر:
نبدأ من أخطر 5 أزمات اقتصادية مرت بالعصر الحديث: من أزمة الائتمان سنة 1772... إلى أزمة الكساد الكبير في الفترة بين 1929 و1939... إلى أزمة او صدمة أسعار نفط منظمة "أوبك" عام 1973... إلى الأزمة الاقتصادية الآسيوية عام 1997... إلى الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007-2008 التي كانت أشد أزمة مالية منذ "الكساد الكبير"، وألحقت الخراب بالأسواق المالية في جميع أنحاء العالم، فقد أدت الأزمة التي أثارها انهيار (فقاعة الرهن العقاري) المرتبط بسياسة الإسكان في الولايات المتحدة، إلى انهيار مصرف "ليمان براذرز" الذي كان أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، ودفعت بالعديد من المؤسسات المالية والشركات الرئيسية إلى حافة الانهيار، وتطلبت من السلطات التدخل بعمليات إنقاذ حكومية بمبالغ غير مسبوقة في التاريخ.
واستغرق الأمر ما يقرب من عقد من الزمن حتى تعود الأمور إلى شبه طبيعتها، بعد القضاء على ملايين الوظائف ومليارات الدولارات من المداخيل... هل وقع العالم في فخ الأزمة الاقتصادية العالمية السادسة الآن؟ دخل العالم في أيامنا هذه وتحديدًا منذ عام 2022 في متاهة تضخم وديون باتت تشكل قنبلة يمكن أن تنفجر باقتصاده بين لحظة وأُخرى، مع استفحال الغلاء وشح السيولة في العديد من الدول حول العالم لأسباب مختلفة. الأزمة التي تُنذر بها المؤشرات بانهيار محتمل، للاقتصاد العالمي كله من دون استثناء... إنهيار فقاعة اخرى... مجرد فقاعة... في عصر الفقاعات الساخنة.
نبدأ أيضًا بالحرب في أوكرانيا، فعقب إعلان روسيا عن "عملية عسكرية خاصة في دونباس" في شباط/فبراير 2022، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الرئيس فلاديمير بوتين "باسم الإنسانية" من أجل إعادة القوات الروسية "إلى روسيا" "وعدم السماح بأن تبدأ في أوروبا ما يمكن أن يكون "أسوأ حرب منذ بداية القرن" من دون أن يتناول الأسباب الوجودية وراء هذه الحرب الوجودية. بعد ذلك بأسبوع، أي في 2 آذار/مارس، اعتمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارا يدين "بأشد العبارات عدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا" في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة ويطالب روسيا "بالكف الفوري عن استخدام القوة" ضد الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية.
في أيلول/سبتمبر 2022، استضاف مقر الأمم المتحدة في نيويورك "قمة تحويل التعليم". في افتتاح القمة، دعت ملالا يوسفزاي، الحائزة جائزة نوبل للسلام القادة إلى "عدم تقديم تعهدات صغيرة وشحيحة وقصيرة الأجل"، ولكن بدلا من ذلك "الالتزام بدعم الحق في إكمال التعليم وإغلاق فجوة التمويل إلى الأبد" وليس مجرد قمم وكلام... وقالت ملالا: "خصصوا 20 بالمائة من ميزانياتكم للتعليم... ينبغي على البلدان ذات الدخل المرتفع زيادة المساعدات وإلغاء الديون ووضع نظام ضريبي عالمي عادل حتى تتمكن البلدان ذات الدخل المنخفض من إنفاق المزيد على تعليم الفتيات".
وفي "مداولات الجمعية العمومية"... وبعد أيام - أي في 20 أيلول/سبتمبر 2022 - تم افتتاح المناقشة الرفيعة المستوى للجمعية العمومية في نيويورك. متحدثا في الجلسة الافتتاحية، قال الأمين العام إن "العالم في ورطة كبيرة، والانقسامات تزداد عمقا، وأوجه عدم المساواة تتسع، والتحديات تنتشر أبعد". وقالت رئيسة وزراء باربادوس ميا أمور موتلي، مخاطبة المناقشة العامة في 22 أيلول/سبتمبر، "إن مجلس الأمن الذي يحتفظ بحق النقض في أيدي حفنة قليلة سيظل يقودنا إلى الحرب، مثلما رأينا هذا العام".
في محاولة للتصدي لتغير المناخ، استضافت الأمم المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP27)) في تشرين الثاني/نوفمبر في شرم الشيخ، مصر. بعد مفاوضات مكثفة، توصلت الدول المشاركة في المؤتمر إلى اتفاق بشأن إنشاء آلية تمويل لتعويض المتضررين عن "الخسائر والأضرار" الناجمة عن الكوارث التي يسببها المناخ. وقال غوتيريس: اتخذ مؤتمر الأطراف هذا خطوة مهمة نحو العدالة. أرحب بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار وتفعيله في الفترة المقبلة." وشدد على أن ذلك "لن يكون كافيا"، لكنه إشارة سياسية تمس الحاجة إليها لإعادة بناء "الثقة المهدومة".
استمرت (جائحة أو "حروب" كوفيد-19) خلال عام 2022. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في أيلول/سبتمبر إن "الجائحة لم تنتهِ بعد"... جاء ذلك خلال فعالية عقدت على هامش مناقشات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. نعم، لم تنتهِ بعد وتستمر في التسبب بخسائر كبيرة في الأرواح وسبل العيش... في حين خلال صيف 2022، أعلنت منظمة الصحة العالمية أيضا أن تفشي مرض جدري القردة - الذي سمي في ما بعد MPOX على مستوى العالم يمثل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا. وقال الدكتور تيدروس إنه يمكن إيقاف التفشي باتباع الاستراتيجيات الصحيحة للمجموعات المناسبة. وحذر من أن (وصمة العار والتمييز) قد تكون خطرة مثل أي فيروس... فيروس عنصري.
"مذبحة مناخية في باكستان"... كما تميز عام 2022 بكوارث طبيعية، مثل إعصار امناتي المداري، وهو رابع عاصفة استوائية تضرب مدغشقر في بداية العام، وكذلك فيضانات باكستان. في تصريحات أدلى بها عقب جولة ميدانية في المناطق المنكوبة بالفيضانات في 10 أيلول/سبتمبر، قال الأمين العام للأمم المتحدة: "لقد رأيت العديد من الكوارث الإنسانية في العالم، لكنني لم أرَ قط مذبحة مناخية بهذا الحجم. ببساطة تخونني الكلمات لوصف ما رأيته اليوم: منطقة غمرتها المياه تبلغ ثلاثة أضعاف المساحة الإجمالية لبلدي، البرتغال".
"الجفاف والجوع يفتكان بالقرن الأفريقي"... على مدار عام 2022، قامت وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة بتوسيع نطاق مساعداتها في القرن الأفريقي مع ارتفاع مستويات الجوع بعد موجات الجفاف المتتالية، والتهديد بالمجاعة الذي يلوح في الأفق. وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بحلول آب/ أغسطس، انزلق تسعة ملايين شخص إضافي إلى حالة انعدام الأمن الغذائي الشديدة في إثيوبيا وكينيا والصومال منذ بداية العام 2022، مما ترك 22 مليون شخص يكافحون في سبيل الحصول على ما يكفي من الغذاء.
يعاني في الصومال أكثر من سبعة ملايين شخص - ما يقرب من نصف السكان - من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويواجه 213 ألفا ظروفا شبيهة بالمجاعة... نحن نرى الآن 20 مليون شخص يقتربون من المجاعة في القرن الأفريقي، 7 ملايين شخص منهم في الصومال، وهذا ضعف ما كان عليه قبل 6 أشهر فقط. لماذا؟ أزمة المناخ و"الصراعات والحروب الجوالة" التي تشهدها الصومال وأفريقيا (والعالم كله) إلى جانب الموسم الأكثر جفافا الذي شهدناه منذ عقود، حيث احتجبت الأمطار لأربعة مواسم على التوالي. فقد الناس الأمل، لكن في برنامج الأغذية العالمي هناك من يقول، (إذا حصلنا على الدعم والمال الذي نحتاجه)، يمكننا إنقاذ الأرواح ويمكننا أن نبث الأمل..! الأمل المفقود على ما أعتقد في عالم يطير بجناح من نور ومعرفة وفيزياء جديدة... وجناح من نار ودم وسياسات وحروب قديمة..!؟
تحيي الجمعية العمومية في هيئة الأمم المتحدة هذه السنة ذكرى مرور خمسة وسبعين عاماً على نكبة فلسطين من دون ان تصل بنا القرارات الدولية سوى الى "محطة" اوسلو، او إتفاق اوسلو... اوسلو، الإتفاق الذي تدحرج إلى اللاشيء... تدحرج من آخر الممكن كما سمّاه وبرره البعض، أو من آخر المتاح كما سمّاه وبرره البعض الآخر المستعجل على نار التسويات... أو وُضع في يد الفلسطيني واختباء الجميع خلف ستارة العرض المسرحي والكوميديا السوداء... وتدحرج ذلك الشيء أو اللاشيء حتى وصل الى إتفاق غزة - أريحا، ثم اتفاق باريس الاقتصادي، ثم اتفاق طابا - أوسلو 2، أو نفاق وخديعة اوسلو، ثم "واي ريفر" الأول والثاني، ثم خريطة طريق مقطعة الأوصال... خريطة هويات الكلمات والمدن والاحياء والقرى والبيوت المقطعة..!
وهكذا دواليك إتفاقية تلو الأخرى... وصولاً إلى اللاشيء الذي نعيشه في هذه الايام العبثية كل يوم وكل عام... لقد "اجتر" أسلو، أو ذلك الشيء أو اللاشيء الكيانية الفلسطينية وحلم العودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وسنين العمر والنضال الفلسطيني الطويل... والتضحيات الجسام، حتى تلاشت ممثلية الشعب الفلسطيني الوحيدة "منظمة التحرير الفلسطينية" لحساب "سلطة الحكم الذاتي"، أو لمجرد (اعتراف مقابل اعتراف)... في حين تواظب الأمم المتحدة على عقد الاجتماعات الدورية... والإدانات الدورية... وإصدار القرارات الدورية... وإحياء الذكرى الدورية... ذكرى احتلال فلسطين الدورية... في الذكرى السنوية الدورية !!!