المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر
النص موضوع التعليق: احكام المادة (22) التي أجازت للمكلفين بالضرائب والرسوم التي تحققها وتحصلها مديرية المالية العامة وضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ نفاذ القانون تسديد الضرائب والرسوم والغرامات المتوجبة عليهم عن الفترات السابقة لتاريخ 15/11/2022 من حساباتهم المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان بتاريخ سابق لـ 18/10/2019، وذلك على أساس 40 % من سعر الدولار الأميركي على منصة صيرفة.
بدايةً، لا بدّ من التوضيح بأن مشروع قانون الموازنة تتضمن عدد من المخالفات الجسيمة، إلاّ أننا سنقتصر التعليق الراهن على نص المادة (22) منه الذي فرض في طياته تشريع لهيركات غير قانوني بنسبة 60% على الودائع، إضافة إلى إعتماده التسديد البدلي لعملة الحساب المصرفي، والتفرقة بين الحسابات، مما جعله يتناقض مع أحكام الدستور والنصوص القانونية المرعية الإجراء، للأسباب التالية :
1- لمناقضته الدستور اللبناني ومقدمته لا سيما لناحية هتكه الملكية الخاصة.
تتناقض هذه المادة مع احكام الدستور اللبناني من ناحيتين:
- الأولى: مع مقدمته لا سيما الفقرة "باء" منه، لا سيما الإتفاقيات الدولية ذات الصلة التي
أسبغت بدورها الحماية على الملكية الخاصة كمبادئ قد تعهدت الدولة ان تجسدها في جميع الحقول والمجالات دون إستثناء، إضافة إلى الفقرة "واو" منه التي كفلت الليبرالية كنظام إقتصادي حُر يحترم ويقدس حق الملكية المتصل بها.
- الثانية: مع صراحة نص المادة (15) منه.
سنداً لما تقدم،
وبما ان الودائع هي ملكية خاصة لا يمكن المسّ بها او التعرض إليها سواء أكان ذلك بصورة مباشرة و/أو غير مباشرة وفق أحكام الدستور،
وبما ان عامل الثقة الإئتمانية يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالودائع ، وأي خلل بهذه الثقة يشكل خرقاً للدستور اللبناني ويحمل في طياته جرم الخيانة العظمى، الأمر الذي دفعنا إلى التعليق الراهن على نص المادة الرقم (22) من مشروع الموازنة، منبهين من خطورته، وطالبين عدم إعتماده وإهماله كلياً.
2- لعدم صلاحية وإختصاص الحكومة ومجلس النواب التدخل بتعديل العقود الموقعة بين المودع والمصرف التجاري لمخالفة ذلك احكام المواد /221/ و/299/ من قانون الموجبات والعقود.
ان إطار العلاقة التعاقدية بين المودع والمصرف محصورة بينهما، وبالتالي فإن اي طرف أخر يعتبر من الغير ولا يجوز له قانوناً التدخل في مسار العقد الأساسي او تعديل احكامه او التقليل من ضماناته، لا سيما وانه يُستنبط من أحكام المادة /221/ من قانون الموجبات والعقود مبدأٌ قانونيٌ عامٌ وهو "العقد شريعة المتعاقدين"، وهو ما يعرف باللاتينية Pacta Sunt Servanda. ومعنى ذلك، أنّ العقد الموقّع يُعتبر القانون الخاص الأسمى بين أطرافه الواجب التقيّد بمنطوقه طالما أنّه غير مخالف لأحكام النظام العام، ويوجب على فريقيه إلتزام عدم الحيد عن مندرجاته، أو الاحتيال على آلية تنفيذه، لأن القوة والمكانة التي منحه إياها القانون جعلته يعلو على أيّ نص آخر سنداً للمبدأ القانوني "النص الخاص يقدّم في التطبيق على النص العام". وعلى ما تقدم، لا يسع اي طرف في هذه العلاقة التحجج بالغير لتعديل العقد وحال حصل يعتبر مسؤول امام الطرف المعاقد له،وهذا عينه يسري على اي شخص خارج عن العلاقة التعاقدية الذي يمتنع عليه ان يخرق او ينتهك او ان يعدل بمندرجات أحكام عقد ليس طرفاً فيه.
هذا وبما أنّ الفقرة الأولى من أحكام المادة /299/ من قانون الموجبات والعقود قد وضعت مساراً حكمياً في تنفيذ العقود يقتضي بموجبه إيفاء الشيء المستحق نفسه؛ وشدّدت على أنه لا يُجبر الدائن على قبول غير هذا الشيء المستحق حتى وإن كان أعلى قيمة. أي أنّ عقد الحساب المدرج بالعملة الأجنبية لدى المصرف يوجب عليه التزام التسديد كاملاً غير منقوص من المودع وبالعملة عينها، وذلك حتى في الحالة التي يكون فيها هذا الإيفاء المقترح من المصرف (المدين) أعلى قيمة من المتوجب لمصلحة المودع (الدائن). وما يثبت أنّ الودائع لا تُردّ إلا بالدولار الأميركي أي بعملتها هي تصاريح الحاكم السابق التي أفاد بموجبها أنّ المصرف المركزي قد سدّد للمصارف مال المودعين وحدّد القيمة بالدولار الأميركي وذلك بالرغم من أنها قد سددتها بالليرة اللبنانية؛ وهذا ما يثبت أنّ القيد المحاسبي بالعملة الأجنبية لا يسدّده سوى عملته، وبهذا فإن النص موضوع التعليق المتجه إلى تشريع الهيركات يمسي متناقض مع كتلة المشروعية في الجمهورية اللبنانية مما يجعله باطلا بطلاناً مطلقاً.
3- لمخالفتها المواد الرقم /307/ و/711/ و/714/ من قانون الموجبات والعقود والمواد /304/ حتى /314/ من قانون التجارة والمواد /123/ و/229/ من قانون النقد والتسليف ولا سيما أسبابه الموجبة التي تنص صراحةً على أنّ استرداد المودع لوديعته المنصوص عليها في المادة /307/ تجارة "يكون تماماً كاستردادها من صندوقه الخاص".
تنص المادة /711/ من قانون الموجبات والعقود على ما يلي: "يجب على الوديع أن يرد الوديعة عينها والملحقات التي سلمت إليه معها بالحالة التي تكون عليها مع الاحتفاظ بتطبيق أحكام المادة 714"، وبالتالي يتوجب على المصرف التجاري الإلتزام برد الوديعة عينها مع ملحقاتها بالعملة عينها التي اودعت فيها ولا يحرره من ذلك اي قرار لاحق صادر عن طرف ثالث، ويتعزّز هذا المبدأ في قانون التجارة البرية الذي أفرد له الباب الخامس بعنوان "عمليات المصارف"، ويمتدّ من المادة /307/ إلى المادة /314/. التي تحدّد طبيعة الوديعة سواء أكانت أوراقاً مالية أم مبالغ مالية أم مال يودع في الصناديق الحديدية، وقد ورد في المادة /307/ ما حرفيته: "إن المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود يصبح مالكاً له ويجب عليه أن يردّه بقيمة تعادل دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع أو بحسب المهل أو الإعلان المسبق المعين في العقد"، كما يتكرّس نصّ المادة /307/ من قانون التجارة بنصّ واضح وصريح ورد في المادة /123/ من قانون النقد والتسليف ورد فيه:" تخضع الودائع لأحكام المادة 307 من قانون التجارة". وأكثر فإن الأسباب الموجبة لقانون النقد والتسليف الموجبة قد نصت صراحةً على أنّ استرداد المودع لوديعته المنصوص عليها في المادة (307) تجارة "يكون تماماً كاستردادها من صندوقه الخاص".
الأمر الذي يجعل من المادة (22) من مشروع قانون الموازنة المعترض عليه، متناقضة مع المواد القانونية المشار إليها، كما ومع مبدأ وجوب إعادة الوديعة عينها، إضافة إلى أنها قد أوجدت حالة من التفرقة غير الدستورية بين الحسابات المصرفية، مما يجعلها فاقدة لمشروعيتها القانونية ويقتضي إهمالها برمتها وعدم الأخذ باه.
4- لأنها تشكل في طياتها أخذاً غير مشروع لحقوق الغير بقصد التملك ودون أي جه حق ويرمي إلى تعزيز سياسة الإفلات من العقاب وتطبيق القانون.
يحاول النص المعترض عليه تشريع مفاعيل التعاميم السابقة الصادرة عن المصرف المركزي والتي أحجبت عن المودع حقه بتسلم وديعته بعملتها، وفرضت عليه هيركات وألزمته على قبول التسديد البدلي،
وبما أن هذا المودع حين يسحب وديعته بالعملة الأجنبية بالصورة البدلية يكون قد تنازل عن الدولار الذي يملكه للمصرف الذي يرتبط معه بعقد كما وللمصرف المركزي مقابل تسديد بدلي لا يحقق كامل القيمة المتوجبة، لا سيما هنا، وأن الفارق بين السحب البدلي مقابل كل دولار أميركي وبين السعر الحقيقي للدولار الأميركي المحدد في السوق الموازية والمعتمد من الإقتصاد برمته يقع بدون وجه حق لصالح كل من المصرف التجاري المفتوح لديه الحساب والمصرف المركزي،
وبما ان هذا الفارق المحدد وفق احكام المادة (22) من مشروع قانون الموازنة بـــ 60% يتم تسديده رغماً عن المودع ومن جيبه بغية تمويل المصارف والمصرف المركزي وعجز الحكومة، أي بعبارة أخرى يصبح القطاع المصرفي بفعل هذه القرار قد موّل جميع ميزانياته وميزانية الحكومة من جيب المودع وبطريقة لا ترتقي إلاّ إلى مصاف (قطاع الطرق) لا سيما وأن هذا المودع وأمام ما يعانيه الإقتصاد من إنهيار وتقهقر الأعمال بات مُلزم بالسحب البدلي هذا لتمكينه من العيش، أي وكأن الأزمة مساقة بهدف مدّ اليد إلى صاحب الحساب بالعملة الأجنبية، الأمر الذي يناقض كل المواثيق الدولية ذات الصلة وكتلة المشروعية في الجمهورية باللبنانية ومنطلق القوانين كافة، ويحتم علينا إبداء التعليق الراهن على هذه المادة موضوع الكتاب والطلب إهمالها برمتها وعدم الأخذ بها.
5- لأنها شكلت تعدِّ على نصّ المادتين الرقم /9/ و/10/ من المرسوم الإشتراعي الرقم 120 لعام 1983 والتي حددت بأن سعر الصرف يتبين من خلال عمليات تجري في ردهة.
نصت احكام المادة المعترض عليها بأن سعر الصرف يتم تحديده وفق منصة صيرفة، وهنا نفيد بأنه ومنذ العام 1983 صدر المرسوم الإشتراعي (قانون) حصر بشكل بات وتام وناجز مهمة التداول بالنقد في ردهة البورصة المكان الطبيعي لتداول العملات ، وقد نصت مادتاه التاسعة والعاشرة منه على الآتي:
ا
لمادة 9: يحصر حق القيام بالعمليات داخل البورصة في سوق المعادن غير الحديدية بما فيه المعادن الثمينة والمواد الاولية والعملات:
1- في المصارف العاملة في لبنان.
2- في العملاء المعطى لهم حق التوسط في عمليات بيع وشراء الصكوك المالية في البورصة.
3- في المؤسسات المالية والصيارفة الذين تقبلهم لجنة البورصة.
المادة 10: لا تعتبر حاصلة في البورصة اية عملية بيع او شراء تتعلق بالمعادن غير الحديدية بما فيه المعادن الثمينة والمواد الاولية، والعملات الإ اذا جرت في المكان المخصص لهذه الغاية داخل البورصة ويدعى الردهة من دون اي مكان سواه.
ومن خلال تلك العمليات المرتبطة بالنظام الليبرالي المعتمد لنظام السوق الحُرّ، يتم بيان سعر الصرف الرسمي للدولار الذي يظهر من خلال بيانات واضحة وشفافة معتمدة في ردهة بورصة بيروت وفق احكام القانون اللبناني، الأمر الذي يجعل من احكام المادة (22) من مشروع قانون الموازنة متناقضة مع نص المادتين (9) و(10) من المرسوم الإشتراعي الرقم(120) للعام 1983.
لــكـــــل هذه الأسباب القانونية، ولسواها المحددة ضمن كتلة المشروعية في الجمهورية اللبنانية جئنا بموجب التعليق الراهن نحذر من خطورة نص المادة الرقم (22) من مشروع قانون الموازنة العامة، طالبين بالنتيجة إهماله كلياً وعدم إعتماده لما يحتويه من مخالفات جسيمة تخرق الدستور اللبناني وتمسّ بحقوق الملكية الخاصة لا سيما وانه قد يترتب من جراء ذلك مسؤوليات قانونية تصيب في أبعادها المسؤولية الشخصية.