مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه
غسّان بيضون
الكهرباء سلعة والمشترك مستهلك؛ وبالتالي فإنّ أحكام قانون حماية المستهلك تنطبق على علاقة المشترك بمؤسسة كهرباء لبنان.
وهذا يعني أنّه في حال إجازة التسعير بالدولار يجب أن يكون هذا التسعير ثانوياً. ويبقى موجب التسعير والإيفاء بالليرة قائماً لأنّه القاعدة والأساس. والتسعير بالدولار استثناء غير ملزم ولمقتضيات مختلفة تتعلّق بإتاحة إمكانية مقارنة الأسعار، ولا يعفي من الالتزام بقانون النقد والتسليف الذي يمنح الليرة قوّة إبراء لا حدود لها.
هذا من حيث القانون؛ أمّا من حيث التطبيق وإصدار الفواتير مسعّرة بالدولار إلى جانب الليرة، وبما أنّ المؤسسة تزعم بأنّها سوف تترك للمشترك الخيار بين الدفع بالدولار أو بالليرة، فنسأل هل يُعقل أن يختار المشترك الدفع بالليرة على سعر دولار الكهرباء المحدّد من قبل المؤسسة بـ ١٠٣،٠٠٠ ليرة، فيما يمكنه أن يشتري الدولارات اللازمة من السوق السوداء بسعر يقلّ حالياً بنسبة ٢٠ في المئة، وتجنّب هذه "الغرامة" المقنعة؟
طبعاً لا يعقل أن يدفع المشترك فاتورته بالليرة على هذا الأساس. وبالتالي فإنّ هذا الخيار هو بحكم الساقط.
أمّا السؤال الآخر الذي يطرحه تدبير الفوترة بالدولار إلى جانب الليرة فهو:
كيف سيتصرّف الجابي عند استيفائه فاتورة تتضمّن قيمتها كسر دولار؟ ومن يضمن أن يسلّم حصيلة ما استوفاه بالدولار إلى صناديق شركات مقدّمي الخدمات، ومن ثمّ إلى المؤسسة بذات العملة التي قبضها، لاسيّما في الحالات التي يمكن أن يشهد سعر صرف السوق خلالها ارتفاعات وتوترات هامة، ويكون للجابي مصلحة في عدم الاعتراف بالعملة التي استوفى بها الفواتير المكلّف جبايتها فعلاً.
وفي مثل هذه الحالات ما الذي يلزم الجابي أو الشركة مقدّمة الخدمات الوسيطة بالاعتراف بعملة استيفاء الفاتورة الفعلية في حال كانت لهما أو لأحدهما مصلحة في تبديل حصيلة جبايتها؟
الفوترة بالدولار هو كالعادة، من التدابير المتسرّعة التي سوف تؤدّي إلى إشكالات تطبيقية وصعوبات في الرقابة على حصيلة الجبايات. وهي تنمّ عن قصر نظر الدافعين تجاهها وفيها دليل على وجود "الروح القدس" الخفية التي ما زالت تعبث في القطاع والمؤسسة والوزارة، وكانت سبباً لذلك الفشل الذريع في تنفيذ الخطط، وأدّت إلى الانهيار التاريخي الذي أفلس الخزينة ومالية الدولة والاقتصاد والمواطن والليرة، وما زالت تداعياته تتفاعل وأوصلت الاقتصاد الى الاختناق الذي نعيشه حالياً.
هذا النهج هو الذي حوّل أزمة الكهرباء إلى كارثة ترقى إلى مستوى الجريمة الوطنية الكبرى!
أخيراً ليت المؤسّسة تلتزم بتطبيق الاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات رقم ٢٥٢٧/ ١٩٩٨، وتجيز للمشترك بالكهرباء والمياه أو الاتّصالات المطالبة بخفض الجعالات والرسوم الثابتة بمقدار انقطاع الخدمة عنه؛
فهل من يسمع ويتّعظ!