غسان صليبي
خبر صحافي أول: "من المعلوم أنّ البجع واللقلق من الطيور البريّة التي لا يؤكل لحمها وهي محميّة دوليّاً أثناء هجرتها، تُسهّل لها عمليّة المرور ومكان الاستراحة وغيرها. وفي هذا الشهر ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي والمنصّات الاعلاميّة بساحة حرب في عكار حيث اجتمع نحو 700 صيّاد وفق ما وصف المشهد أحد الموجودين في الساحة بعد مراقبة ورصد دقيق لمسار طيور اللقلق والبجع المهاجرة، نصبت لها مكمناً محكمًا، فتساقطت الطيور الكبيرة كحبّات البَرَد البيضاء."
"والطيور البريّة تنظّف الطبيعة، تأكل الجيف وبقايا الحيوانات وتحافظ على التوازن البيئي. وهي تمرّ من لبنان تحت حماية القانون المحليّ والقوانين العالميّة لكونها مهاجرة. هنغاريا وبولندا من البلاد التي تناشدنا سنويًّا لندعها تمرّ بسلام للوصول إلى عائلاتها دون أن يُستهدف أحد الأبوين."
السؤال الذي لا سؤال قبله، هو لماذا يقتل لبنانيون هذه الطيور البريّة المهاجرة التي لا يأكلونها؟ لذّة في القتل؟ لذّة في تحقيق الانتصارات ولو على طير مسالم؟ كراهيّة لكل كائن غريب يمر ولو في سمائنا، ولم يلاحظ حتى وجودنا ولا يريد الإستقرار في بلادنا؟ كل واحد من هذه الأسباب، يكفي لتكوين نظرة مرعبة تجاه هؤلاء اللبنانيين، فكيف إذا اجتمع أكثر من سبب لتفسير قتل هذه الطيور البريّة المهاجرة.
خبر صحافي ثانٍ: صرّح مارون الخولي رئيس الإتحاد العام لنقابات عمّال لبنان، وهو يطلق "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري"، ان السوريين "خطر ديموغرافي داهم على لبنان أرضاً وشعباً وثقافةً، خطر ساهم في تدمير إقتصادنا وبنيتنا التحتية وسرقة مياهنا وكهربائنا وفي تلويث أرضنا وهوائنا وثقافتنا وقيمنا".
لن أسأل في هذا النص كيف أن نقابيّاً يوجّه كل نقمته على النازحين السوريين ولا يجهد للتمييز بين مساهمتهم الضئيلة في الأزمة الإقتصاديّة والمعيشيّة التي يعاني منها عمّال لبنان، بالمقارنة مع الدور المركزي التأسيسي والمفضوح والمتمادي الذي تلعبه السلطة والمصرف المركزي والمصارف وبعض أصحاب العمل، في الوصول إلى ما نحن فيه. هل مهاجمة السوريين هو تعويض عن العجز في مواجهة هؤلاء دفاعاً عن حقوق العمال؟ لن اسأل أيضاً عن غياب أي مقاربة نقابيّة لمعالجة اليد العاملة السوريّة، في قطاعات إقتصاديّة مهمّة عملوا فيها قبل النزوح السوري ولا يزالون. ولن أسأل بالطبع عن اللامبالاة الكاملة بحقوق هؤلاء العمّال عشيّة عيد العمّال العالمي، الذي يفترض حداً أدنى من التضامن العمّالي العالمي.
سأكتفي بسؤال واحد أوحد، الى جميع المنخرطين في هذه الحملة من منظمات وأحزاب ووسائل اعلام وأفراد: هل تحتاجون فعلاً لكل هذا الكلام العنصري لتطالبوا أجهزة دولتكم بتطبيق القرارات الحكوميّة والقوانين على النازحين السوريين، في ظل تجاوب كامل من هذه الأجهزة وتواصل سهل مع النظام السوري؟ هل تحتاجون فعلاً لتسمية النزوح السوري بـ"الاحتلال"، وللتركيز على معلومات احصائيّة وعلى مشاهد انتقائيّة مقصودة للتحريض وللدلالة على "إجرام" النازحين و"ثقافتهم المتخلّفة" و"استهتارهم بالمظاهر المدنيّة والمعالم البيئيّة"؟ الا تستطيعون فعلاً طرح هذه المشكلة التي لا يختلف اثنان على وجودها، بأبعادها الديموغرافيّة والإقتصاديّة والمعيشيّة والوطنيّة، في إطار مقاربة قانونيّة تحترم كرامة النازحين وتحافظ في الآن نفسه على مصالح اللبنانيين؟
في العادة، يحاول الظالم التغطية على ظلمه، من خلال الترويج لمساوئ المظلوم، فهل تشعرون أنكم تمارسون الظلم وأنتم تنظّمون هذه الحملة ضد النازحين السوريين؟ ألا تلاحظون هذا التشنّج الخطير الذي تؤججونه بين اللبنانيين والسوريين، والذي لن ينعكس إلاّ مزيداً من الويلات على اللبنانيين والسوريين معاً؟ وعليه، أي مصلحة تخدمون؟ في جميع الأحوال، يبدو الكلام العنصري فاقداً منابعه القومية والوطنية، كما جرت العادة بالنسبة إلى العنصريات الغربية مثلا. فمعظم المنخرطين في الحملة ضد النازحين، لم يبرهنوا في مناسبات أخرى كثيرة، عن دوافع وطنية لتحركاتهم.
لن أجازف بالتسرّع لتبيان ترابط ما، بين الخبرين الصحافيين الأول والثاني، على المستوى اللبناني، من حيث سهولة قتل الحيوان فقط لإشباع رغبة في القتل من جهة، واستسهال التحريض العنصري ضد أناس يمكن معالجة العلاقة معهم من خلال القانون من جهة ثانية. مع ان نزعة الكراهية للبشر لا يمكن فصلها عن نزعة الكراهية للحيوانات.
سأكتفي بالاشارة الى مواقف الدول الغربية، في الخبرين. فهذه البلدان، تطل برأسها صراحة في الخبر الاول، وضمنيًا في الخبر الثاني، هي المتّهمة بالعمل على توطين السوريين في لبنان، من خلال سياسة الإتحاد الأوروبي ووكالة الأمم المتّحدة للاجئين.
تبدو هذه البلدان "حنونة"، في تعاطيها مع الطيور المهاجرة، فتحرص على وصولها آمنة إلى أراضيها، فيما تضع كل القيود اللازمة وبقساوة، للحؤول دون هجرة النازحين السوريين إلى بلدانها، بالتوازي مع الترويج لقيم حقوق الإنسان والإنفتاح والإندماج في لبنان. هذه "إنسانيّة" معطوبة في الصميم، تحتاج الى مراجعة عميقة على ضوء العلاقة التاريخيّة الاستعماريّة، والحاليّة السياسية والاقتصادية، بين مناطق الشمال والجنوب. لا سيّما بعد الرعاية اللامحدودة للاجئي أوكرانيا في أوروبا، بالمقارنة مع طريقة التعامل مع لاجئين من مناطق الجنوب.