غيّب الموت الشيف اللبنانيّ المتميّز رمزي شويري بشكل مفاجئ إثر نوبة قلبية أنهت مسيرة أحد رموز المطبخ اللبنانيّ، ومدير إدارة مدرسة الكفاءات الفندقية عام 1995، التي أسّسها والده نديم شويري، والتي ساهمت في نهضة لبنان السياحية والحضارية بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990. كنت التقيت به مرّة واحدة أثناء سفري عبر طيران الشرق الأوسط الى أوروبا، حيث أذكر قيام إحدى المضيفات الفظّات بإيقاظه من النوم ليشرح لها كيفية تحضير السوشي لزوجها الجديد، عمل قام به بكلّ لطف ومحبّة، رغم التصرّف غير اللائق التي قامت به "العروس الجديدة".
شهرة الشيف رمزي بلغت ذروتها عندما أصبح نجم أحد البرامج الصباحية اليومية سنة 1995، والذي ظهر عبر تلفزيون المستقبل الذي أسّسه رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، برنامج ثوري آنذاك في تقديم الفقرات السياسية والاجتماعية، وتضمّن فقرة الشيف رمزي الذي قدّم وصفاته المتعدّدة بطريقة بسيطة، ليستقبل اتصالات المشاهدين ويتفاعل معهم بطريقة لطيفة ومهذّبة عكس العديد من الطهاة الذين حاولوا تقليده لاحقاً.
موت الشيف رمزي ليس فقط مأساة، لخسارة لبنان أحد وجوهه الباسمة والناجحة، بل هو استمرار لمصرع مشروع سياسيّ حضاريّ وتقدّمي قاده الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد اتفاق الطائف، مشروع أرسى الحداثة والعلمانية كوسيلة لنهضة لبنان، لتصبح "بيروت مدينة عريقة للمستقبل". بطبيعة الحال مشروع رفيق الحريري "النيو ليبرالي" تعرّض إلى هجمات من أطراف عدّة منها من كان صادقاً في رفضه لرأسمالية الحريري "المتوحّشة" والطموحة، في حين أغلبية منتقديه من الذين انتموا إلى أحزاب رهنت نفسها للوصاية السورية التي ابتزّت رفيق الحريري عبر طلب المال وسرقة المال العام، والذي للأسف رضخ إليه الحريري بسبب قناعته بضرورة تطبيق خطّته الاقتصادية، نزعة لربما أسهمت في اغتياله من قبل "حزب الله" سنة 2005، جريمة قرّر الشعب اللبنانيّ وللأسف أيضاً التطبيع معها.
صراحة لا أعرف موقف الشيف رمزي الاقتصادي، ولكن بلا شكّ، إنّ تلفزيون المستقبل وما حواه من تنوّع فكريّ وإبداعيّ قدّم للبنان والعالم العربي أكثر بكثير مما يقدّمه مشروع محور الممانعة الذي قرر في سنة 2003 البدء بعملية اغتيال رفيق الحريري كفكرة، ففي فجر 15 حزيران 2003 أثناء الاحتلال السوري للبنان، وبعد بضعة أشهر من الغزو الأميركيّ للعراق، قامت مجموعة "جهادية" تطلق على نفسها "أنصار الله" بتوجيه صاروخي غراد 107 مم من صندوق سيارة مركونة لتطلقها على تلفزيون المستقبل في محلّة الروشة، ما أدّى الى احتراق قسم من المبنى الذي كان يضم أستوديوهات عالم الصباح ومن ضمنها مطبخ الشيف رمزي. من دواعي السخرية أنّ وزير الإعلام اللبنانيّ آنذاك ميشال سماحة استنكر الهجوم واعتبره "رسالة ليست موجّهة إلى المستقبل فقط وإنّما موجهة إلى الاستقرار والأمن في لبنان". فميشال سماحة أحد المتعاملين مع النظام السوري في لبنان حكم عليه لاحقاً بالسجن بتهمة "التحضير لأعمال إرهابية والتخطيط لنقل متفجرات من سورية إلى لبنان بنية تفجيرها وقتل شخصيات سياسية لبنانية ورجال دين ومسحلّين سوريين ومهرّبين"، بالتنسيق مع رئيس مكتب الأمن القوميّ السوريّ علي مملوك ومدير مكتبه.
ردّة فعل الشيف رمزي كردّة فعل الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانت الانتفاض على أداة القتل والدمار والطهي من داخل الأستوديو المدمّر في تحدّ واضح لما يسمّى "أنصار الله" وعصابتهم من أشباح الأجهزة الأمنية من القتلة الذين اغتالوا سنة 2002 رئيس مصلحة الطلاب في "القوات اللبنانية" رمزي عيراني وتركوه جثة في صندوق سيارة في شارع كاراكاس على بعد خطوات من تلفزيون المستقبل.
رسالة "أنصار الله" الفاشلة تلتها رسائل عدّة وصلت ذروتها مع قيام "حزب الله" باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، في عملية حاولوا تلبيسها الى المدعو أحمد أبو عدس، في حين أنّ الجريمة تمّت بأيدي فريق "النخبة" التابع لميليشيات إيران في لبنان، بمجموعة قادها مباشرة مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا أثناء مشاركته في الحرب إلى جانب نظام بشّار الأسد. اغتيال رفيق الحريري كان المدخل لسقوط لبنان وسقوط "مشروع" الشيف رمزي ورفاقه من المبدعين المؤمنين بسحر هذا البلد المتوسّطي الرافض للموت.
فتلفزيون ومطبخ الشيف رمزي اللذان صمدا أمام صواريخ "أنصار الله" سقطا في يد ثلّة من الفاشيين الجدد قاموا باحتلال مبنى التلفزيون خلال أحداث السابع من أيار 2008 وأحرقوا أرشيفه معلنين "نصرهم الإلهي" على "يهود الداخل"، ممهّدين الطريق للتدمير الكامل لمشروع رفيق الحريري الذي فشل وريثه السياسيّ في الحفاظ عليه - لأسباب موضوعيّة وأخطاء شخصية - فأصبح الشيف رمزي، ونصير الأسعد وبول شاوول وأحمد قعبور وسحر الخطيب أيتاماً في غابة يحكمها الطغاة.
قلب الشيف رمزي كما قلب بيروت انطفأ عندما أمسى "الحاج" وفيق صفاء قادراً على تهديد القاضي طارق بيطار "بالقبع" في حين هو متّهم بالتهريب عبر مرفأ بيروت، فالشيف رمزي بوجهه المستدير المبتسم لا مكان له في اقتصاد "حزب الله" الذي حوّل لبنان ميشال شيحا وهنري فرعون إلى اقتصاد "نجومه" الحاج زين والحاج فادي وناظم سعيد أحمد - أرباب تبييض الأموال والتهريب - هم مقياس الحضارة، خصوصاً عندما ارتضى اللبنانيون استبدالَ الشيف رمزي ووصفاته الشهية بمجاهدين زراعيين وطبّاخي حبوب مخدّر "الكبتاغون".
اللبنانيون بكامل أطيافهم مسؤولون عن وضعهم الحاليّ، فصمتهم عن جريمة اغتيال الحريري والجرائم الأخرى مهّد الطريق أمام استبدال الشيف رمزي وبياض هندامه بمجموعة من الفاسدين امتهنوا دسّ السمّ في أطباقنا جميعاً.