النهار

في انتظار نصرالله، ماذا ترانا فاعلون؟
المصدر: "النهار"
في انتظار نصرالله، ماذا ترانا فاعلون؟
مناورات "حزب الله" العسكرية.
A+   A-

غسان صليبي

اللبنانيون جميعاً، شعباً وحكومة، مواطنين وزعماء، 8 و14 آذار، "كلنا يعني كلنا" و"كلن يعني كلن"، في انتظار أن يقول نصرالله كلمته، حرباً أو سلماً.

 

نصرالله بدوره في انتظار أن يقول الخامنئي كلمته الفصل بشأن الحرب مع إسرائيل، فهو جندي عند الولي الفقيه الإيراني، كما يفاخر مراراً وتكراراً. محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية، كان واضحاً: "نحن نلتزم تكليفنا الشرعي في حماية إنساننا وفي الدفاع عن حق كل مظلوم، وحيث يوجب التكليف منا أن نكون سنكون، لا حيث ما يرغب الواهمون أو المتطفّلون على مشروع المقاومة وخيارها". هذا يعني بوضوح، أن لا علاقة لقرار الحرب بالدولة اللبنانية، بل بوليّ الفقيه.

الجميع ينتظر نصرالله، لكن نصرالله همس في أذننا على لسان نائبه نعيم قاسم: "إننا تلقينا الكثير من الاتصالات لمنع التدخل في العدوان على غزة لكننا الآن في قلب المعركة ونحقق إنجازات فيها. هل تعلمون أن ثلاث فرق موجودة في جنوب لبنان في مقابل حزب الله وخمس فرق موجودة في مقابل غزة ولو لم يكن "حزب الله" جزءاً في هذه المواجهة لكانت كل هذه الفرق هناك". هل نحن فعلاً في قلب المعركة، أم أن ما قاله نعيم قاسم هو مجرد رفع عتب، نظراً لعدم اتخاذ قرار بعد، بالانخرط الكامل في الحرب؟

الجميع ينتظر نصرالله، لكن نصرالله حدد عنوان المعركة، عبر رسالة خطية أرسلها إلى المعنيين في وحدات ومؤسسات الحزب الإعلامية: "انسجاماً مع حقيقة المعركة القائمة الآن مع العدوّ الصهيوني منذ تشرين الأول مع طوفان الأقصى، وتأكيداً على هوية التضحيات التي تقدّم في سبيل الله تعالى على حدودنا اللبنانية مع فلسطين المحتلّة يرجى اعتماد تسمية الشهداء الذين ارتقوا من 7 تشرين الأول بالشهداء على طريق القدس، والإعلان عن ارتقاء أي شهيد جديد بالشهيد على طريق القدس، في بيانات النعي أو مسيرات التشييع أو مناسبات الذكرى أو ما شاكل ذلك". هل نحن فعلاً في معركة لطالما وعدنا بها نصرالله، وهدفها الأسمى، الصلاة في الأقصى؟ أم أن سقوط عدد كبير من القتلى من مجاهدي الحزب، في مناوشات عسكرية تبدو بدون هدف، يحتاج إلى رفع معنويات، من قبيل اعتبار القتلى شهداء على طريق القدس؟ في الحالتين، "حزب الله" لم يعد يقاتل كمقاومة من أجل تحرير أرضه، بل من أجل تحرير أرض فلسطين، وفي معادلته الذهبية، جرى الاستغناء عن الشعب والجيش، والإبقاء على المقاومة، لكن دون سبب وجودها هذه المرة.

الجميع ينتظر نصرالله، لكن نصرالله يتصرف: المناوشات العسكرية تتوسع في الجنوب في مخالفة واضحة للقرار 1701. "حزب الله" يقصف الأراضي الإسرائيلية وإسرائيل تقصف الأراضي اللبنانية، وهناك قتلى وجرحى وتدمير على الجانبين. النزوح من بلدات وقرى الجنوب على قدم وساق، واهالي الضاحية الجنوبية يتركون منازلهم ويستأجرون أخرى في مناطق يعتقدون أنها ستكون أكثر أماناً إذا وصلت الحرب إلى الضاحية. البلاد مشلولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، والقلق يحتل النفوس والناس تتوقع الأسوأ. هل سبقت تداعيات الحرب، موعد الإعلان عن بدئها، وبات انتظارنا للأسوأ بعد أن حلّ السوء باكراً؟

في انتظار نصرالله، اللبنانيون شبه مجمعين، ومن بينهم شرائح شيعية واسعة، على أن دخول "حزب الله" في الحرب سيدمّر لبنان، بالمعنى الحرفي للكلمة، وبالتالي عليه ألا يفعل.

أعلن رئيس المجلس النيابي انه متمسك بالقرار 1701، لكن لا أحد ينتظر منه أن يطلب علناً من "حزب الله" عدم توريط لبنان في حرب جديدة. رئيس الحكومة وقائد الجيش يتمسكان بالقرار 1701 في جولة جنوبية، لكنهما لا يطالبان بوضوح "حزب الله" والفصائل الفلسطينية الحليفة له، بوقف استخدام الأراضي اللبنانية للتراشق العسكري مع إسرائيل. جنبلاط يعترف أن "الحرب في الجنوب ماشية لكن يجب عدم توسيعها"، ويكتفي بنصح "حزب الله" بعدم السماح لإسرائيل باستدراجه إلى المزيد من الانخراط. المعارضة النيابية لـ"حزب الله"، ترفض دخول لبنان في الحرب بدفع من إيران، لكنها عجزت عن استصدار قرار في المجلس النيابي يشرّع رفضها. وجعجع يصرّح بشكل قاطع: "اليوم، قضي الأمر. لم تعد المعارضة قادرة على القيام بأي شيء". حزبا الكتائب والكتلة الوطنية وتجمعات في الانتفاضة، حذّروا هم أيضاً من الانزلاق إلى الحرب.

بموازاة هذا الرفض العام لتدخل "حزب الله" في الحرب، يقوم حليفه المخلص جبران باسيل، بحركة سياسية، عنوانها الوحدة الوطنية في مواجهة المخاطر التي تهدد الوطن، وهدفها الفعلي تأمين الغطاء لما يمكن أن يقدم عليه "حزب الله".

في انتظار نصرالله، ماذا ترانا فاعلون، نحن الأكثرية الشعبية الساحقة التي لا تريد الحرب؟ علينا ببساطة أن نعبّر عن موقفنا بوضوح وبكافة الأشكال، كتابةً وسلمياً على الأرض، قبل فوات الأوان. واقترح أن نوجّه رسالتين، الأولى لإسرائيل والثانية لـ"حزب الله".

لإسرائيل ومن خلالها للعالم أجمع، نقول، إن شعبنا لا يريد الحرب، وقد أعلنت حكومتنا صراحة أنها لا تريد الحرب بل تحرص على تطبيق القرار 1701، وهذا ما أكد عليه أيضاً قائد الجيش. وبالتالي لا حجة لها لمهاجمة دولة مسالمة، ولا لتحميلها مسؤولية أعمال فئة من فئاته، لا تمثله رسمياً. وإذا فعلت فهي دولة معتدية تمارس الإرهاب على الشعوب الأخرى.

لـ"حزب الله"، نقول، لا يحق لك استخدام الأراضي اللبنانية لمهاجمة إسرائيل، لا سيما أن نصرالله اعتبر صراحة ما يجري اليوم في الجنوب، معركة على طريق تحرير القدس وليس لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة. وبالتالي نزع عن حزبه صفة المقاومة اللبنانية، إذ أن هدف المقاومة الحصري، هو تحرير أراضٍ لبنانية محتلة، وخارج هذه المهمة، تصبح المقاومة خارجة عن الإرادة الوطنية وعن الشرعية اللبنانية.

في وقت تحظى فيه إسرائيل بأقصى دعم دولي، عسكري ومالي ومعنوي، وتنعدم بالمقابل في لبنان، أية مقومات الصمود الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي والوطني والمعنوي،

يصبح زج لبنان في حرب مع إسرائيل، خيانة وطنية كاملة المواصفات، ستؤدي حكماً إلى انهيار الكيان وتفتيته. لا بل إن الخيانة أيضاً، هي في استمرار المناوشات العسكرية، بدون أفق، مع ما يترافق معها من تداعيات اقتصادية واجتماعية ووطنية. ومع الموافقة على ما قاله بري أن إسرائيل تنتهج "سياسة الأرض المحروقة في الجنوب"، نطالبه بتحمل المسؤولية ومنع "حزب الله" وفصائل فلسطينية من إعطاء الحجة لإسرائيل للقيام بما تقوم به.

لست من الذين يُبدّون الشعور الوطني على الشعور الإنساني العام، ولست من الذين يديرون الظهر لآلام الآخرين، في بلادي أو في بلاد أخرى. ويعذبني بالطبع ويجرح إنسانيتي، ألا أكون قادراً على مد يد العون للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لما يشبه الإبادة الجماعية، ولي من بين أفراده، أصدقاء كثر أتابع أحوالهم كل يوم.

لكن الادّعاء أن تبادل القصف مع إسرائيل يخفف من قدرتها العسكرية على البطش بالفلسطينيين، كذبة لا تنطلي على أحد. لا بل أن فتح جبهة جديدة مع إسرائيل على حدودها الشمالية، يعزز من قدرتها على إيهام الرأي العام المحلي والعالمي أنها ضحية، ويبرر إجرامها بحق الفلسطينيين.

اما الادّعاء أن دخول "حزب الله" الحرب، بكل طاقته العسكرية، يمكن أن ينصر الفلسطينيين، فهذا أيضاً وهم خالص، نظراً للقوة العسكرية الإسرائيلية، وللدعم الأميركي العسكري غير المحدود، الذي تعد به الإدارة الأميركية. دخول الحرب نتيجته الوحيدة، هي تدمير لبنان، وربما انتصار إلهي جديد لـ"حزب الله"، ولـ"وحدة ساحات المقاومة" بقيادة إيران، على حساب حياة المواطنين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين وأرزاقهم ومستقبلهم.

موت لبنان لا يخدم فلسطين بل إسرائيل، وكل من يريد تحويله نهائياً، من وطن إلى ساحة. لأن "وحدة ساحات المقاومة" تعني عملياً المشاركة في الحرب وموت لبنان الذي يتفرّد "حزب الله" في حكمه في الظروف الحالية، هل يعيد "حزب الله" النظر في استراتيجيته، فيتصالح مع شعبه، ويعيد الاعتبار لمعنى ثلاثيته، "شعب، جيش ومقاومة"، التي لا معنى لها إلا في إطار استراتيجية دفاعية تضعها الدولة وتطبقها؟

من يحرص فعلاً على حياة الشعب الفلسطيني، يحرص عليها في فلسطين وفي لبنان، فيحترم خيارات هذا الشعب ويعترف بسلطاته الشرعية، ولا يحرّض الفصائل الفلسطينية بعضها على بعض، ويمدّها بالسلاح لتتقاتل في ما بينها في المخيمات، ما يفاقم بؤس شعبها ويخلق توترات أمنية تطال اللبنانيين في عيشهم، وتغذي مشاعر العداء بين الشعبين، بدل خلق مناخات من التآخي والاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق المدنية الأساسية للاجئين الفلسطينيين، التي تسمح لهم بالعيش بكرامة.

من السذاجة الاعتقاد أن دخول لبنان في الحرب، يتوقف فقط على موقف إيران و"حزب الله"، وإن كانت الحرب لا يمكن أن تحصل بدونهما. فبيد أميركا وإسرائيل أدوات استخباراتية وعسكرية متعددة، تستطيع استخدامها لتوريط أعدائها، لا سيما أن هؤلاء في موقع حرج تجاه مسؤوليتهم العقائدية في الدفاع عن غزة، ما يسهّل انزلاقهم إلى مواجهات ربما كانوا يفضّلون تفاديها. انخراط أميركا وإيران في الصراع بين إسرائيل وحماس، من شأنه أن يوسّع أو يقلص، من احتمالات دخول "حزب الله" في الحرب، في سياق النزاعات - التسويات التي لا تتوقف بين الطرفين، الإقليمي والدولي، والتي قد تطال الجغرافيا السياسية بمجملها، ومن ضمنها هذا البلد الصغير، و"الفقير على المتوسط"، كما وصفته منذ فترة، مساعدة وزير الخارجية الأميركية، التي تزور لبنان.

في انتظار نصرالله، ننتظر إيران وإسرائيل وأميركا، البلدان الأكثر مسؤولية، عن بؤسنا وقهرنا في هذه الحقبة التاريخية من حياتنا، بالتكافل والتضامن مع حكامنا.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium