النهار

الأمم-السعوديّة المتّحدة
الأمير محمّد بن سلمان. (أرشيفيّة- "أ.ف.ب").
A+   A-
يتساءل مراقبون، ما سرّ القمم والمؤتمرات المتوالية في السعودية؟ ماذا تريد الرياض؟ لماذا يقبل الزعماء عليها بهذه السرعة وهذا الكمّ؟
ويضع أحدهم سؤالاً محدّداً: هل تنوي الرياض إعلان قيام "الأمم السعوديّة المتّحدة قريباً؟
 
وماذا يعني هذا التكتل الجديد للمنظمات القائمة، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ وما هو موقف الدول العظمى من هكذا تحوّل لمركز الجاذبية الكوني من نيويورك وواشنطن ولندن وباريس إلى مكة والرياض وجدّه والدرعية؟
 
تعدّدت الأسئلة وتجددت كلّما أُعلن عن عقد مؤتمر أمميّ في المملكة العربية السعودية. فبعد القمة العربية في جدّه، والتي شهدت عودة سوريا إلى الصف العربي في أيّار /مايو، والقمم الخليجية والعربية مع أميركا والصين، جاءت قمّة دول وسط آسيا وقمّة آسيان مع دول الخليج وتأسيس المنظمة العالمية للمياه في الرياض.
 
وفي الأيام الماضية عقدت ثلاث قمم متوالية، القمة السعودية الأفريقية، والقمة العربية الإسلامية، والقمة السعودية مع دول الكاريبي. هذا عدا القمم الثنائية مع قادة الشرق والغرب، من واشنطن إلى بكين، ومن لندن وباريس إلى اليابان وكوريا، ومن تركيا وإيران إلى جنوب أفريقيا وأثيوبيا.
 
وبين هذا وذاك مشاركة ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في قمة العشرين في الهند، وقمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبك) في بانكوك، وزياراته الرسمية لعدد من الدول الشريكة كالهند وتركيا وكوريا وماليزيا واليونان وألبانيا وفرنسا.
 
وهناك الزيارات المكوكية للدول الصديقة لوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الدولة للشئون الخارجية والمناخ، عادل الجبير، وغيرهم من وزراء الدولة للشئون الأفريقية والعربية والخليجية. وكذا وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، ووزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، ووزير الاستثمار، المهندس خالد الفالح، ووزراء المالية والتجارة والصناعة والزراعة والشؤون الإسلامية، والرياضة، والسياحة.
 
وعادة ما يصطحب القادة السعوديّون في زياراتهم وفوداً كبيرة من أهل الاستثمار والأعمال والتعليم والخبراء في المجالات ذات الصلة بطبيعة الزيارة كالعلوم الشرعية، والتنمية المستدامة، والبيئة والفضاء والسياحة والزراعة والأنشطة الرياضية، إضافة إلى ممثلي الصندوق السعودي للتنمية لتقديم القروض والدعم للمشاريع الإنمائية والتعليمية والصحّية.
 
وبمناسبة الرياضة، هناك قمم رياضية سبقت وأخرى قادمة، فبعد بطولة الملك سلمان للأندية العربية، والبطولة الدولية لفنون القتال المشترك، والبطولة العالمية للأندية في كرة اليد، تستقبل الملاعب السعودية بطولة أندية العالم لكرة القدم، وبطولة آسيا للأندية.
 
إضافة إلى سباقات السيّارات "الفورمولا ١" و"دكار" والسيارات الكهربائية، وسيارات الدفع الرباعي، وبطولات أخرى في ألعاب مختلفة كالملاكمة والمصارعة الحرّة. هذا عدا البطولات المحلية بصبغة دولية، كدوري كرة القدم الذي يشارك فيه بعض أشهر نجوم العالم.
 
وفي السنوات القادمة، تستضيف السعودية الأولمبيّات الآسيوية الشتويّة في جبل الثلج الصناعي "تروجينا" في نيوم، ٢٠٢٩، وبطولة آسيا لمنتخبات كرة القدم في ٢٠٢٧، وكأس العالم في ٢٠٣٤، عدا البطولات العربية والخليجية ومباريات الكلاسيكو الأوروبية، وغيرها من المناسبات الإقليمية والدولية القائمة أو المبتكرة.
 
كما تسعى الرياض إلى استضافة إكسبو ٢٠٣٠، وهي الأقرب بين المتنافسين، (روسيا، أوكرانيا، إيطاليا وكوريا الجنوبيّة) للفوز في الاقتراع المنتظر في باريس بعد أيّام.
 
هذا الحراك الضخم، والذي يشمل أيضاً مؤتمرات اقتصادية وبيئية ومناخية ورياضية ومناسبات دينية وسياحية وفنية وترفيهية، كنسك الحجّ وموسم العمرة (المفتوح طوال العام)، واجتماعات منظّمة التعاون الإسلاميّ، ومبادرة مستقبل الاستثمار، وموسم الرياض، يقابله ركود نسبيّ في الأنشطة المماثلة إقليمياً ودولياً.
 
وهذا التفاعل السريع مع الأحداث الطارئة، كالغزو الإسرائيلي لغزّة، الذي دعت الرياض لمناقشته أربع قمم، أفريقية وعربية وإسلامية وكاريبية، وقبله جهود السلام في أوكرانيا، والتي استضافت السعودية لمناقشتها مؤتمراً عالمياً شاركت فيه ٣٤ دولة ومنظمات أممية.
 
وهذه الاستجابة القوية للكوارث الطبيعية كما في تركيا وسوريا والمغرب وباكستان ودول الكاريبي، التي يبادر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالمساهمة العاجلة في مواجهتها بمليارات الدولارات.
 
وهذا الطواف الدوليّ حول الرياض بحثاً عن حلول للأزمات والصراعات في المنطقة والعالم، من تداعيات كورونا وحرب الناقلات في الخليج إلى أزمات الطاقة والمناخ والغذاء، ومن غزو روسيا لأوكرانيا، والحرب الأهلية في السودان واليمن، إلى ملفّات الشرق الأوسط الملتهبة، في سوريا ولبنان وفلسطين.
 
كلّ هذه المستجدّات تشير إلى تحوّل كبير في بوصلة المؤسسات الأممية المعنية بالأمن والسلم والتعاون. وبالتالي فإنّ من حقّ المراقب أن يسأل: لماذا؟ وإلى أين؟
 
الرؤية السعودية ٢٠٣٠ تشرح كلّ شيء. فالسعودية التي توسّعت في علاقاتها الدولية بإقامة أو تطوير علاقاتها مع عشرات الدول، (بعضها لأوّل مرّة، مثل جزر الكاريبي)، واشتركت أو تلقّت دعوة للانضمام إلى تكتّلات ومنظمات عالمية كبرى، (لعلّ آخرها شنغهاي وبريكس وآسيان ومنظمة التعاون الأفريقيّ، ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبك)، بعضوية كاملة أو بصفة مراقب)، تهدف، ببساطة ووضوح، إلى توسيع دائرة التعاون والتجارة والتكامل والنفوذ أضعاف ما كانت عليه. وأن تصبح خلال سنوات الرؤية أحد أكبر عشرة اقتصادات كونيّة.
 
فمع التسارع الحادّ في نموّها الاقتصادي ودخولها في مجالات جديدة مثل السياحة والطاقة النظيفة والمتجدّدة والفضاء والترفيه، وتطويرها لمجالات سابقة، مثل التعدين والصناعة والزراعة والرياضة، تحتاج الرياض إلى المزيد من الشركاء والأسواق ومناطق الاستثمار.
 
كما تسعى إلى الحفاظ على الأمن الوطنيّ والإقليميّ بموازنة علاقاتها الدولية والابتعاد عن القطبية والمحاور المتصارعة، والدفاع عن حقّها في الحياد الإيجابيّ وإعلاء مصالحها ومصالح أشقّائها. وفي الوقت نفسه، تسعى كصديق للجميع ووسيط محايد إلى فكّ الاشتباكات وتصفير الخلافات في محيطها وخارجه، والمشاركة في كلّ عمل دوليّ يخدم مصالح الكلّ بندّية وعدالة وحسن نيّة.
 
للقوى العظمى أن تغار من تحوّل عاصمة عربية إلى منصّة دولية رئيسية للتعاون الاقتصادي والخدمات اللوجستية والنقل، ومحطة إطفاء للصراعات، وديوان مفتوح للتشاور السياسيّ والثقافيّ والتعاون العسكريّ والأمنيّ لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظّمة والفتن الطائفية وخطاب الكراهية، خاصّة وهي لا تحمل إرثاً استعمارياً وعدوانياً بل رصيداً كبيراً من التعاون والدعم والتعاملات الاخلاقيّة.
 
لكن على هذه القوى أن تدرك أنّ ما يتحقّق من إنجازات على كلّ هذه الأصعدة سيخدم النظام العالميّ الجديد، ومستقبل البناء والتنمية، وحماية المناخ والبيئة، وتأمين الاستقرار والأمن. وفي هذا مصلحة لكلّ سكان الكرة الأرضية، بغضّ النظر عن موقع المنصّة أو هويّة القيادة أو تركيبة وعضوية غرفة العمليات الكونية.
 
ستبقى المنظمات والمؤسسات الأممية التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية ونجحت حتى اليوم في الحيلولة دون قيام الثالثة. لكنّ تركيبة بعضها، كمجلس الأمن والبنك الدوليّ وصندوق النقد الدوليّ ومنظمة التجارة العالمية والمحكمة الجنائية الدولية، الخاضعة للدول العظمى والمسخّرة لخدمة مصالحها، فرضت قيام التكتلات والمؤسسات الإقليمية، والقارية، والأممية المستقلّة.
 
ومن حقّ دولة بحجم السعودية ومكانتها القيادية عربياً وإسلامياً ان تسعى إلى حماية أمنها ومكتسباتها، وتحقيق رؤيتها التنمويّة، والدفاع عن مصالح أشقّائها بتعزيز مساحتها السياسية والاستراتيجية الدولية من خلال بناء الشراكات الجديدة وتدعيم السابقة. وعبر تنشيط حضورها الدوليّ في مختلف المنصّات والمواقع التي تخدمها، وتوسّع دائرة نفوذها بدون اللجوء إلى أدوات القوّة والعنف والتدخّل الفجّ في شؤون الآخرين.

اقرأ في النهار Premium